دراسة تطبيقية لمعهد الإدارة العامة عن واقع التوازن بين الجنسين في الوزارات

دراسة تطبيقية لمعهد الإدارة العامة عن واقع التوازن بين الجنسين في الوزارات

الفجوة “الجندرية” لصالح الإناث في وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمهن التعليمية والدعم المكتبي وهيمنة الذكور على التمثيل النوعي للوظائف

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

رفع توصية لصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) بتعديل شروط الالتحاق ببرنامج دعم (قرة) ليشمل الرجال والنساء معًا
أكثر من 40 توصية تتعلق بالتمثيل النوعي للوظائف وجوانبها التنظيمية لتحسين واقع التوازن بين الجنسين في الوزارات بالمملكة

انطلاقًا من استراتيجيته 2024؛ ومن دوره كمؤسسة رائدة في دعم التنمية الإدارية تتخذ من المبادرة وسرعة الاستجابة والابتكار منهج عمل يمكِّن حكومة المملكة من تحقيق أهدافها، ومساهمته في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، يقدم معهد الإدارة العامة وينفذ الاستشارات والدراسات التطبيقية ذات الأثر العالي على أداء المنظمات المختلفة، والتي تعد من بين ركائزه الاستراتيجية الست، حيث تعد الدراسات التطبيقية من بين أبرز أنشطته وخدماته المؤسسية المقدمة؛ وفي ضوء ذلك أجرى فريق من الخبراء بمعهد الإدارة العامة دراسة تطبيقية مهمة عن "واقع التوازن بين الجنسين في الوزارات بالمملكة العربية السعودية"، والتي نستعرض معكم أبرز ما تناولته، من خلال ما تضمنه تقريرها العام في السطور التالية.
المستهدفات
لقد استهدفت هذه الدراسة التعرف على واقع هذا التوازن بين الجنسين في الوزارات المختلفة بالمملكة، وذلك من خلال التعرف على كل من: واقع التمثيل النوعي في تصنيفات الوظائف السعودية، وواقع التوازن بين الجنسين في الجوانب التنظيمية لبيئة العمل، والكشف عن التحديات التي تحول دون تحقيق هذا التوازن، وتقديم توصيات تسهم في تحقيق ذلك التوازن بين الجنسين في هذه الوزارات.
الفجوة الجندرية
وانطلاقًا من دعم حكومتنا الرشيدة القدرات البشرية وتحقيق التكامل والتوازن بين كافة أفراد المجتمع؛ فإن موضوع التوازن بين الجنسين يعد من بين الموضوعات التي تلقى اهتمامًا كبيرًا في المملكة العربية السعودية، حيث أصبحت المرأة متواجدة في كل مجالات العمل التنموية، بحيث تشكل نسبة كبيرة من القوى العاملة في كل من الجهات الحكومية والخاصة، وتبرهن على نجاحها وقدرتها على تحمل المسؤولية إلى جانب الرجل. وتبذل المملكة جهودها الدؤوبة لسد الفجوة بين الجنسين، لتحقيق هذا التوازن، والذي يشير-بحسب هذه الدراسة-إلى التوزيع العادل بين الجنسين لفرص العمل والموارد والمعلومات، والتمثيل المتوازن لكليهما بناءً على المهارات والكفاءات، وذلك لكلا الجانبين: التنظيمي، والتمثيل النوعي في تصنيفات الوظائف، في بيئة العمل.
أبعاد تنظيمية
وأما التوازن في جوانبه التنظيمية، فالمقصود به مدى ملاءمة كافة الممارسات التنظيمية، سواء الصريحة أو الضمنية لكلا الجنسين؛ وهو ما يسهم في تحقيق التمثيل النوعي المتوازن، وتكافؤ الفرص لكليهما، إضافة إلى تلبية احتياجاتهما ومراعاة ظروفهما المتباينة في بيئة العمل. وتحدد الدراسة 5 أبعاد للجوانب التنظيمية في بيئة العمل لقياس واقع التوازن بينهما في الوزارات المختلفة، وهي كالتالي: تكافؤ الفرص، والإجراءات التنظيمية، والتدريب والتطوير، والممارسات في التعويضات والمكافآت والمزايا، والثقافة التنظيمية.
التمثيل النوعي
بينما يقصد بالتمثيل النوعي في تصنيفات الوظائف التوزيع العادل بين الجنسين في فرص التوظيف، ويقاس من خلال التمثيل النوعي في تصنيفات المهن المختلفة، مثل مهن المديرين (مهن صنع القرار)، والمهن الأخرى دون المديرين، مثل مهن الاختصاصيين، والفنيين والاختصاصيين المساعدين، والمهن الأولية، ومهن عاملي الحرف ومَن يرتبط بهم، ومهن عاملي الخدمات والمبيعات، ومهن عاملي الدعم المكتبي، ومشغلي المصانع والآلات وعاملي التجميع، ومهن التخصصات المهنية والعلمية والتقنية (STEM) وفقًا لمجموعة تصنيفات المهن الموحد حسب الدليل السعودي للتصنيف.
التطبيق والقياس
وتم إجراء الدراسة بالتطبيق على عينة قوامها 2580 موظفًا وموظفة موزعين على 21 وزارة مختلفة. كما أُجريت مقابلات مقننة على عينة قصدية من بين القيادات العليا في بعض هذه الوزارات، والقيادات الوسطى في إدارة الموارد البشرية والبالغ عددهم 19 قياديًا وقيادية من 10 وزارات؛ بغرض تفسير نتائج الدراسة في بُعديها الاقتصادي والتنظيمي. وعلى جانب مقاييس الدراسة، فقد تم قياس واقع التوازن بين الجنسين في التمثيل النوعي بين الجنسين في تصنيفات الوظائف، من حيث المهن القيادية (العليا والوسطى) والمهن التنفيذية، وبالاستناد إلى عدد من النماذج الدولية والإقليمية، مثل منهجية نموذج الاقتصاد الكلي التابع للمعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين. وقد تم قياس مؤشر الفجوة بين الجنسين وفقًا لتصنيف أعداد الموظفين بناءً على سلم رواتب الموظفين العام أو ما يعادلها من سلالم أخرى، حسب ما هو متاح لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من بيانات، وفق 3 مؤشرات للتمثيل النوعي في المهن: أولها مؤشر التوازن في مهن صنع القرار (المديرين)، وثانيها مؤشر التوازن في بقية الموظفين (جميع الموظفين ما دون المديرين)، وثالثها مؤشر التوازن في التخصصات المهنية والعلمية والتقنية (STEM). بينما تم قياس الجوانب التنظيمية في بيئة العمل بطريقة غير مباشرة، من خلال 5 محاور رئيسية، وهي: الإجراءات التنظيمية، والتكافؤ بين الجنسين، والممارسات في التعويضات والمكافآت والمزايا، والتدريب والتطوير، والثقافة التنظيمية، وجميعها سبق الإشارة إليها.
تفاوت لصالح الذكور
وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج المهمة؛ ففيما يتعلق بواقع التوازن بين الجنسين حسب التمثيل النوعي في تصنيفات الوظائف، أكدت الدراسة أن قيمة الفجوة الجندرية-بحسب المؤشر العام لقياسه-بلغت 8% لصالح الذكور. واتضح وجود تفاوت في واقع التوازن بحسب هذا التمثيل باختلاف المهن، حيث تبين أن قيمة هذه الفجوة في مهن صنع القرار (كمديرين) في الوزارات بلغت 92% لصالح الذكور في سلم المراتب العام، وبلغت 96% لصالح الذكور في سلم الوزراء وموظفي المرتبة الممتازة، وبلغت 84% لصالح الذكور في سلم المهن الدبلوماسية، وبلغت 97% لصالح الذكور في سلم لائحة المهن الصحية. بينما انخفضت قيمة هذه الفجوة في مهن الاختصاصيين في الوزارات، وإن اختلفت هذه القيمة بحسب الاختلاف النوعي لهذه الوظائف، حيث بلغت قيمة هذه الفجوة 66% لصالح الذكور في مهن الاختصاصيين بالوزارات في سلم المراتب العام، و28% لصالح الذكور في لائحة المهن الصحية، بينما كانت الفجوة الجندرية لصالح الإناث في كل من: سلم أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين بالجامعات بقيمة -7%، وسلم المهن التعليمية بقيمة -14%، وذلك مقابل أن الفجوة الجندرية مطلقة لصالح الذكور بقيمة 100% في سلم المستخدمين. كذلك كانت هذه الفجوة لصالح الذكور في مهن: الفنيين والاختصاصيين بقيمة 41%، والفنيين والاختصاصيين المساعدين في سلم المراتب العام بقيمة 96%، وفي المهن الأولية بقيمة 27%، وفي مهن عاملي الحرف ومن يرتبط بهم بقيمة 99%، وفي مهن عاملي الخدمات والمبيعات بقيمة 85%، ومهن مشغلي المصانع والآلات وعاملي التجميع بقيمة 96%، والمهن التقنية والمتخصصة بقيمة 10%. مقابل أن الفجوة الجندرية كانت لصالح الإناث في مهن عاملي الدعم المكتبي بقيمة -34%.
التنظيمية متوسطة ومتوازنة
وأما بخصوص أبرز نتائج الدراسة الخاصة بقياس واقع التوازن بين الجنسين للجوانب التنظيمية في بيئة العمل، فقد خلصت إلى أن المؤشر العام لهذه الجوانب جاء متوازنًا وبدرجة متوسطة مقدارها 53,4%. وهو ما ينطبق على أبعاد تلك الجوانب على النحو التالي:
• الإجراءات التنظيمية:
 تتضمن النصوص التنظيمية في الوزارات، من قرارات وتعاميم ولوائح وما شابه ذلك، والممارسات التمييزية، وخيارات العمل المرنة، حيث جاءت جميعها بنسب متوازنة أي لا تميل تطبيقها لصالح الرجل أو المرأة.
•الممارسات (التعويضات-المزايا-المكافآت): فقد جاءت جميعها متوسطة، وبنسب متوازنة.
•تكافؤ الفرص:
 اتضح أن كل مؤشراتها جاءت متوسطة ومتوازنة، سواء المتعلقة بمنح الصلاحيات اللازمة للموظفين بغض النظر عن جنس الموظف، أو بمدى تخصيص وظائف لجنس معين بالرغم من انطباق الشروط على كلا الجنسين، أو في إتاحة مشاركة الموظفين في عملية صنع القرار بشكل متساوٍ بين الجنسين، أو في فرص الترشيح لوظائف أعلى في الهيكل التنظيمي ومساواتها بين الجنسين.
•التدريب والتطوير:
وقد جاءت مؤشراته الفرعية جميعها متوسطة ومتوازنة بين الجنسين، سواء مؤشر إتاحة فرص تطويرية لجميع الموظفين للحصول على المهارات المهنية والفنية ذات العلاقة بالمهام الوظيفية، أو توفير خطط واضحة لتدريب الموظفين بهدف تمكين كلا الجنسين من أداء مهامهم في جميع المستويات التنظيمية، أو في تحديد الاحتياجات التدريبية لهم بشكل دوري دون تمييز بين الجنسين، أو في وجود خطة تعاقب وظيفي لهم فيما يخص التقدم إلى شغل المناصب القيادية.
•الثقافة التنظيمية:
وتبرز كل مؤشرات هذا البعد أنه جاء متوسطًا ومتوازنًا، سواء من ناحية عدم تفضيل التعامل مع جنس معين عند أداء مهامهم الوظيفية، أو في توفر بيئة عمل تشاركية تتيح التعاون وتبادل المعلومات بين الموظفين دون تمييز بين كلا الجنسين، أو الانطباع السائد بأن كلا الجنسين من الموظفين لديه درجة متساوية من المهارات الوظيفية، أو في الانطباع السائد بأن كليهما لديهما درجة متساوية من الإنتاجية في العمل.
أكثر من 40 توصية
وفي ضوء النتائج السابقة؛ تبدي الدراسة العديد من التوصيات العامة، عبر المحورين التاليين:
الأول: التوصيات المتعلقة بمحور التمثيل النوعي في تصنيفات الوظائف:
توصي الدراسة برفع نسبة مشاركة الإناث في معظم المجموعات الرئيسية للوظائف وباختلاف السلالم الوظيفية، من خلال إعداد سياسات عامة وأهداف استراتيجية واضحة يتم تضمينها داخل الخطط الاستراتيجية للوزارات.
الثاني: التوصيات العامة لمحور الجوانب التنظيمية في بيئة العمل:
 وتوصي الدراسة بإجراء التحسينات اللازمة لرفع درجة مؤشر واقع التوازن في جميع الأبعاد التنظيمية. إضافة إلى ذلك، فقد صنفت الدراسة توصياتها الخاصة بهذا المحور إلى نوعين:
•التوصيات الاستراتيجية:
تحددت في 6 توصيات، والتي من بينها-على سبيل المثال-رفع توصية لصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) بتعديل شروط الالتحاق ببرنامج دعم (قرة) بحيث يشمل كلا الجنسين، وليس النساء فقط.
•التوصيات التنفيذية:
 وتمثلت في إضافة مهمة إلى الإدارة العامة للموارد البشرية في كل وزارة من الوزارات وتتضمن احتياجات النوع الاجتماعي. كذلك إعداد لوائح تنظيمية تنظم عمل التوازن بين الجنسين في الوزارات المختلفة، وفقًا لأبعادها الرئيسية التي يمكن تضمينها في الخطة الاستراتيجية لكل وزارة من هذه الوزارات، ووفق أهداف ومؤشرات أداء ترتكز على متغيرات هذه الأبعاد الخمسة المتمثلة في كل من: بُعد الإجراءات التنظيمية، وبُعد تكافؤ الفرص، وبُعد الممارسات في التعويضات والمزايا والمكافآت، وبُعد التدريب والتطوير، وبُعد الثقافة التنظيمية.


01/11/1445
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة