"معظم النار من مستصغر الشرر" "الفراشة" تضع نجاح الشركات وأداء الموظفين على المحك





 

  • تغييرات طفيفة وميزات تنافسية فارقة لتأثير الفراشة
  • تحذير من كلمات وتصرفات بسيطة من الشخصيات السامة والطاقة السلبية تدمر نجاحك الوظيفي

 

  • جودة أداء الموظفين بلمسات إنسانية ورياضية وتغييرات بسيطة

 

 

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

التغييرات أو الأحداث الصغيرة أو الطفيفة ربما تكون فارقة وذات تأثيرات وتداعيات وعواقب كبيرة ومؤثرة، سواء بالنسبة للمؤسسات والشركات، أو الموظفين، والمديرين والقيادات الإدارية، وسواء كانت هذه التأثيرات سلبية أو إيجابية؛ إذ إن "معظم النار من مستصغر الشرر". لذلك يهتم كل هؤلاء، إضافة إلى الخبراء والمتخصصين والأكاديميين بـ"تأثير الفراشة"، وهو التأثير الذي يجسد هذا الوضع، والذي صاغه "لورينز" منذ ما يزيد عن 60 عامًا، ويُعبَّر عنه بالقول: "عندما ترفرف فراشة بجناحيها في الهند، فإن هذا التغيير الطفيف في ضغط الهواء يمكن أن يسبب في النهاية إعصارًا في ولاية "أيوا" الأمريكية". وقد اهتمت هوليوود بإنتاجه وتجسيده سينمائيًا بين أفلامها، كفيلم "ستيفن كنج". وبالرغم من ذلك فإن لهذا التأثير، أو رفرفة الفراشة، تطبيقات وأمثلة كثيرة في كافة مجالات الإدارة، وعالم المال والأعمال، ومختلف هذه المؤسسات وبيئات العمل، والموظفين. وإليكم التفاصيل في هذا التقرير.

فكرة "لورينز"

نستهل التقرير مع موقع science.howstuffworks.com الذي يوضح لك عزيزي القارئ أصل مصطلح ومفهوم "تأثير الفراشة"-موضوع هذا التقرير-فقد تمت صياغة هذا المصطلح في الستينيات من القرن الماضي من قبل "إدوارد لورينز"-أستاذ الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا-الذي كان يدرس أنماط الطقس. لقد ابتكر "لورينز" نموذجًا يوضح أنه إذا قارنت نقطتي بداية تشيران إلى الطقس الحالي وهما قريبتين من بعضهما البعض، فسوف تنجرف هاتان النقطتان، ثم في وقت لاحق، وتصبحان منطقة واحدة وتسببان عواصف شديدة. لذلك فهو يرى أن هناك-ببساطة-الكثير من الأشياء والمتغيرات البسيطة التي يمكن أن تكون بمثابة نقاط محورية، والتي قد تتحول إلى عواقب أكبر بكثير. وقياسً على ذلك، فإن هناك العديد من التغيرات المناخية الصغيرة تأثيرات كبيرة وربما تكون كارثية، فربما يؤدي التغير الحراري البسيط، أو قلة المطر إلى جفاف شديد، وحرائق في الغابات. الجدير بالذكر أن "لورينز" قدَّم فكرته وعمله للجمهور عبر ورقة بحثية عام 1963م بعنوان: "التدفق الحتمي غير الدوري"، حيث صاغ-فيما بعد-مصطلح "تأثير الفراشة"، من خلال أعماله ومداخلاته اللاحقة حول هذا الموضوع.

فتأثير الفراشة هو فكرة مفادها أن الأحداث الصغيرة التي تبدو تافهة قد تؤدي في النهاية إلى شيء له عواقب أكبر بكثير. على سبيل المثال، عندما ترفرف فراشة بجناحيها في الهند، فإن هذا التغيير الطفيف في ضغط الهواء يمكن أن يسبب في النهاية إعصارًا في ولاية "أيوا" الأمريكية.

فيلم "كنج"

وقد أنتجت "هوليود" فيلمًا عن تأثير الفراشة عام 2004م، والذي حقق نجاحًا كبيرًا، وهو من أعظم أعمال الكاتب والمؤلف الأميركي الشهير "ستيفن كينج". الفيلم بطولة "أشتون كوتشر" و"إيمي سمارت"، وهو مجرد فكرة جديدة لمفهوم أقدم بكثير. ففي هذا الفيلم تجد شخصية "كوتشر" طريقة للسفر عبر الزمن إلى طفولته. في كل مرة يقوم بهذه الرحلة، يقوم بأشياء صغيرة بشكل مختلف، ولكن هذه التغييرات الصغيرة تنتهي بتأثيرات كبيرة (ومرعبة).

إذ يكتشف شاب يدعى "جيك"-بحسب موقع fs.blog-بوابةً داخل غرفة المؤن في منزله، تأخذه عبر الزمن، حيث يعود إلى عام 1958م. وبعد بضع زيارات وبعض التجارب، استنتج جيك أن تغيير التاريخ أمر ممكن. فقرر أن يعيش في الماضي حتى عام 1963م؛ كي يتمكن من منع اغتيال الرئيس الأمريكي "جون كينيدي"، معتقدًا أن هذا التغيير سيفيد البشرية بشكل كبير. بعد سنوات من مطاردة "لي هارفي أوزوالد"، تمكن "جيك" من منعه من إطلاق النار على كينيدي. وعند عودته إلى الحاضر، يتوقع أن يجد العالم قد تحسَّن نتيجة لذلك. وبدلًا من ذلك، حدث العكس. تحدث الزلازل في كل مكان، ومنزله القديم في حالة خراب، وقد دمرت الحرب النووية جزءًا كبيرًا من العالم.

تأثير مهم

ويشير موقع Medium إلى أهمية تأثير الفراشة من خلال تطبيقاته وظهوره في العديد من المجالات الحياتية، سواء في مجال الطقس، أو سوق الأوراق المالية، وعالم الحيوان، أو حتى جسم الإنسان. الأمر لا يتعلق فقط بالأعاصير والفراشات، إنما يتعلق بكيفية ظهور عدم القدرة على التنبؤ بما تحمله التغييرات الطفيفة من نتائج، ربما تكون ذات انعكاسات وتداعيات كبيرة وضخمة، سواء سلبية أو إيجابية.

إن فهم تأثير الفراشة يشجعنا على أن نكون واعين للعواقب المحتملة لقراراتنا وأفعالنا، فهو يؤكد أن التغييرات الصغيرة أو الاختيارات التي تبدو غير مهمة يمكن أن يكون لها تأثيرات متضخمة بمرور الوقت. إنه يدفعنا إلى النظر في النتائج المحتملة والعواقب غير المقصودة قبل اتخاذ القرارات. كما يسلط الضوء على النظر بعين الاعتبار لهذه التغييرات وحدوث أشياء أو تصرفات أو قرارات ربما تبدو صغيرة، لكن عواقبها ليست كذلك. كذلك يؤكد هذا التأثير على أهمية اختياراتنا وأفعالنا، ويذكرنا بأن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأفعالنا، وكيف يمكن لأصغر الاختيارات أن تشكل مسار الأحداث بطرق قد لا نتوقعها.

ترفرف في عالم الإدارة

وإذا أردنا التطرق إلى أمثلة وتطبيقات لـ"تأثير الفراشة" في المجالات الإدارية، نتوجه إلى عالم المال والأعمال، حيث يؤكد موقع fs.blog أن أغلب الشركات العالمية تقتحم قطاعات السوق الموجودة، من خلال إدخال تغييرات صغيرة في التكنولوجيا، وتصورات القيمة، واستراتيجيات المزيج التسويقي، ودفع الإنتاج على نطاق لا يمكن تصوره من حيث الحجم لاستخلاص تأثير كبير على الأسواق. فقد شهدت شركات "بروكتر آند جامبل"، و"كيلوقز"، و"يونيلفر"، و"نستله"، و"أبل"، و"سامسونج"، هذا التأثير في نمو أعمالها. فالشركات ذات الإدارة الجيدة تقود تغييرات صغيرة في استراتيجيات أعمالها؛ لتحقيق نجاحها وربما السيطرة على سوق المنافسة.

فتستخدم معظم الشركات هذا التأثير، من خلال إجراء تغيير بسيط في استراتيجيتها فيما يتعلق بالإنتاج، والسعر، والمكان، والترويج، ومكانة الشركة (تطوير صورتها)، والانتشار؛ للحصول على حصة أكبر في السوق وتحقيق ربح خلال فترة قصيرة.

مزيد من الأمثلة

ويسرد موقع operationverve عددًا من الأمثلة على تغييرات طفيفة حققت نجاحات مبهرة في عالم الشركات وريادة الأعمال، والتي من بينها ما يلي:

  • بدأ أحد المخابز المحلية بعرض تصميماته الفريدة للكعك على منصات التواصل الاجتماعي مع تصوير أفضل ومحتوى جذاب. وقد اجتذب هذا التغيير الطفيف في نهجهم التسويقي جمهورًا أوسع، مما أدى إلى زيادة في طلبات الكعك المخصصة وزيادة بنسبة 40% في إجمالي المبيعات. كما لفت تواجد المخبز على وسائل التواصل الاجتماعي انتباه مدوني الطعام ومؤثري الثقافة الشعبية؛ مما أدى إلى توسيع نطاق انتشارهم.
  • أجرت شركة تقنية صغيرة ناشئة متخصصة في برامج إدارة المشاريع تغييرًا طفيفًا في واجهة المستخدم الخاصة بها، مما أدى إلى تبسيط مهمة شائعة من ثلاث نقرات إلى نقرة واحدة. أدى هذا التغيير الذي يبدو غير مهم إلى زيادة ملحوظة في تفاعل المستخدمين ورضا العملاء. ونتيجة لذلك، شهدت الشركة زيادة بنسبة 30% في معدل الاحتفاظ بالمستخدمين وارتفاعًا كبيرًا في الإحالات، مما عزز بشكل كبير وجودها في السوق.
  • قررت إحدى شركات البيع بالتجزئة الصغيرة، المعروفة بعناصر الديكور المنزلي الفريدة، تنفيذ نظام جديد لتعليقات العملاء يسمح بمزيد من التواصل المباشر مع عملائها. أدى هذا الإجراء الصغير إلى فهم أفضل لاحتياجات العملاء وتفضيلاتهم، مما مكن الشركة من تصميم عروضها بشكل أكثر فعالية. وكانت النتيجة زيادة بنسبة 25% في عدد العملاء المتكررين وتحسنًا كبيرًا في المراجعات عبر الإنترنت، مما أدى إلى جذب المزيد من الزيارات والعملاء إلى متاجرهم الفعلية وعبر الإنترنت.
  • قامت إحدى منصات التعليم عبر الإنترنت، التي كانت تعاني في البداية من صعوبة معدلات إتمام الدورة التدريبية، بتقديم وحدات التعلم المصغر - وهي قطاعات تعليمية قصيرة ومركزة. أدى هذا التحول الطفيف في تقديم المحتوى إلى زيادة كبيرة في معدلات إكمال الدورة التدريبية ورضا المستخدمين. وقد نمت سمعة المنصة فيما يتعلق بالمحتوى التعليمي الفعال والذي يسهل الوصول إليه، مما أدى إلى زيادة معدلات التسجيل والشراكات مع المؤسسات التعليمية.
  • قررت إحدى شركات التسويق الصغيرة، التي تواجه معدل دوران مرتفع للموظفين، تنفيذ سياسة مرنة للعمل عن بعد. أدى هذا التغيير، الذي كان يُنظر إليه في البداية على أنه خطر، إلى تحسين التوازن بين العمل والحياة للموظفين. شهدت الشركة انخفاضًا في معدل دوران الموظفين، وزيادة في الإنتاجية، وتنوعًا أكبر في مجموعة المواهب بسبب القدرة على التوظيف خارج القيود الجغرافية.
  • تحولت إحدى الشركات المصنعة إلى التغليف الصديق للبيئة لمنتجاتها. وقد لاقى هذا التغيير، الذي يهدف إلى الحد من التأثير البيئي، صدى قويًا لدى المستهلكين المهتمين بالبيئة. ولم تشهد الشركة زيادة في المبيعات فحسب، بل حصلت أيضًا على اعتراف الصناعة بممارساتها المستدامة، مما فتح فرصًا جديدة للأعمال بين الشركات.

الموظفون وتغييرات بسيطة

أما عالم الموظفين ومستويات أدائهم أعمالهم ومهامهم الوظيفية، فإنه يعج بالأمثلة والتطبيقات لتأثيرات الفراشة، والتي منها-طبقًا لموقع 2knowmayself-الاستيقاظ المبكر الذي قد يواظب عليه العديد من الموظفين لمدة نصف ساعة كل يوم؛ فيمكنهم من القيام ببعض الأشياء الجديدة، مثل ممارسة الرياضة. وسنلاحظ بعد أسابيع قليلة أنهم أصبحوا أكثر لياقة، وسوف تتحسن صورهم الذاتية؛ وبالتالي ستتحسن ثقتهم بأنفسهم، مما سيؤثر بشكل إيجابي على حياتهم الوظيفية، وصحتهم، وعلاقاتهم مع زملاء العمل وخارجه.

كذلك هناك تغييرات صغيرة يمكن أن تعزز علاقاتك الاجتماعية والمهنية، حيث إن تذكر أسماء الأشخاص وأعياد ميلادهم، والابتسام عندما تقابلهم، والاهتمام بهم، هي أمثلة على تغييرات صغيرة جدًا يمكنك القيام بها، فتنعكس تأثيراتها-بشكل كبير-على حياتك الاجتماعية والوظيفية.

هذا بالإضافة إلى التخلص من المعتقدات الخاطئة، ذلك إن قضاء 10 دقائق في قراءة مقال ما؛ ربما يساعدك في التغلب على المعتقدات الخاطئة، ويسهم في تحسين ثقتك بنفسك وزيادة فرصتك في النجاح الحياتي والمهني. فهذه هي الطريقة التي يمكن أن تساعدك بها "نظرية تأثير الفراشة" على تحسين حياتك.

نجاحات وإخفاقات

وعلى الجانب الآخر، يشير موقع "موضوع" إلى أنه إذا تعرض أحد موظفي شركة ما للإهانة من قبل المدير المغرور، مما أدى إلى اتخاذه قراره بتقديم استقالته، ثم أخبر زملائه في العمل حول الإساءة والمعاملة التي تلقاها من مديره. لذلك قرر هؤلاء الزملاء ترك العمل وقدموا استقالتهم، ثم قاموا-جميعًا-بمشروع صغير من الصفر، حتى أصبح من أفضل المشاريع، على مدار شهور من العمل والمثابرة، وصولًا إلى منافستهم الشركة السابقة حتى أفلست.

وهناك أمر يتعلق بذوي الشخصيات السامة، فإذا قام أحدهم بإزعاج أحد الأصدقاء حتى أصبحت لديه طاقتك السلبية، مثل الكره والطمع والحقد؛ وبالتالي يذهب إلى عمله ويقابل مديره أثناء اجتماع عمل عاجل، ويغضب في وجهه، ويتأثر المدير ولم ينجح في اجتماع الشركة، مما يؤثر سلبًا على اقتصاد الشركة.

تحديات

وبصفة عامة، يلفت موقع operationverve إلى عدد من التحديات التي تتعلق بتأثير الفراشة وتداعياته على الشركات والجهات المختلفة وبيئات العمل، والتي من بينها-على سبيل المثال-ما يلي:

  • إدارة المخاطر: مع تأثير الفراشة، هناك دائمًا خطر حدوث عواقب سلبية وغير متوقعة أيضًا لتطبيق تغييرات طفيفة. ويجب وضع استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر للتخفيف من أي عواقب غير مقصودة.
  • الحفاظ على التغيير الإيجابي للتغييرات الصغيرة: وهذا يتطلب جهدا متسقا والتكيف مع ظروف السوق المتطورة.
  • التنبؤ بالنتائج بدقة: أحد أهم التحديات في الاستفادة من تأثير الفراشة في الأعمال هو صعوبة التنبؤ بدقة بنتائج التغييرات الصغيرة. ونظرًا للطبيعة المعقدة للعمليات التجارية وديناميكيات السوق، فحتى التغييرات المدروسة جيدًا يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة وغير مرغوب فيها في بعض الأحيان.
  • التغلب على مقاومة التغيير: فقد يتردد الموظفون والإدارة في تغيير العمليات والممارسات المعمول بها، حتى عندما تؤدي التغييرات الصغيرة إلى تحسينات كبيرة.
  • ضمان التوافق مع أهداف العمل: أي تغيير صغير يجب أن يتماشى مع أهداف العمل واستراتيجيته الأوسع؛ لأن عدم تحقيق هذا التوافق يمكن أن يؤدي إلى إهدار الجهود والموارد، مما ينتقص من الأهداف العامة للشركة.
  • أثناء التركيز على تنفيذ تغييرات صغيرة مطلوبة؛ فإنه من المحتمل إغفال العمليات الأساسية التي تحافظ على استمرارية الأعمال بالمؤسسات أو الجهات المختلفة. لذلك من الضروري الحفاظ على التوازن بين استكشاف أفكار جديدة عبر هذه التغييرات وضمان حسن سير العمليات الحالية.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة