«الميتافيرس» توجه تقنـــي جديـــد يكشــف فرص العمــــل والتــــواصل والشـــراء والألعاب في العـالم
​​​إعداد 
د. هيام نصر الدين عبده
د. إبراهيم محمد شاكر
عضوا هيئة التدريس بكلية العلوم الإدارية والإنسانية في جامعة المستقبل بالقصيم

​يواكب التعليم التطورات، والثورات التقنية المتلاحقة في مجال علوم تكنولوجيا المعلومات؛ فالثورة الأولى تمثلت في ظهور الحاسوب الشخصي، وقد كان لهذا الظهور أهمية كبيرة في مسار التفكير الإنساني،  أما الثورة الثانية فتتجلى في ظهور الشبكة العنكبوتية والمعبر عنها بالإنترنت الذي لا يزال له تأثير هائل على مختلف جوانب الحياة والعلوم، وبالنسبة للثورة الثالثة، فتتمثل في الثورة الهائلة للوسائط المعلوماتية والإعلامية، والتي أحدثت تحولًا جديدًا في حياة البشر، وبفضل هذه التطورات، نرى اليوم الهواتف اللاسلكية والكتب الإلكترونية والتسوق المنزلي والنقود الرقمية والبطاقات الذكية. 
الفصول الدراسية
 ويسعى التعليم دائمًا للاستفادة من هذه التقنيات وتطبيقها داخل الفصول الدراسية وفي الحياة اليومية؛ مما يعزز تأثيرها الفعَّال والمجدي على الطلاب، حيث يشجعهم على المشاركة في حل المشكلات وتطوير المفاهيم، ومن بين هذه التقنيات الحديثة تقنية الواقع الافتراضي، التي تمثل نمطًا مختلفًا في عملية التعلم بوجه عام والتقني بوجه خاص. 
الواقع الملموس
وتعبر كلمة (ميتافيرس) عن العالم الذي يتجاوز الواقع الملموس والمحدود، يتألف المصطلح من جزأين، حيث يعني الجزء الأول (ميتا) باللغة اليونانية (ما وراء) أو (الأكثر وصفًا)، ويشير الجزء الثاني (فيرس) إلى كلمة Universe باللغة الإنجليزية. ويمكن استخدام مصطلح الميتافرس باللغة العربية للإشارة إلى مفاهيم مثل الواقع الافتراضي، أو الواقع المعزز، أو العالم الانغماسي. وظهر مصطلح (الميتافيرس) لأول مرة في فترة التسعينيات من القرن الماضي، تحديدًا في سنة 1992، في رواية بعنوان Snow Crash تحطم الثلج لكاتبة الخيال العلمي (نيل ستيفنسون). وفي هذه الرواية، قدمت ستيفنسون تصوّرًا لعالم حيث يتفاعل الأفراد مع بعضهم البعض من خلال استخدام صور رمزية رقمية داخل فضاء ثلاثي الأبعاد يشبه إلى حد المطابقة أحيانًا العالم الحقيقي.
الواقع المعزز
و(الميتافيرس) يمثل دمجًا بين تقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، بالإضافة إلى العنصر الضوئي الصوتي، مما يتيح للمستخدمين القدرة على العمل واللعب والتواصل والشراء. ويعد مصطلحات (الميتافيرس) مثل العالم الافتراضي والواقع المصطنع والبيئة الافتراضية والواقع المركب، وجميعها أسماء مختلفة تشير إلى نفس المفهوم، وهو الواقع الافتراضي، والذي بدأ في الانتشار والشيوع والتوسع في استخدامه عالميًا؛ ويعكس مصطلح (افتراضي) الإشارة إلى النسخ المكررة أو المماثلة التي يوفرها الحاسوب للكائنات المادية الحقيقية.
كيف يؤثر؟
والتساؤل الحالي هو: كيف ستؤثر تكنولوجيا (الميتافيرس) على الوقت الحاضر والمستقبل؟ في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب، ستتمكن من الانتقال الآني إلى مكان عملك أو حضور الحفلات مع أصدقائك، بالإضافة إلى الاستمتاع بالألعاب الجماعية وزيارة أفراد عائلتك، وكل ذلك دون الحاجة للخروج من مساحة غرفتك الخاصة، ستتاح لك هذه الخيارات بفضل وجود الأشخاص في نفس الوقت داخل بيئة (الميتافيرس)، حيث يمكن تحويل كل شيء إلى (هولوغرام) متاح داخل عالم (الميتافيرس). وبناءً على تأثير جائحة كوفيد-19 وضرورة إعادة التفكير في نمط العمل التقليدي، ستجد الكثير من الشركات تتحول إلى بيئة عمل تعتمد على تقنية الميتافيرس، مما قد يؤدى إلى إلغاء الحاجة لتواجد الموظفين في المكاتب الفعلية.
وإذا استفسرنا عمن يتحكم في تقنية الميتافيرس واستخدامها؟ نجد أن السيطرة تكون في يد الشركات العالمية العملاقة، حيث تحدد وتضع قوانين الحماية. 
تطبيقات جديدة
ومن أهم الكيانات التي تتحكم وتسيطر على تقنية (الميتافيرس)، تبرز شركة فيسبوك كواحدة من الشركات الرائدة التي اعتمدت تقنية (الميتافيرس)، بالإضافة إلى شركة مايكروسوفت التي ستكشف قريبًا عن تطبيقات جديدة تدعم تقنية الواقع الافتراضي وتعزز من استخدامها. ولا يمكن نسيان شركة أبل العملاقة، حيث ستطلق نظارة تعتمد على تقنية الواقع المعزز، وستأخذ في الاعتبار تأثير (الميتافيرس) وتكنولوجيتها، وتعتبر شركة Epic Games أيضًا مسيطرًا رئيسًا، حيث قدمت مجموعة متنوعة من الألعاب القوية التي تستخدم نظام الواقع المعزز الافتراضي.
بماذا يتم قياس فعالية التعليم؟
يقوم خبراء التعليم بتقييم نجاحه بناءً على مدى تحقيق الفعالية. ومن الواضح أن التعليم الإلكتروني التقليدي الذي كان موجودًا قبل ظهور جائحة كورونا يفتقر إلى هذه الفعالية، أما تقنية (الميتافيرس)، فتقدم تجربة واقع افتراضي تحقق الفعالية في التعليم. وتعمل تقنية الميتافيرس على تقديم المحتوى بطرق ديناميكية وتفاعلية عالية، وتقرب الواقع من المستخدمين بشكل أكثر تعبيرًا. بالإضافة إلى ذلك، تساهم تقنية الميتافيرس في تجاوز مفهوم الحفظ والتلقين الذي يفتقر إلى التفاعل والمشاركة.
استغلال التقنية
وأشارت بعض الدراسات التي أُجريت حول استخدام تكنولوجيا (الميتافيرس) في مجال التعليم، إلى أن الطلاب الذين خضعوا للتدريب باستخدام الواقع الافتراضي حققوا نتائج متميزة في عدة مجالات؛ بما يعزز الثقة في استغلال تلك التقنية.  فقد أظهرت هذه الدراسات زيادة في الثقة لدى الطلاب بنسبة تصل إلى %275في استخدام ما تعلموه بعد التدريب. بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسات إلى أن استخدام تقنية (الميتافيرس) في التعليم أدى إلى تحسن يصل في بعض الأحيان إلى %40مقارنة بالتعلم في الفصول الدراسية التقليدية، كما أظهرت النتائج أن الفرق بين التعلم الإلكتروني و(الميتافيرس) كان بنسبة %35 تفضيلًا لصالح (الميتافيرس).
أهمية بارزة
يحقق (الميتافرس)في مجال التعليم أهمية بارزة، حيث يعد وسيلة فعالة لتجسيد بيئة التعلم التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم في تبسيط وقائع العلوم، ويعزز التفاعلية والسيطرة والتخصيص، ويتيح ممارسة المهارات التي يعد ممارستها على أرض الواقع أمرًا صعبًا، وليس هذا فحسب، بل يسهم أيضًا في تنويع استراتيجيات وأساليب التعلم داخل بيئة التعلم الافتراضية. ومن التطبيقات التعليمية للميتافيرس يمكن ذكر ما يلي: المسارح الافتراضية، والمعامل الافتراضية، والواقع الافتراضي في المكتبات، والألعاب التعليمية الافتراضية، والجولات الافتراضية، والمتاحف الافتراضية. 
والمعامل الافتراضية تقدم تجربة محاكاة للمعامل الحقيقية وتحقق نتائج مشابهة لتلك التي يتم الحصول عليها في المعامل الفعلية. وقد ساهمت في تعزيز فهم الطلاب للمفاهيم المجردة وتقريبها منهم من خلال تجربة حسية أقرب للواقع. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت في تجاوز المخاطر والمشاكل التي قد يواجهها الطلاب أثناء أداء التجارب في المعامل الحقيقية. وقد انتشر استخداماتها في مجالات متعددة، مثل: العلوم والصيدلة والهندسة والمعامل المدرسية وغيرها.
الجولات الافتراضية
والجولات الافتراضية تعرف أيضًا بأسماء متعددة تشير جميعها إلى نفس المعنى، مثل جولة 360 درجة، والبانوراما الافتراضية، وجولة كويك تايم. تُعد الجولات الافتراضية وسيلة فعالة يمكن استخدامها عبر الإنترنت لزيارة مواقع أثرية وسياحية ومتاحف بشكل افتراضي. تساعد هذه الجولات المتعلمين في فهم الدروس التي يصعب الوصول إليها أو شرحها من خلال الرموز والألفاظ فقط. على سبيل المثال، يمكن أن تتضمن جولة في التاريخ الأحداث التاريخية السابقة، أو جولة في الفضاء الخارجي لاستكشاف المجرات والكواكب.
المتاحف
والمتاحف الافتراضية هي متاحف تعتمد على التكنولوجيا السمعية والبصرية، ولا تحتاج بالضرورة إلى وجودها في العالم الحقيقي. تم إنشاؤها عبر الإنترنت لتعريف الجمهور بمتاحف مختلفة، وتهدف إلى الحفاظ على القطع الأثرية مثل اللوحات والأواني الفخارية والصور والنحت، وتقديم أبحاث حول تاريخها وتوفير المعلومات المفيدة حولها. أما المسارح الافتراضية، فتوفر بيئة افتراضية تجسد البيئات الحقيقية أو الخيالية للجمهور، وتكون تفاعلية وتمكن الجمهور من الانتقال في الفضاء الافتراضي في الوقت الحقيقي أو في زمن مسجل مسبقًا. تعتمد هذه العروض على عملية المحاكاة التي تتم عبر الحاسوب، وتستخدم شاشات العرض وكاميرات الفيديو ووسائط أخرى في خشبة المسرح الافتراضي. يتم مشاهدة هذه العروض بواسطة الجمهور من خلال ارتداء نظارات الواقع الافتراضي.
الألعاب
والألعاب التعليمية الافتراضية: توفر الواقع الافتراضي ألعابًا وتطبيقات تعليمية تتمتع بإمكانات كبيرة وتعزز تفاعل المتعلمين وتمكنهم من استكشاف خيالهم بشكل متاح. تتيح لنا هذه الألعاب والعوالم الافتراضية الاستفادة من إمكانيات مختلفة لدعم مجتمعات التعلم وتوسيع شبكاتنا للمتعلمين وتقديم أدوات لدعم النشاط التعليمي الإبداعي وتصميم تجارب التعلم.
صيغ رقمية
تقنية الواقع الافتراضي في المكتبات: تسعى معظم المكتبات جاهدة لتحويل المواد المادية إلى صيغ رقمية وتوفيرها عبر الإنترنت، مما يجعلها قادرة على استخدام تقنيات الواقع الافتراضي كمصدر رئيس لتقديم الأحداث التاريخية في المستقبل. وتتجه المكتبات اليوم نحو تحويل نفسها إلى مراكز مجتمعية تركز على التعليم والتجربة 
بدلاً من أن تكون مركزًا محوريًا حول الكتب فقط. فالزوار يأتون إلى المكتبات من أجل الوصول المجاني إلى خدمات الشبكة وأجهزة الحاسوب، وطابعات ثلاثية الأبعاد، وغيرها من البرامج التقنية، ولا يقتصر اهتمامهم فقط على المجلدات والكتب الموجودة على الرفوف. بالإضافة إلى ذلك، يتحقق العديد من مستفيدي المكتبة من الكتب افتراضيًا دون الحاجة إلى زيارة المكتبة الفعلية في كثير من الأحيان. 
ويحقق الميتافيرس في التعليم فوائد عديدة، بما في ذلك:
-التفاعل: يشجع المتعلمين على المشاركة الفعّالة والتفاعلية، حيث يتم تشجيع المتعلم الذي يتفاعل مع البيئة الافتراضية على الاستمرار في التواصل ورؤية النتائج في الحال. 
-تنوع طرق التدريس: يوفر الواقع الافتراضي طرقًا متنوعة لتدريس المفاهيم التي كان من الصعب تدريسها في السابق، ويتيح التعلم عن بُعد للأهداف التعليمية التي كانت تستلزم تواجدًا مباشرًا.
-التحفيز: يعزز الواقع الافتراضي الدافعية للطلاب لاستخدامه كأداة تعليمية، حيث يشعرون بالإيجابية تجاه استخدامه ويشعرون بالحماس لاستكشاف وتجربة المحتوى.
-إمكانية الوصول لأماكن صعبة الوصول: يساعد الواقع الافتراضي على توضيح المعلومات والعمليات التي كان من الصعب الوصول إليها بشكل دقيق، حيث يمكن استكشاف نماذج الكائنات من جميع الزوايا وفهمها بوضوح أكبر واستكشاف مناطق غير مرئية في السابق.
-جذب الانتباه: يلفت الواقع الافتراضي انتباه المتعلمين ويشعرون بالحماس والتحدي لاستكشاف بيئة ثلاثية الأبعاد وتحفيز أنفسهم لإنشاء وبناء عوالمهم الافتراضية الخاصة.
عيوب وفوائد
على الرغم من فوائد الميتافيرس في مجال التعليم، إلا أنه يعاني من عدة عيوب، ومن بينها: صعوبة الاستخدام، حيث يتطلب تدريب المعلمين والمتعلمين على كيفية استخدامه وتوظيفه بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التفاعل الكامل مع التقنية إلى حالات من الهلع والخوف في بعض الحالات، ويمكن أن يترتب على ذلك تأثيرات سلبية على الصحة والسلامة، مثل: ضعف الرؤية والدوار والغثيان. يتطلب أيضًا الحصول على وقت لتعلم كيفية استخدام هذه الأجهزة، فضلاً عن التكلفة المرتفعة للحصول عليها وارتفاع تكلفة إنتاج البرامج الافتراضية. وتتطلب استخدام (الميتافيرس) معدات ذات تكلفة عالية، وهي أدوات مثل: القفاز، الذي يمكنك استخدامه للتفاعل مع العناصر في الواقع الافتراضي (ميتافيرس) وتجربتها كأنها حقيقية، بالإضافة إلى النظارات التي تسمح لك بالانغماس في العالم الافتراضي.
متطلبات لازمة
ما المتطلبات اللازمة لتحويل المدارس والجامعات إلى استخدام التكنولوجيا الافتراضية الموسومة بـ (لميتافيرس)؟
لا بد لنا أن نعترف أن تحويل المدارس والجامعات إلى واقع افتراضي عن طريق تقنية (الميتافيرس) لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تدريب المعلمين على تلك التقنية لإكساب المعلمين بها خبرة ووقتًا، وتصميم المناهج التعليمية التي تعتمد على التكنولوجيا الافتراضية، وتوفير الأجهزة والأدوات المطلوبة لتطبيق التكنولوجيا الافتراضية، ووضع القواعد والتوجيهات لاستخدام الميتافيرس في مجال التعليم. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر إجراء دراسات مستمرة لتقييم فعالية استخدام التكنولوجيا الافتراضية في التعليم.










 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة