دراسة تبحث أثر محددات تمكينهن النفسي في سلوكهن الاستباقي وتوصي بـ:
إشراك القيادات النسائية في اللجان العليا والمبادرات وصنع القرار الاستراتيجي
- التمكين الإداري وحده قد لا يكفي لنجاح المرأة في أداء عملها القيادي
- جهات العمل في المملكة تهتم بمحددات التمكين النفسي للقياديات السعوديات تعزيزًا لسلوكهن الاستباقي
تشهد المملكة العربية السعودية طفرة تنموية عصرية، تستهدف تعزيز الدور الإنتاجي لكافة كوادرها الوطنية، خاصة المرأة السعودية التي حظيت باهتمام بارز، ولا سيما في رؤية المملكة 2030، حيث تمكينها وتقلدها المناصب الإدارية الوسطى والعليا في بيئة العمل. فقد حدد برنامج التحول الوطني أن من بين أهدافه الاستراتيجية "زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل"، ومن بين الاستراتيجيات المتبعة لتحقيقه "زيادة حصة المرأة في المناصب الإدارية بالتدريب والتوجيه القيادي للكوادر النسائية وتمكين المرأة في الخدمة المدنية وتعزيز دورها القيادي". وبالرغم من ذلك، فإن هذا التمكين الإداري وحده قد يكون غير كافٍ لنجاحها في أداء العمل القيادي، لذلك يبرز للخبراء والمتخصصين عامل التمكين النفسي، وهو موضوع هذه الدراسة المنشورة بمجلة "الإدارة العامة" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي أعدتها كل من: د.أريج الشماسي، ود.صيتة المنديل، وأ.دنيا تكروني بعنوان: "محددات التمكين النفسي للمرأة القيادية وأثرها على السلوك الاستباقي"، والتي نستعرضها معكم في هذا العدد من مجلتكم "التنمية الإدارية".
الإداري وحده لا يكفي
نستهل استعراض هذه الدراسة بتأكيد الباحثات أن تمكين المرأة السعودية في مختلف المجالات والأدوار وفي مختلف القطاعات، يعد من أهم ركائز رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث يظهر جليًا أن هناك توجهًا نحو تمكينها في بيئة العمل بإعطائها مزيدًا من الصلاحيات، وحرية تصرف ومرونة، لإدارة متطلبات العمل اليومية، وتلفت الباحثات إلى أن هذا التمكين الإداري وحده غير كافٍ لنجاح المرأة في أداء العمل القيادي؛ لأن التمكين ليس مجرد توفير وسائل وصلاحيات للشخص وإعطاء فرص التدريب والمشاركة والتفويض بالرغم من أهميتها كعوامل تنظيمية تحقق التمكين المطلوب للمرأة؛ إلا أنها لا تحقق التمكين النفسي المقصود، والذي يعتمد على شعور داخلي يوجه الشخص ويكون دافعًا له نحو الإنجاز والنجاح عند أداء الدور القيادي المطلوب.
وهو التوجه الذي يتبناه بعض الباحثين بالتفرقة بين محورين رئيسين لعملية التمكين: أولهما التمكين التنظيمي أو الإداري، والثاني وهو التمكين النفسي الذي يعد أحد المحاور الأساسية لهذه الدراسة. وتقوم فكرة التمكين النفسي على مفهوم إدراك الذات الداخلية وتحسن مشاعر الكفاءة الذاتية للفرد، من خلال معرفة مسببات القصور والعجز والتغلب عليها.
3 محاور
وفي ضوء ذلك قامت الباحثات بمراجعة أدبيات الدراسة وفق 3 محاور مهمة، تمثل الأساس المعرفي والبنائي لها، وتتحدد هذه المحاور في كل من: محور التمكين النفسي، ومحور السلوك الاستباقي، ومحور المرأة القيادية السعودية. ويعد الأول بمثابة المتغير المستقل للدراسة ضمن نسيجها المنهجي والإجرائي، بينما يمثل السلوك الاستباقي للمرأة القيادية السعودية المتغير التابع الذي يتأثر بمحددات التمكين النفسي.
ومن المهم توضيح الفرق بين نوعي التمكين، سواء التنظيمي، أو النفسي، فالتمكين التنظيمي يطبق بموجب اللوائح والأنظمة والسياسات، بينما النفسي عبارة عن شعور داخلي بالتمكين الحقيقي للفرد تظهره محددات داخلية نفسية.
5 محددات
وقد حصرت الدراسة محددات التمكين النفسي في 5 محددات، وهي:
- المعنى Meaning: يشير إلى التوافق بين متطلبات العمل ومهام الموظف من جهة، وسلوكه وقيمه ومعتقداته من جهة أخرى. كما يقصد بالمعنى أن الموظف الذي يشعر بمعنى العمل وقيمته سوف يكون شعوره بالتمكين عاليًا.
- الكفاءة الذاتية Self-Efficacy: وتعني درجة أداء الفرد مهام عمله بمهارة عالية. كذلك يقصد بها-أيضًا-استغلال الموارد المتاحة لأداء العمل مع مراعاة الوقت والتكلفة ورضا الموظف.
- الاستقلالية Self-Determination: تشير إلى وعي الموظف بقدرته على المبادرة والتحكم في أنشطة عمله دون توجيه. يضاف إلى ذلك فهي الحاجة لتحديد السلوك الخاص بالفرد ذاتيًا دون تدخل خارجي، وأن يكون إتقانه للعمل نابعًا من سلوك حُدد ذاتيًا دون تأثير من الآخرين.
- التأثير Impact: وهو الدرجة التي تمكن الموظف من التأثير على المخرجات والنتائج الإدارية والإجرائية في العمل.
- ثقافة إدارة الخطأ Error Culture: يقصد بالخطأ الفجوة بين المأمول والواقع الفعلي، فالأحداث في هذه الحالة تخفق إنجاز غايتها المقصودة. ويذكر بعض الباحثين أن هناك مدخلين للتعامل مع أخطاء العمل: أولهما الوقاية من هذه الأخطاء، والثاني هو إدارة الخطأ والذي يركز على منع عواقب الأخطاء واستثمارها بهدف التعلم منها.
التمكين النفسي
لقد نشأ مفهوم التمكين النفسي من النظرية الأساسية للثقة في الكفاءة الذاتية، والتي نادى بها Bandura عام 1977م، وهو المفهوم الذي تطور وفق مراحل وتطبيقات مختلفة. وبصفة عامة تعرف هذه الدراسة التمكين النفسي إجرائيًا بأنه: التهيئة النفسية للمرأة القيادية التي تمكنها من تجاوز التحديات والعقبات التي تواجهها أثناء تنفيذ المهام؛ مما يؤدي إلى تعزيز قدراتها ورفع كفاءتها، وبالتالي استعدادها لتولي المناصب العليا. ويتحدد التمكين النفسي لدى المرأة بشعورها بمعنى وأهمية الوظيفة التي تشغلها وقدرتها على التأثير الإيجابي في سير العمل باستقلالية دون تبعية مطلقة أو انتظار توجيه، إضافة إلى ثقتها في كفاءتها وقدرتها على تولي زمام الأمور ومواجهة الأخطاء والتعلم منها.
وتبدو أهمية التمكين النفسي في بيئة العمل، من خلال 4 مرتكزات: أولهما هو جعل الأفراد أكثر إنتاجية ودافعيةً، والثاني هو قدرتهم على إتمام المهام المطلوبة، والثالث يتمثل في زيادة الانسجام الشعوري، ورابعها هو زيادة المرونة وتحسين المبادرة لدى الأفراد.
السلوك الاستباقي
وتنتقل الدراسة إلى محورها الثاني، وهو السوك الاستباقي الذي تعرفه إجرائيًا بأنه تحمل المرأة القيادية مسؤولية تغيير أمر ما بهدف التحسين أو حل مشكلة قائمة دون انتظار توجيهات مباشرة من الرئيس، والانفتاح على تعلم مهارات جديدة تساعد في تطوير وتغيير بيئة العمل. وتتمثل مظاهر السلوك الاستباقي في كل من: المبادرة بحل المشكلات بطرق إبداعية، والسعي الدائم لتعلم مهارات جديدة ومشاركة المعرفة وتحسين بيئة العمل، والتعاون والنقاش الإيجابي وتهيئة الموظفين الجدد، والوعي بتحقيق الأهداف الشخصية من خلال تحقيق أهداف العمل.
وتتحدد أهمية سلوك العمل الاستباقي، من حيث: تحمل المسؤولية، وصوت الموظف، والوقاية من المشكلات، والإبداع الفردي.
المرأة القيادية السعودية
بالرغم من التوجهات الحديثة في المملكة نحو تمكين المرأة في المجتمع في مختلف القطاعات والأدوار إلا إنه لا يزال هناك فجوات في ممارستها لبعض الأدوار وبخاصة القيادية منها. ولقد أكدت بعض الدراسات أن واقع تمكين القيادات النسائية السعودية لم يصل إلى المستوى المأمول، ويظل الرجل له النصيب الأكبر في التمثيل القيادي. وبالرغم من ذلك ترى الباحثات أن المرأة السعودية أثبتت أنها تتفوق على الرجال في مختلف أدوار العمل.
وقد زاد الاهتمام في الآونة الأخيرة بزيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل وكذلك تولي المناصب القيادية. ووضح تقرير الإنجاز للميزانية في المملكة أنه تم تحقيق 35,6% من الهدف الخاص بزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل خلال الربع الثاني من العام 2020م. كما بلغت نسبة النساء في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا 30% في القطاعين العام والخاص خلال العام نفسه.
ومن خلال تجارب خوض المرأة سوق العمل في الفترة السابقة، أثبتت المرأة السعودية أنها طاقة إيجابية منتجة في مجتمعنا منذ دخولها سوق العمل وحتى وقتنا الحاضر؛ وذلك من خلال تمثيلها في مختلف المجالات كمورد بشري منتج.
6 نتائج مهمة
وقد توصلت الدراسة إلى 6 نتائج، وهي:
- وجود علاقة طردية قوية بين محددات التمكين النفسي للمرأة القيادية والسلوك الاستباقي.
- بلغت محددات التمكين النفسي للقيادات النسائية السعودية مستوى مرتفعًا؛ وهو ما يبرز وجود اهتمام من جهات العمل في المملكة والتي تشغل مناصبها بنساء بتعزيز قدرات المرأة القيادية وتهيئة السبل لجعلها قيادية مؤثرة في بيئة عملها.
- سجلت درجة ممارسة السلوك الاستباقي للقيادات النسائية بالمملكة درجة مرتفعة؛ بسبب رغبتهن في إيجاد التأثير المطلوب في بيئات عملهن والوفاء بمتطلبات المنصب القيادي.
- تؤثر الكفاءة الذاتية، وثقافة إدارة الخطأ كمحددين من محددات التمكين النفسي، بشكل إيجابي في السلوك الاستباقي للمرأة القيادية.
- وجاء ترتيب الكفاءة الذاتية الأعلى في التأثير على السلوك الاستباقي لدى القيادات النسائية السعودية، يليه في التأثير ثقافة إدارة الخطأ.
- لم تؤد المتغيرات الديموجرافية (المؤهل العلمي-سنوات الخبرة-العمر-الحالة الاجتماعية) إلى وجود اختلافات أو فروق في مستويات الاعتقاد بالتمكين النفسي للمرأة القيادية وسلوكها الاستباقي.
16 توصية
وقد أبدت الدراسة حوالي 16 توصية مختلفة، قد تكون ذات فائدة لعدة جهات، منها: وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وصندوق تنمية الموارد البشرية، والجهات المختصة بتأهيل وتدريب القيادات وكذلك القطاعات التي تنتمي لها المشاركات في الدراسة. ويبرز من بين هذه التوصيات: إشراك المرأة القيادية في اللجان العليا والمختصة بتحديد الاستراتيجيات والتخطيط الاستراتيجي، والتوعية بظاهر السلوك الاستباقي ونشر ثقافة المبادأة والمبادرة والابتكار، وإعطاء المرأة القيادية فرصة المشاركة في إعداد مقترحات المبادرات الاستراتيجية والمشاركة في صنع القرار الاستراتيجي، اقتراح تنفيذ مبادرة تتعلق بتهيئة الفئات الإدارية المساعدة للمرأة القيادية، واقتراح تنفيذ برامج وحلقات تدريب عن ممكنات تساعد المرأة القيادية على أن تكون واثقة في كفاءتها الذاتية وتتبنى ثقافة إدارة الخطأ واعتباره مصدر تعلم.