مفاهيم حول الإدارة المستدامة للموارد المائية

د.عادل عبدالرشيد

خبير الإدارة البيئة والاستدامة

 

الماء نعمة من نعم الله التي وهبها لعباده، والذي لا يمكن الاستعاضة عنه، فبدونه تتوقف الحياة والتنمية، وبالتالي فإن هذا المورد دوناً عن الموارد الأخرى تعد استدامته ضرورة حياتية، وخاصة إنه كبقية الموارد يتصف بالندرة النسبية في مكان أو زمان معين. كما أنه متعدد الاستخدام، مما يتطلب استخدامه استخداماً أمثل وتخصيصه تخصيصًا أمثل بين استخداماتها المختلفة.

وفي هذا المقال نلقي الضوء حول مفهوم الإدارة المستدامة للموارد المائية، وما يتطلب ذلك من توضيح للمفاهيم المرتبطة به، وهي: (إدارة الموارد المائية، والاستدامة، واستدامة الموارد المائية).

إدارة الموارد المائية

تكتسب إدارة الموارد المائية أهمية كبيرة؛ لكونها تختص بإدارة مورد حياتي مهم للغاية (الماء) الذي يتوقف عليه بقاء البشر وجميع الكائنات الحية الأخرى، إلى جانب الاستخدامات التنموية المختلفة لهذا المورد. وخاصة إن عدم الاهتمام بكفاءة هذه الإدارة، يعني في المقابل المعاناة من مشكلات خطيرة، مثل زيادة العجز المائي، وتدهور نوعية الموارد المائية، وغيرها.

إن دأب إدارة الموارد المائية هو العمل دوماً على تنفيذ موازنه واقعيه بين ما هو متوافر من موارد المياه والطلب عليها، وبعبارة أخرى التنسيق والتوازن بين آليات العرض والطلب. تشمل إدارة العرض كافة الآليات اللازمة لتحديد مصادر المياه وتنميتها واستغلالها. أما إدارة الطلب فتختص بالآليات التي تستهدف الترويج لمستويات وأنماط أكثر صواباً في استعمال المياه. ويدمج التخطيط هاتين الآليتين في عملية واحدة، مع أخذ الاعتبارات البيئية والاقتصادية، وبما يسمح باختيار أفضل البدائل.​

باختصار فإن إدارة الموارد المائية تشتمل على كل الأساليب والطرق والأنشطة التي تؤدي بمجموعها إلى الاستخدام الكفوء للموارد المائية المتاحة. وتتنوع أنشطة إدارة الموارد المائية، فعلى سبيل المثال ورد في تعريفات نظام المياه السعودي تحديد الأنشطة التالية:

  • نشاط تقديم الخدمة: أنشطة تحلية المياه، وتنقيتها، ومعالجتها، وأنشطة المشتري الرئيس المشمولة باختصاصات الهيئة، ونشاط إنتاج المياه للاستخدام الحضري أو الصناعي، وذلك من خلال ضخ مياه الآبار والسدود مباشرة أو تنقيتها، ونقل هذه المياه والمياه المحلاة إلى نقاط التوزيع، وتوزيعها، وخزنها استراتيجياً، والمتاجرة بها، وبيعها بالتجزئة، وتجميع مياه الصرف الصحي، ونقلها، ومعالجتها، وإعادة استخدامها للأغراض الحضرية أو الصناعية، ولا يشمل ذلك نشاط تعبئة المياه في العبوات.
  • أنشطة المشتري الرئيس المشمولة باختصاصات الهيئة: أنشطة المتاجرة بالمياه المحلاة، والمنقاة، والمعالجة، ومياه الصرف الصحي، والصناعي، وطرح مشاريع محطات التحلية، والتنقية، والمعالجة.
  • نشاط إمدادات المياه للأغراض الزراعية: ضخ المياه للاستخدام الزراعي من المصادر الجوفية أو السدود، أو المياه المحلاة، أو المنقاة، أو المعالجة، ونقلها إلى نقاط التوزيع، وتوزيعها، وخزنها استراتيجياً، وتجميع مياه الصرف الزراعي، ونقلها.
  • نشاط تنمية مصادر المياه: أي عمل فني أو تقني، تقليدي أو غير تقليدي، يهدف إلى استدامة الموارد المائية، وتعظيم الاستفادة منها، وذلك من خلال حصاد المياه، أو زيادة المخزون السطحي والجوفي، أو الحماية، أو ترشيد الاستخدام.
  • توزيع المياه: عملية إيصال المياه من مواقع إنتاجها، أو مواقع تسلمها إلى المستفيدين أو المستهلكين، عن طريق الشبكات أو الصهاريج أو أي وسيلة أخرى مناسبة، ولا يشمل ذلك توزيع المياه للاستخدام الزراعي.
  • نقل المياه: عملية نقل المياه من مواقع الإنتاج إلى نقاط توزيع المياه الرئيسة.
  • تحلية المياه: إنتاج المياه عن طريق معالجة مياه البحر، من خلال إزالة ملوثاتها وكل ملوحتها أو جزء منها عبر سلسلة من العمليات الصناعية، من خلال محطات التحلية؛ لتحويلها إلى مياه نقية صالحة للاستخدامات الحضرية، والصناعية، والزراعية

الاستدامة

لغوياً بحسب ما ورد في المعاجم يقصد بـ استدام الشَّيءُ: أي استمرَّ وثبت ودام، واستدام الشَّيءَ: أي طلب استمرارَه.  وتعني اِسْتِدَامَةُ العَيْشِ الرَّغِيدِ: دَوَامُهُ، اِسْتِمْرَارُهُ، واِسْتَدَامَ الرَّاحَةَ: طَلَبَ اسْتِمْرَارَهَا وَدَوَامَهَا. ويقصد بـ عَمَلٌ مُسْتَدِيمٌ: دَائِمٌ، ثَابِتٌ، مُسْتَمِرٌّ.

ويمكن تعريف الاستدامة عامة بمفهومها الحديث: بأنهـا الاسـتغلال الأمثـل للمـوارد والإمكانـات المتاحـة، سـواء أكانـت بشـرية أم ماديـة أو طبيعية، وبالشـكل الذي يضمن اسـتمرارية الاستفادة من تلك الموارد وعـدم إهدارها أو فقدانها.

وقد ارتبط انتشار استخدام مصطلح الاستدامة حديثاً، بإطار تنامي الاستخدام الجائر واستنزاف الموارد الطبيعية بسبب التقدم العلمي، حيث ظهر كمصطلح يختص بالحفاظ على استمرارية هذه الموارد، وحمايتها من النضوب، وبما يضمن حق الأجيال القادمة من تلك الموارد إسوة بالأجيال الحالية.

ولذلك كان ينظر لمفهوم الاستدامة في بداية ظهوره من زاوية واحدة وهو استدامة الموارد الطبيعية أو الاستدامة البيئية، وبما فيه معناه الإيكولوجي، مثلاً تعريف الاستدامة بأنها مصطلح بيئي يصف كيف تبقى الأنظمة الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت؟

 إلا أن مفهوم الاستدامة تغلغل بعد ذلك في جميع مجالات الحياة المعاصرة، وأصبح ثلاثي الأبعاد (بيئي، اقتصادي، اجتماعي)، وظهرت في المقابل مصطلحات جديدة مثل: الاستدامة المالية، والاستدامة الاقتصادية، وغير ذلك من المصطلحات المتخصصة، مثل: العمارة المستدامة، والسياحة المستدامة، والمنظمات المستدامة.

كما يرتبط مفهوم الاستدامة بمفهوم التنمية المستدامة، وينظر لهما البعض كمفهوم واحد، وإن كانت الاستدامة تخص شيئًا أو موردًا معينًا، مثلاً الماء، ولكن التنمية المستدامة تتعلق بالاستخدام المستدام لكافة الموارد المتاحة وتسخيرها في شتى المجالات المستهدفة في عملية التنمية.

ويعتبر التعريف الأكثر انتشاراً للتنمية المستدامة، هو تعريف وثيقة (مستقبلنا المشترك (، التي أعدتها اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (1987)، حيث جاء فيها: بأن التنمية المستدامة، هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر، دون الإخلال بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتهم. وهي تحتوي على مفهومين أساسيين: مفهوم (الحاجات) وخصوصاً الحاجات الأساسية لفقراء العالم، والتي ينبغي أن تعطَى الأولوية المطلقة. وفكرة القيود التي تفرضها حالة التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي على قدرة البيئة للاستجابة لحاجات الحاضر والمستقبل.

وجاء في أدبيات أخرى، بأن التنمية المستدامة تعني أن نكون منصفين مع المستقبل، فهي تهدف إلى أن يترك الجيل الحالي للأجيال القادمة رصيداً من الموارد مماثلاً للرصيد الذي ورثه أو أفضل منه. ومن الأهمية التأكيد أن التنمية المستدامة ذات 3 أبعاد. فبالإضافة إلى بعدها الاقتصادي لكونها عملية تنموية اقتصادية في الأساس، لها بعدين مهمين آخرين، وهما: البعد الاجتماعي: وتتمثل أهم صوره في الاهتمام بتلبية الاحتياجات الأساسية للبشر، والعمل على تحسين نوعية الحياة. والبعد البيئي: ويتمثل في الحفاظ على البيئة، واستخدام مواردها بطريقة لا تؤدي إلى انتهائها أو تدهورها.

وتسعى دول العالم-حالياً-إلى تحقيق 17 هدفًا، بحلول عام 2030، في إطار تحقيق التنمية المستدامة، والتي تسمى أهداف التنمية المستدامة 2030 (SDGs)، وذلك ضمن خطة تابعة للأمم المتحدة..

استدامة الموارد المائية

يمكن تعريف استدامة الموارد المائية بأنها الاسـتغلال الأمثـل لما هو متاح من هذه المـوارد، وعـدم إهدارها واستنزافها أو تلويثها، وضمان استمرارية نماء وتوافر هذه المـوارد.

وكمفهوم مغاير للاستنزاف تعرف استدامة الموارد المائية بأنها: استخراج الماء من الخزانات الجوفية بالكميات التي تساوي أو تقل عن الكميات المتجددة منها خلال نفس السنة، أو خلال فترة محسوبة سلفاً، وبما لا يؤثر على كميات المياه ونوعيتها على الأمد الطويل. فيما يتم تعريف الاستنزاف بأنه: القيام باستخراج الماء الجوفية بمعدل يزيد على معدل التعويض، وبما يؤدي إلى الانخفاض في مستويات المياه الجوفية.

ويكتسب مفهوم استدامة الموارد المائية أهمية قصوى، بما يدخل فيه من مضامين وآليات متعلقة بالحفاظ على استمرارية هذه الموارد، من خلال ترشيد استخدامها والبحث عن السبل الممكنة لإنمائها، وحمايتها من مختلف أشكال الاستنزاف والإهدار والتلوث.  

وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أن الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة 2030 جاء بعنوان: "ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة"، وقد اشتمل هذا الهدف على الغايات الآتية:

6-1: تحقيق هدف حصول الجميع بشكل منصف على مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة بحلول عام 2030.

6-2: تحقيق هدف حصول الجميع على خدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية ووضع نهاية للتغوط في العراء، وإيلاء اهتمام خاص لاحتياجات النساء والفتيات ومَن يعيشون في ظل أوضاع هشة، بحلول عام 2030.

6-3: تحسين نوعية المياه عن طريق الحد من التلوث ووقف إلقاء النفايات والمواد الكيميائية الخطرة وتقليل تسرّبها إلى أدنى حد، وخفض نسبة مياه المجاري غير المعالجة إلى النصف، وزيادة إعادة التدوير وإعادة الاستخدام المأمونة بنسبة كبيرة على الصعيد العالمي، بحلول عام 2030.

6-4: زيادة كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات زيادة كبيرة وضمان سحب المياه العذبة وإمداداتها على نحو مستدام من أجل معالجة شح المياه، والحد بدرجة كبيرة من عدد الأشخاص الذين يعانون من ندرة المياه، بحلول عام 2030.

6-5: تنفيذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه على جميع المستويات، بما في ذلك من خلال التعاون العابر للحدود حسب الاقتضاء، بحلول عام 2030.

6-6: حماية وترميم النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه، بما في ذلك الجبال والغابات والأراضي الرطبة والأنهار ومستودعات المياه الجوفية والبحيرات، بحلول عام 2020.

٦- أ: تعزيز نطاق التعاون الدولي ودعم بناء القدرات في البلدان النامية في مجال الأنشطة والبرامج المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، بما في ذلك جمع المياه، وإزالة ملوحتها، وكفاءة استخدامها، ومعالجة المياه العادمة، وتكنولوجيات إعادة التدوير وإعادة الاستعمال، بحلول عام 2030.

٦- ب: دعم وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في تحسين إدارة المياه والصرف الصحي.

الإدارة المستدامة للموارد المائية

يكمن أهمية دمج مفهوم الإدارة المستدامة في إدارة الموارد المائية، في أنه يوجه رؤية وبوصلة الإدارة المائية نحو الاستدامة، بدلاً من الانشغال فقط في مهامها التقليدية المتعلقة بإمدادات المياه. إذ يرتكز مفهوم الإدارة المستدامة للموارد المائية على تفعيل دمج عنصر الاستدامة في إدارة الموارد المائية، ودفع هذه الإدارة بقوة نحو تحقيق تنمية واستدامة الموارد المائية بالاستفادة من جميع آليات الاستدامة ومبادئها.

فحتى تكون تنمية الموارد المائية مستدامة يجب أن تحقق متطلبات الاستدامة، من استدامة اقتصادية مالية بالعمل على استرداد كلفة المشاريع ونفقات التشغيل وعدم الاستثمار الجائر، واستدامة اجتماعية، وتعني هنا الوعي البيئي بأهمية الموارد المائية وتحدياتها واستقرار النمو السكاني والطلب على المياه والاستعداد لدفع ثمن المياه، والاستدامة المؤسساتية أي القدرة على تخطيط وإدارة وتشغيل النظام، والاستدامة البيئية أي جودة ونوعية المياه وعدم وجود آثار بيئية سلبية على المدى البعيد. ولضمان استمرار وتواصل الاستدامة المائية ضمن هذا الإطار يجب أن يكون الإمداد المائي الممكن توفره بصورة مستدامة من مختلف المصادر المائية مساوياً أو أكثر من الطلب المتوقع على المياه لمواجهة مختلف الاستعمالات المائية أي أن: الطلب الكلي =  >  الإمداد المستديم. ويتم تحقق ذلك إما بالتوسع في تنمية موارد مائية جديدة لمواجهة الطلبات المتزايدة على المياه، إما بالتحكم في الطلب على المياه أو التقليل من معدلات استهلاكها (بحسب ما جاء في إحدى دراسات المنظمة العربية لتنمية الزراعية).

وتمثل أهم مبادئ الإدارة المستدامة للموارد المائية في الآتي:

  • مبدأ العدالة: أي ضمان عدالة التوزيع، وحصول كل فرد حقه من الماء، بما فيه حقوق الأجيال المقبلة.
  • مبدأ المشاركة: أي إشراك المجتمع المحلي والتشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الموارد المائية، وإشراك القطاع الخاص في أعمال قطاع المياه.
  • مبدأ التكامل: أي اتباع نُهج متكاملة لإدارة الموارد المائية، سواء على مستوى المؤسساتي، أو على مستوى استخدام الموارد والإمكانيات والوسائل المتاحة، أو على مستوى التمويل، أو على مستوى النطاق الجغرافي، وغير ذلك من المستويات.
  • مبدأ الابتكار: أي الاهتمام بتطبيق حلول مستدامة وابتكارية في معالجة مشكلات إدارة الموارد المائية.
     
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة