معالي الدكتور محمد الطويل.. الإداري الحازم من «الكتاتيب» إلى قائد في التنمية الإدارية

​​يقولون إن من سمات القائد العظيم هي استماعه إلى من يقودهم، ومعالي الدكتور محمد الطويل، مدير عام معهد الإدارة العامة الأسبق، كان من ميزاته أنه يحرص على أن يلتقي بكل مبتعث عائد من البعثة إلى المعهد، وقد أظهر معاليه خلال هذه اللقاءات الفردية الأريحية، والتفهم، والاستماع الجيد؛ معترفاً بثروة الأفكار الجديدة التي يمكن أن يقدمها المبتعثون الجدد للمنظمة.

خبير الإدارة
ويعد معالي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الطويل، أحد أبرز خبراء الإدارة ليس على المستويين المحلي فحسب بل على المستوى الإقليمي والدولي، بشهادة كثير ممن عرفوه، فقد مارس العمل الإداري منذ مراحل مبكره من حياته، موظفاً، ودارساً للإدارة، وباحثاً ومحاضراً ومدرباً ومشرفاً على أكبر مشروع لتدريب وتأهيل موظفي الدولة بمعهد الإدارة العامة، وهو من أوائل السعوديين الذين حصلوا على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية.
الميلاد والنشأة
ولد محمد الطويل عام 1942م في شقراء، والتحق بـ "الكتاتيب" ثم التحق بالمدرسة السعودية الابتدائية، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية، غادر مدينة شقراء إلى الرياض، ليدرس في معهد الرياض العلمي، الذي لم يكن يمثل طموحه ورغباته، كما كان يقول، لكنه أرجع سبب انضمامه له، كونه صغير السن، والدور الذي لعبته المكافأة التي يتقاضها الطالب بالمعهد، والبالغة 300 ريال، فهي كانت مغرية جداً، وبما أن الدراسة في المعهد لم تحقق طموحاته المستقبلية؛ قرّر أن يدرس في الفترة المسائية في ثانوية اليمامة، إضافة إلى دراسته الصباحية، وبعد فترة، طوى صفحة المعهد بعد أن أوقف دراسته فيه، وواصل الدراسة في ثانوية اليمامة الليلية، التي حصل على شهادتها عام 1963م، واتجه مبكراً نحو العمل الحكومي، وهو لم يبلغ سن الـ 16 عاماً، وذلك عندما قرأ إعلاناً عن وظيفة "مُعقّب" في إمارة منطقة الرياض، ونجح في أول وظيفة إدارية، ثم غادر إلى وزارة المالية والاقتصاد، وبعد 6 أشهر من العمل انتقل إلى مصلحة الإحصاءات العامة، وبعد ذلك موظفاً في معهد الإدارة العامة، ومنذُ ذلك الحين، بدأت قصته مع المعهد، وهي قصة طويلة ومثيرة، إذ تعلم واستفاد الكثير في إداراته وأقسامه المختلفة، وواصل دراساته في الخارج مبتعثاً منه، وعاد إليه ليدير دفته لمدة (17) عاماً حفلت بالكثير من التجارب الناجحة.
الإداري الحازم
وكان معالي الدكتور محمد الطويل مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 17 عاماً، منذ العام 1978م حتى عام 1995م، كان فيها إدارياً حازماً، مما ترك انطباعاً ايجابياً لدى الموظفين، وتأثيراً كبيراً على منظمة عريقة كمعهد الإدارة العامّة، حيث تميزت فترته بالحزم والاحترافية الإدارية، وتوهج فيها معهد الإدارة العامة على النطاق الاجتماعي، والإداري، وتميز في مختلف الأنشطة والبرامج التي يقدمها كجودة التدريب التي ينفذها لموظفي الدولة، والبرامج التدريبية المبتكرة التي يقدمها لإعداد القادة والموظفين الجدد، وبنوعية الخدمات الاستشارية المميزة، والبحوث والمؤلفات التي يعدها للجهات الحكومية، وباقتناء أحدث الأجهزة والتقنيات العالمية، وبمرافقه ومبانيه المتميزة بنظافتها وصيانتها الدائمة.
تنوع الخبرات
وقد توج معالي الدكتور محمد الطويل خبرته الإدارية الحافلة بعضويته في عدد من المنظمات والجمعيات المحلية والعربية والدولية، فهو رئيس اللجنة التحضيرية للإصلاح الإداري في السعودية، ورئيس المنظمة العربية للعلوم الإدارية، وأول رئيس من خارج أمريكا وأوروبا للاتحاد الدولي للإدارة، كما عمل نائباً لرئيس الاتحاد الدولي للعلوم الإدارية ونائباً لرئيس اتحاد مدارس ومعاهد الإدارة على مستوى منطقة الشرق الأوسط. 
مواقف وتجارب
ومن المواقف المتداولة عن الدكتور محمد الطويل أثناء إدارته المعهد، اهتمامه الكبير بجودة المخرجات في بداية مسارات التنمية الإدارية في المملكة حيث كان الطلب على خريجي المعهد ليشغلوا الوظائف في القطاعين العام والخاص أكثر من الطلب على خريجي الجامعات السعودية الأخرى، وعرف عن المعهد آنذاك قدرته على تخريج مهنيين مميزين بالانضباط  الوظيفي، والمهارة واللغة الإنجليزية. ومن المواقف كذلك أن موظفي الدولة في مختلف القطاعات الحكومية كانوا يوقعون على سجل الحضور والمغادرة؛ إلا أن الدكتور محمد الطويل رفض تنفيذ هذا النظام على موظفي المعهد، قائلاً: "نحن ندرب موظفي الدولة ليكونوا الأفضل، فلن نسمح لأحد بأن يراقبنا"، وبالفعل أتت هذه السياسة ثمارها، وكان كل موظف في المعهد تجده على مكتبه في تمام الساعة 7،30 صباحاً، وحتى نهاية الدوام الساعة 2،30 بعد الظهر، وهي ساعات العمل الرسمية للحكومة، كذلك من المواقف الشهيرة له زياراته اليومية الصباحية المفاجأة، حيث يتوجه إلى إحدى الإدارات في تمام الساعة7:30 صباحاً، ويتجه أولاً إلى مكتب المدير، فإذ كان متأخراً يترك له رسالة مكتوب عليها "صباح الخير أو أسعد الله صباحك" ثم يذهب، أما إذا كان المدير موجوداً على مكتبه، فيصحبه في جولة سريعة للتحقق من حضور موظفي إدارته، ويترك بالطبع ملاحظة "أسعد الله صباحك" للمتأخرين.
وجهات نظر
ومن أقواله: "الإدارة العربية هي انعكاس لواقع بيئي بمكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتطور الإدارة هو مؤشر كبير على الدرجة المتقدمة التي وصل إليها أي مجتمع". ومن أقواله كذلك: "النموذج العربي يبتعد كثيراً عن النماذج الإدارية الحديثة في العالم، فهو نموذج أهم سماته: غياب النظرة الاستراتيجية الحقيقية، وعدم الأخذ بكثير من الأساليب الحديثة في الإدارة، وتعقيد الإجراءات وطولها، والنظرة الفوقية في تقديم الخدمة للمستفيدين من خدمات المؤسسات، والفساد الإداري في كثير من المؤسسات، وغياب روح المسؤولية، وعدم الاهتمام بتكوين وتنمية الكوادر الإدارية.  وعن كثرة الاجتماعات في بيئة العمل يقول: "الاجتماعات عملية مهمة إذا أحسن اختيار مواضيعها ومن ثم أحسن إدارتها، إلا أن المشكلة تكمن في كثير من الأحيان في سوء التحضير للاجتماعات وفي مناقشتها لأمور كان يمكن البت فيها من آخرين دون الحاجة لمناقشتها في الاجتماعات".


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة