أسماك القرش تصنع النجاح والتميز الوظيفي

​"فريد سميث" يواجه تحدي تثبيط الهمم ويحقق نجاحًا بقيمة 8 مليارات دولار

  • "أوبرا وينفري" صنعت نجاحها وتميزها من المحن والتحديات فأصبحت أغني الأمريكيين الأفارقة في القرن العشرين
  • "مون" و"جونسون" حققتا الشهرة والثراء في عالمي الموضة والقهوة الجاميكية بعد تحديات صعبة

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

التحديات هي التي تصنع النجاح والتميز-سواء في الحياة الوظيفية أو الحياة بصفة عامة-والفرق بين موظف وزميله، وبين قائد إداري وغيره، وبين رائد أعمال ونظيره، وبين الشركات والمؤسسات فيما بينها، هو الرغبة والإصرار على تحقيق الطموحات، وقهر مثل هذه التحديات، من خلال المعرفة الجيدة بأسس وأسرار النجاح، كالتخطيط الجيد، والمعرفة، وأن نفهم أنفسنا ونعي قدراتنا جيدًا حتى نفهم الآخرين. فالنجاح له قواعد وأصول يمكن تعلمها، وخير معلم هو التحديات التي تواجه الناجحين والمتميزين، وكما يقول المتنبي: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم". فمن غير الواقعي توقّع التواجد في بيئات العمل دون مواجهة أي نوع من المشكلات أو التحديات التي يمكن أن تكون الحافز أو الميزة التنافسية لك أمام نفسك والآخرين كي تنجح وتتميز، ودائمًا ضع نصب عينيك القصة اليابانية الملهمة والفكرة المبتكرة عن "أسماك القرش"، والتي تتابعون تفاصيلها في هذا التقرير.

 

إلهام وابتكار ياباني

نستهل الحديث بالإشارة إلى الكتاب الذي ألفه المدير التنفيذي الهندي "آر.جوبالاكريشنان" بعنوان: "The Case of Bonsai Manager: Lessons for Managers on Intuition"، والذي يروي فيه قصة يابانية مشهورة وملهمة لمواجهة التحديات وتحقيق النجاح والتميز في الحياة الوظيفية. فيحكي "جوبالاكريشنان" أن اليابانيين مشهورون بحبهم لتناول السمك-بخاصة الطازج منه-الذي يعد طعامًا أساسيًا ضمن قائمة طعامهم، باعتباره الطعام المتميز لديهم منذ القدم. فقد كان الصيادون اليابانيون في بداية الأمر يصطادونه باستخدام قواربهم، فهو متواجد بجوار شواطئهم، ويبيعونه للمستهلكين طازجًا ويحققون الأرباح المرضية. ومع ازدياد عدد الشعب الياباني وحركة العمران والتقدم؛ ابتعد السمك عن الشواطئ لمسافات أبعد باتجاه المياه العميقة، وهو الأمر الذي كان يمثل تحديًا أمام الصيادين الذين لم يكونوا معتادين على الصيد في هذه المياه؛ حيث تغلبوا على هذا التحدي بصناعة وتجهيز السفن الأكبر حجمًا والأكثر استعدادًا. لكنهم واجهوا تحديًا آخر مهمًا يتحدد في أن بُعد وطول المسافة عن الشاطئ تسبب في أن السمك الذي كان يصطاده هؤلاء الصيادون لم يعد طازجًا كما كان من قبل؛ مما جعل حركة إقبال المستهلكين اليابانيين على هذه النوعية من السمك أقل، فانخفضت أسعاره، وهو التحدي الثالث الذي واجهه الصيادون والشركات المتخصصة بابتكار سفن عملاقة مزودة بثلاجات لحفظ السمك عقب اصطياده، والذي كان يصل للمستهلك الياباني مثلجًا أو مجمدًا، ولم يكن طازجًا؛ كما اعتاد المستهلكون عليه؛ فكان يتم بيعه بأسعار أقل من نظيره الطازج، حيث إن الأخير كان له طعم مميز بسبب أنه كان حيًا ويتحرك فكانت دورته الدموية المنتعشة هي السبب في جودته ومذاقه اللذيذ. وهو التحدي الرابع الذي واجهته شركات الصيد اليابانية والصيادون اليابانيون بابتكار صناعة سفن أكبر حجمًا مجهزة بخزانات أو أحواض سمك مملوءة بالمياه لوضع السمك فيها عقب اصطياده حتى يظل حيًا وطازجًا، إلا أنه عقب اصطياده، ونظرًا لبعد المسافات بين الشواطئ اليابانية وأماكن صيد الأسماك من المياه العميقة بالمحيط، إضافة إلى كثرة أعداد الأسماك التي توضع بهذه الأحواض فتجعلها مزدحمة بشكل كبير؛ مما كان لذلك كله أثر واضح في أن هذه الأسماك تشعر بالخمول والإعياء وأحيانًا الموت، فلا تصل للمستهلكين طازجة. وهو التحدي الأكبر الذي تغلب عليه الصيادون بفكرة مبتكرة تفتقت عنها أذهانهم وتبنتها شركات وسفن الصيد اليابانية، مفادها أن السمك يرتعد بشدة من مشاهدة أسماك القرش ويظل طوال الوقت في حركة ونشاط للهروب منها؛ فانتهوا إلى وضع أسماك قرش صغيرة في هذه الأحواض المجهزة بها السفن لتحقيق هذا الهدف وبحيث يصل السمك إلى مستهلكيه طازجًا، فحققوا أرباحًا مرضية بشكل كبير.

إن الهدف من سرد هذه القصة هو أنه لولا هذه التحديات والطموحات لما تحققت مثل هذه النجاحات، والتميز في مجال العمل، من خلال هذه الأفكار التي توجها الصيادون اليابانيون وشركات الصيد اليابانية بفكرة بسيطة ومبتكرة تدر عليهم الأرباح المرضية. كما تضيف صحيفة "الجزيرة" في تعقيبها على المعنى من هذه القصة: البعض منا يعيش حياة تلك الأسماك في الخزانات، دون نشاط وحركة. لدرجة أنه يحتاج إلى سمكة قرش تحركه وتطلق الطاقة في أوصاله لكي يتحرك. إن طموحات الإنسان وأحلامه هي ما تدفعه للمستقبل بكامل طاقته، تماماً كما تفعل أسماك القرش بالأسماك الأخرى.

تحدي بـ 8 مليارات دولار

كذلك من القصص الحقيقية التي يتناقلها ويستشهد بها الكثير من الناجحين لتحقيق النجاح والتميز في مواجهة التحديات-ولا سيما تثبيط الهمم الذي يعد من أكبر التحديات التي تؤدي إلى الفشل-قصة "فريد سميث" مؤسس شركة "فيدير ال اكسبريس"، والتي يسردها د.عبدالرحيم محمد استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي، عبر موقعه dr-ama.com، إذ يحكي أن "سميث" كان طالبًا في جامعة "ييل" الأمريكية. وذات يوم طلب أحد الأساتذة من الطلبة أن يقدم كل منهم فكرة مشروع من الممكن أن يعمل عليه مستقبلًا كحلم لحياته الوظيفية؛ فقدم "سميث" فكرة مشروعه المتمثل في إنشاء شركة لتوصيل الطرود لأي مكان في العالم في اليوم التالي لاستلامها. المفاجأة-حينذاك-أن آراء أساتذته أجمعت على أنه مشروع ساذج وفاشل، وحلم لن يتحقق أبدًا، لكن هذه الآراء المثبطة لم تنل من عزيمته. فبدأ مشروعه وفكرته، من خلال أول شحنة مكونة من 8 طرود، من بينهم 4 تخصه، لكنه بإصراره كافح ولم يستسلم؛ حتى أسس هذه الشركة، ونجح وتميز، حيث أصبح حجم أعمال هذه الشركة يتجاوز 8 مليارات دولار.

نجاح وتميز "وينفري"

ونستعرض مثالًا آخر لامرأة تحدت الصعاب وصعدت فوق العقبات لتصل إلى قمة الشهرة والنجاح-فوفقًا لما تذكره منصة "مقالات"، فإن هذا المثال يتجسد في الإعلامية المشهورة  "أوبرا وينفري"-أغنى الأمريكيين الأفارقة في القرن العشرين، والمليارديرة السمراء الوحيدة لمدة 3 سنوات على التوالي والمرأة الأكثر نفوذًا في جيلها، وهى مقدمة البرامج الحوارية الأمريكية، وممثلة مسرحية، وشخصية عالمية تحظى بالاهتمام على مواقع الإنترنت والصحف والمجلات وفى القنوات التليفزيونية والإذاعية .وقد وصلت "وينفري" لكل هذه المناصب، بالرغم من طفولتها الصعبة، حيث ولدت في المناطق الريفية الفقيرة في "ميسيسبي" الأمريكية، وتربت عند جدتها بعد انفصال والديها، وتعرضت للاغتصاب وهى طفلة في سن التاسعة، وبعد المراهقة المضطربة في المجتمع الزراعي انتقلت للعيش مع والدها وتحدت كل هذه الصعاب وتفوقت على نفسها وعلى ظروف حياتها الصعبة والتحقت بجامعة ولاية "تينيسى"، من خلال منحة تعليمية حصلت عليها؛ حيث كانت من أوائل الطلبة الأمريكيين من أصل أفريقى، حيث واجهت صعوبات عديدة في الجامعة .

في بداية حياتها العملية، عملت كمراسلة لإحدى القنوات إلى أن صارت صاحبة أشهر برنامج حواري، والأعلى تقييمًا من نوعه في التاريخ، والذي استمر لمدة تزيد عن 20 عامًا. وبالرغم من كل هذه النجاحات لم تنس "وينفري" طموحاتها؛ بسبب ما واجهته من تحديات، وما تعرضت له في طفولتها، وما عانت منه، وحولت كل هذه الصعاب إلى طاقة إيجابية سخرتها لحل مشكلات الناس.

تحديات "موون" و"جونسون"

ويبرز موقع "BBC News عربي" قصة "ميشيل موون" صاحبة شركة شهيرة لبيع الملابس النسائية، عندما تخلى عنها زوجها وشريكها في ملكية الشركة متعددة الجنسيات التي تبلغ قيمتها 78 مليون دولارًا أمريكيًا. فتخيل أنك تحاول أن تستعيد توازنك بعد أن خسرت زواجك فجأة، أو ربما عملك الناجح جدًا الذي أسسته من الصفر. فهذا ما حدث بالفعل للسيدة "موون" التي تركها زوجها تكافح من أجل بقاء الشركة التي أسستها هي منذ البداية، بعد أن حاول أن ينتزع السيطرة على تلك الشركة بعدما طور علاقة غرامية بينه وبين مديرة التصميم بالشركة. وبعد طلاق علني، ونزاع قضائي في المحاكم، والذي سعت بعده "موون" إلى العثور على داعمين جدد لشراء حصة زوجها في الشركة، إذ ظلت تكافح لفترة أخرى من أجل الحفاظ على تلك الشركة.

وبعد أن عينتها الحكومة البريطانية في أغسطس عام 2015م للقيام بأعمال مراجعة واسعة حول كيفية تشجيع الشركات الناشئة في المناطق التي تعاني من نسبة بطالة عالية، واجهت صعوبات أخرى في طريقها للوصول إلى القمة. فتقول "ميشيل موون"، والتي تصف تجربتها بأنها مثال للصمود والتحدي في مجال الأعمال: "لقد واجهت صعوبات كبيرة في حياتي التي كنت سأفقد فيها كل شيء بالفعل". وتضيف: "كان علي فقط أن أعمل بجد وأن أجد مخرجًا. فإذا لم تستسلم فحتما ستجد طريقا، وهذا شعور كان يلازمني طوال حياتي المهنية".

ويؤكد الموقع أن القدرة على أن تظل إيجابيًا ومسيطرًا على الأمور خلال فترات التوتر والضغوط الكبيرة هي العامل الذي يميزك بالصمود. كما أنها تعد دليلًا على بعض أكثر الأعمال التجارية نجاحًا.

وهو المثال الذي ينطبق تمامًا على المواطنة الأمريكية من أصل جاميكي "أندريا جونسون" مؤسسة شركة "سيرا للتجارة"، وهي شركة تديرها عائلتها لبيع القهوة الجاميكية، وتبلغ مبيعاتها نحو 300 ألف دولار سنويًا.

فقد دخلت "جونسون" في مجال الأعمال التجارية الحرة بعدما فقدت وظيفتها في بيت الأزياء الشهير في نيويورك "جورجيو أرماني" في أعقاب الأزمة المالية عام 2008م. وتقول جونسون: "في وقت لاحق، أدركت أن تلك هي الضربة التي كنت أحتاج إليها (لتدفعني إلى الأمام)". لقد كان تغيير المجال يمثل تحديا بالنسبة لـ"جونسون"، لكنها اضطرت إلى أن تصبح خبيرة في صناعة القهوة العالمية بشكل سريع، لدرجة أن مبيعات الشركة شهدت نوعًا من الصعود والاستقرار؛ وهو الأمر الذي دفع "أندريا جونسون" إلى التوسع تجاه السوق الآسيوية مع وجود شركاء في كل من هونغ كونغ واليابان. وتعتقد "جونسون" أنها تتمتع بطبيعة صامدة بشكل عام، وتُرجع ذلك جزئيًا إلى الطريقة التي تتعامل بها مع العقبات والتحديات التي تواجهها.

وهم الألماس

وتجدر الإشارة إلى أنه كي تحقق النجاح والتميز في بيئة عملك تمعن جيدًا؛ فربما هما بجوارك ويحتاجان منك إلى أن تواجه التحديات-في محيطك وبالقرب منك-التي تحجبهما عنك، فقط كل ما يتوجب عليك هو التفكير. فكما يذكر د.عبدالرحيم محمد أنه كان هناك مزارع أفريقي ناجح طوال عمره في مزرعته، حتى تقدم في العمر، وعندما سمع عن الناس يبحثون عن الألماس، ثم يحصلون عليه، ويحققون الثراء؛ باع حقله لرجل آخر، وذهب للبحث عن الألماس، لكنه قضى سنوات طويلة، وأنفق كل ما يملك هباءً منثورًا، دون الوصول لشيء. بينما هذا الرجل الآخر أو المشتري اهتم بهذه المزرعة، ثم بدأ يجني ثمار هذا الاهتمام؛ إذ إنه خلال تحسين مزرعته وجهوده الهادفة لتجويد إنتاجها وجد ألماسة، بعدها عثر على ألماسة أخرى، ثم اكتشف أن أسفل تلك المزعة يوجد منجم ألماس. أما المغزى من هذه القصة فهو أن المزارع الذي باع مزرعته قد بحث عن الألماس في كل مكان إلا مزرعته، وقد يتفاجأ أعزاءنا القراء إذا قلنا لهم حقيقة مفادها أن الألماس في بداية اكتشافه لا يبدو شكله جميلًا بالمرة، وإنما يبدو كالفحم، وأنه يحتاج فقط إلى بذل الجهود في تقطيعه، وتشكيله، وصقله.

أساليب مختلفة

وختامَا، فإن تحديات العمل-بحسب موقع إيجابي-هي جميع الصعوبات، والمعيقات، والمشكلات التي تواجه الأفراد والجماعات داخل مؤسّسات العمل وبيئاته المختلفة، والتي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الأداء والإنتاجيّة، وفقدان الوظيفة أو إنهاء الخدمة، فضلاً عن أنها تسبب انخفاض مستوى الرضا والسعادة عند الموظفين، والدخول في حالات من التوتر والعديد من مشكلات الصحة النفسية. وعندما يتعلق الأمر بالمخاوف والتحديات في مكان العمل، نجد أن كل شخص منّا يملك أسلوباً مختلفاً للتعامل مع التحديات المختلفة التي يواجهها، حيث يبحث البعض عن سبب للابتعاد عن التحديات وتجنبها؛ بينما يغتنم الآخرون الفرصة للمضيَ قدمًا نحو نجاح حياتهم المهنية ومواجهة التحديات بشجاعة. فمن غير الواقعي توقّع التواجد في مكان عمل دون مواجهة أي نوع من المشكلات أو التحديات؛ لأن تواجد مجموعة كبيرة من الأشخاص في مكان واحد، وإلقاء مسؤوليات مهمة عليهم في بيئة مرهقة ومتطلبة سيؤدي حتمًا إلى توليد المشكلات في وقت أو آخر.

 

​ 

 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة