كيف يحافظ المبتعثون والمبتعثات إلى أمريكا على ثقافة وقيم أطفالهم؟

​متاعبهم لا تكمن فقط في صعوبة اللغة ومتطلبات الدراسة والغربة بل تتجاوزها إلى تعليم أبنائهم
كيـــف يحـــافظ الـمبتعثون والمبتعثات إلى أمريكا على ثقافة وقيم أطفالهم؟

يرى الكثير من المبتعثين والمبتعثات للدراسة في أمريكا، الذين يصطحبون أبناءهم معهم خلال فترة الابتعاث والدراسة، أن متاعبهم لا تكمن فقط في صعوبة اللغة، ومتطلبات الدراسة والمعايير المرتفعة، والغربة بل تتجاوز ذلك إلى تعليم أبنائهم في المدارس العامة، واحتكاكهم المباشر بثقافة منفتحة ومختلفة تماماً عن التي تربوا عليها، بما فيها من المساس بتعاليم الدين، والقيم العائلية المحافظة؛ نتيجة مخالطة زملائهم الآخرين، والتأثر بقيمهم المتسامحة بشكل كبير، وقد يلاحظون أحياناً أن أبنائهم وبناتهم سلوكيات وتصرفات لا تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم الدينية والمجتمعية، مما يثير الكثير من القلق لديهم في ظل  إتاحة الحرية الكاملة في المجتمع الأمريكي لممارسة كل شيء حتى وإن كان لا يتماشى مع ثقافتهم.

ضرب من الجنون
وفي هذا الإطار يقول مذيع في إذاعة محلية بولاية “كانساس” الأميركية، وهي ولاية ريفية محافظة تقع في منتصف الولايات المتحدة، “إذا أردتَ الالتزام بتعاليم دينك، فعليك أن تُخالفَ العالم؛ اليوم، لم يعد بإمكانك أن تقول أن ثمّة رجل، وامرأة، وهذا ضرب من الجنون”. ويستطرد في حديثه أن القضية المتصلة بتشعبات الهويات الجنسية التي باتت منتشرةً في الولايات المتحدة تستند في جوهرها إلى شيوع الفكر الفرداني الذي يعزز من الذات الفردية على حساب القيم الدينية والمجتمعية، وهذا يهدد الأسر والمجتمع.

تحديات متزايدة
وفي السياق ذاته يرى عدد من المبتعثين والمبتعثات إلى أمريكا أنهم أمام تحديات متزايدة خاصة على مستوى القيم والهوية، وهو ما دفعهم لاتخاذ عدد من التدابير المجتمعية لمواجهة سيل التحديات المتنامي، لهم ولأبنائهم وللأجيال التالية، ففي المجتمع الأمريكي، ليس ثمّة منهج مركزي يعمم على كافة الولايات الأمريكية، ولا حتى داخل الولاية الواحدة بل يعود القرار للمقاطعة “المدينة” التي بيدها قرار إدخال مسائل الهويات الجنسية في مناهج التعليم، ويتأثر ذلك بتوجهات الانتخابات المحلية التي قد تُفرز مرشحاً يدعم هذه القضايا، ويحرص على تضمينها داخل مناهج التعليم الدراسي في المنطقة.

قيم الأسرة
وتعد المدرسة هي الصورة الأكثر تكثيفاً للمجتمع الأمريكي وثقافته، خاصة، وأن المدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل باستمرار على تعزيز فكرة فردانية الطفل وتشجيعه على اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحته حتى لو خالف ذلك قيم الأسرة، مما قد يتنافى مع رغبات وتطلعات الأسر العربية المحافظة، والتي بدأت أعداد كبيرة منها إلى توجيه أبنائها للدراسة في المدارس الخاصة، ومع التوجه نحو توسيع هذه التجربة ودعمها؛ حدثت زيادة غير مسبوقة في معدلات تسجيل الطلاب في المدرسة العربية والإسلامية؛ نظرا للتحديات المتزايدة التي تواجه الطلاب في المدارس العامة.

التعليم المنزلي
كذلك برز التعليم المنزلي كأحد الحلول التي لجأ إليها عدد من الآباء والأمهات المبتعثين لإخراج أبنائهم من أجواء الاحتكاك المباشر بالمدارس العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن كثيرا من المدارس الخاصة لم تنضج تجربتها بعد على مستوى جودة المناهج، والمعلمين، ومحدودية أعداد القبول في ظل تزايد المبتعثين والمبتعثات، مما يُبرز تحديا آخر في قدرة هذه المدارس الخاصة على استيعاب الطلب المتزايد للتسجيل فيها، لذا لجأ عدد من الأهالي للتعليم المنزلي، وبذلك يتفادون التحدي الأكبر بالنسبة لهم، وهو الاختلاط ببيئة المدارس العامة، وفي الوقت ذاته يحصلون على جودة تعليم مرتفعة المستوى، وما يميز تجربة التعليم المنزلي في أميركا بالمقارنة مع عدد التجارب في مناطق أخرى من العالم، هو أن المناهج التعليمية معترف بها رسميا في أمريكا، مما لا يؤثر على فرص الطالب التعليمية في إكمال دراسته الجامعية في أي تخصص يريد، طالما استوفى الطالب نظام التقييم المعتمد في المدرسة والمعترف به في عموم الولايات.

الركائز الأساسية

وفي الإطار ذاته، يعد المنزل أحد الركائز الأساسية  في التعليم والحفاظ على القيم السليمة، لذا تأخذ عدد من عائلات المبتعثين ما يمكن وصفه بالتدابير الوقائية، مثل منع الحديث باللغة الإنجليزية داخل المنزل، وإشراك أبنائهم في دروس لتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم، تعزيز الوعي الذاتي عبر المناهج التي تتم عبر الإنترنت، مما يبرز دور الآباء والأمهات أمام ثقافة المجتمع الخارجي المتسامحة، والتي تختلف جوهرياً عن ثقافتهم العربية الإسلامية، مما يزيد من الحرص على تعزيز القيم الصحيحة لدى أطفالهم.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة