منظومة التحليل الذكي لبيانات رأس المال البشري

​د.مالك عليان

عضو هيئة التدريب-مركز الموارد البشرية-معهد الإدارة العامة

 

في عصر التحول الرقمي والثورة المعلوماتية، شهدت إدارة الموارد البشرية تغييرات هائلة على ممارساتها وعملياتها وأنشطتها الرئيسية؛ مما دفعها للبحث عن الاستراتيجيات والممارسات الرشيقة، كي تصبح أكثر استجابة وتكيفًا مـع الأوضاع المسـتجدة، والسعي نحو البقاء والاستدامة المؤسسية. ومن أهم الاستراتيجيات التي تبنتها إدارة الموارد البشرية هي اتباع نهجا استراتيجيا قائمًا على البيانات المستنيره ودمجها وتحليلها والاستجابة لها. ورغم أن معظم المنظمات تمتلك قاعدة بيانات ضخمة (Big Data)، والتي تحتوي على معلومات أكثر تنوعًا وتوسعًا، ولكنها تحتاج إلى كيفية إدارة هذه البيانات وتحويلها إلى نتائج مفيدة واتجاهات ورؤى استراتيجية في أنظمة وعمليات الموارد البشرية والأداء العام للمنظمة. وهذا هو المصطلح أو ما يسمى بـــــ (التحليل الذكي لبيانات رأس المال البشري - Intelligent Analysis of Human Capital).  ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال حول تسليط الضوء على هذا المصطلح الجديد (IAHC) وأهميته، وكيفية تطبيقه في المنظمات؟

تساؤلات مهمة

بوجه عام، يعد تحليل بيانات رأس المال البشري مزيجًا يجمع بين الإستراتيجية العامة للمنظمة واستراتيجية الموارد البشرية،  والأدوات التقنية المستخدمة لجمع البيانات من مصادر مختلفة وتحليلها وتفسيرها وتعميمها؛ من أجل أن تكون المنظمات استباقية في الحفاظ على قوة عاملة منتجة، واتخاذ القرارات بناءً على الأدلة والحقائق والبيانات والمؤشرات، بدلاً من الحدس والآراء والتوجهات الشخصية،  وبناءً على الأدبيات والمصادر الحديثة، وأهمها  كتاب ديفيد وعنوانه: لغة البرمجة R  للموارد البشرية (2022)، والذي أشار فيه إلى أن التحليل الذكي لبيانات رأس المال البشري هو نهج قائم على بيانات إدارة الموارد البشرية والمنظمة ككل، حيث يمكِّن المديرين وممارسي الموارد البشرية من الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو معدل تسرب موظفيك؟ هل تعرف أيًا من موظفيك سيترك العمل في غضون عام؟ وما هي النسبة المئوية للتسرب الوظيفي؟ وهل هي خسارة مؤسفة؟ وكم من الوقت يستغرق تعيين الموظفين؟ وما مقدار الاستثمار المطلوب لرفع مستوى الإنتاجية للموظفين وغيرها؟

بشري وتقني وتحديات

ومن هذا المنطلق، أرى أن مفهوم التحليل الذكي لبيانات رأس المال البشري مبني على الذكاء البشري والذكاء التقني الذي يدعم التحديد المنهجي والقياس الكمي لممارسات الموارد البشرية؛ حيث يلعب التحليل الذكي لرأس المال البشري دورًا رئيسيًا في  تحسين ممارسات الموارد البشرية من تخطيط القوى العاملة والتوظيف وإدارة المواهب، وتحسين تجربة الموظف وأدائه، وعرض رؤية مركزية لجميع بيانات أداء الموارد البشرية، وتصور البيانات وتوليد التنبؤات لاتخاذ القرارات بشكل أفضل وأسرع، ومشاركة البيانات والرؤى رقميًا في جميع المجالات وغيرها. ومع ذلك، فإن تطبيقها لا يخلو من التحديات، والتي من أبرزها نقص المهارات التحليلية، وإدارة مصادر متعددة من البيانات وخطوط الاتصال في وقت واحد، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية والسرية، والقضاء على العامل البشري.  وكنتيجة لذلك، يجب على المنظمات التهيئة وحصر عوامل نجاح تطبيقه، والتي من أبرزها تحويل أدوار محترفي ومديري الموارد البشرية إلى أدوار تعتمد على البيانات، من خلال دمج كل من العقلية الاستراتيجية والمهارة التقنية التحليلية والكفاءة التخصصية في الموارد البشرية، ودمج أكبر عدد ممكن من مصادر البيانات، وتوفير واجهة سهلة الاستخدام ومرنة، والاتفاق على مبدأ أن البيانات لا تحل محل الأفراد، ولكن تعتبر اداة داعمة لهم وتقدم قيمة إضافية للمنظمة ككل.

5 مراحل للمنظومة

وبصفة عامة، تشتمل منظمومة التحليل الذكي لبيانات رأس المال البشري على المراحل التالية:

  1. تحديد الهدف وصياغة السؤال: تشير إلى عملية تحديد الأهداف أو (المشكلات) والأسئلة المستوحاة من الاستراتيجية، والتي يمكن حلها والإجابة عنها باستخدام البيانات، والتي تتضمن تبني عقلية استراتيجية ومهارة في تحديد المشكلات وصياغة الأسئلة بوضوح.
  2. جمع البيانات: تشير إلى عملية جمع البيانات من مصادر وأدوات مختلفة، مثل (الاستبيانات، ونماذج تقييم الأداء، والملاحظة، وقاعدة البيانات أو أي أنظمة تقنية) لحل المشكلات والإجابة عن الأسئلة (التي تم تحديدها في المرحلة السابقة)، وبناء مؤشرات الأداء الرئيسية والمقاييس.
  3. إدارة البيانات وتحليلها: تشير إلى أعداد البيانات التي تم جمعها في المرحلة السابقة وهيكلتها (تنظيمها)، وتنظيفها بالكامل؛ من أجل التاكد من القيم المفقودة وسلامتها لتحليلها بدقة باستخدام أدوات وتقنيات التحليلات الرياضية والإحصائية والحسابية لتحديد الارتباطات أو الاختلافات أو التغييرات أو الفئات، وكذلك التنبؤ باحتمالية الحدوث بناء على التحليلات الوصفية والتنبؤية.
  4. تفسير وتصور البيانات: تهدف هذه العملية إلى التاكد من فهم نتائج تحليل البيانات وتقييم الأسئلة والفرضيات في سياق المشكلة، وكذلك تعميم النتائج على مختلف أصحاب المصلحة، واستخراج الاستنتاجات ذات الصلة، واستخدام الرسوم البيانية والمخططات ولوحات مرئية شاملة لدعم تفسير وتصور نتائج تحليل البيانات.
  5. المشاركة والتنفيذ: تشير هذه العملية إلى اتخاذ الإجراءات؛ بناءً على تفسير وتصور نتائج تحليل البيانات، وتتطلب مشاركة أصحاب المصلحة للتأكد من تلبية احتياجاتهم، وفهم سياق الأعمال، ومعرفة بنظريات وممارسات إدارة التغيير لموائمة النتائج مع ثقافة العمل.​

 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة