إيلون ماسك يدير تويتر بالسخرية والاستطلاعات وحافة الهاويـة

​​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

شغلت صفقة استحواذ الملياردير الأمريكي وأحد أبرز أثرياء العالم إيلون ماسك على تويتر-التي حسمها لصالحه في نهاية أكتوبر الماضي-الرأي العام وساحات مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام، وقبل هذا كله اتجهت إليها أنظار خبراء الإدارة والمال والأعمال. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد أثار ماسك الكثير من الجدل، والغموض، والتشويق، خاصة بعد أن أصبح الرئيس التنفيذي لشركة تويتر؛ فاتخذ العديد من القرارات والإجراءات الإدارية الهادفة إلى إعادة هيكلة تنظيم وإدارة عالم تويتر، والتي كانت لها تداعياتها. في هذا التقرير نرصد أبرز ملامح إدارة ماسك لتويتر ومدى نجاحه في ذلك.

بداية مثيرة للجدل
بالرغم من كونه أحد أبرز وأنجح رواد الأعمال على مستوى العالم، إلا أن الملياردير إيلون ماسك معروف بقراراته وسلوكياته المثيرة للجدل؛ فبحسب موقع Compliance Week أنه بعد أيام فقط من الانتهاء من شرائه منصة تويتر مقابل 44 مليار دولار في 27 أكتوبر الماضي، بدأ ماسك فترة ولايته كرئيس تنفيذي جديد لعملاق وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إقالة الإدارة العليا على الفور، بما في ذلك سلفه الرئيس التنفيذي باراج أغراوال، والمدير المالي نيد سيغال، وفيجايا جادي رئيس الشؤون القانونية والسياسة والثقة والسلامة، والمستشار العام شون إدجيت. بالإضافة إلى ذلك، أعلن ماسك-في ملف الأوراق المالية المرسل منه-عن حل مجلس إدارة تويتر المكون من 9 أعضاء وأنه "أصبح المدير الوحيد".
كذلك قام بتسريح آلاف الموظفين، فبحلول صباح يوم الجمعة 4 نوفمبر 2022، اتخذ ماسك قرتارًا بفصل ما يصل إلى 3700 موظف منهم، وهو ما يقرب من نصف موظفي تويتر، والذين أعلنوا أنهم سيقومون برفع دعاوى قضائية بسبب إجراءات فصلهم؛ وهو الأمر الذي تسبب في إثارة قلق المعلنين عبر المنصة، فقد دفع هذا شركة IPG-وهي واحدة من أكبر شركات الإعلانات في العالم-إلى توصية عملائها بإيقاف الإنفاق مؤقتًا عبر المنصة. ويشمل عملاء هذه الشركة كلًا من: American Express، وCoca-Cola، وFitbit، وGoPro، وJohnson&Johnoson، وLevi Strauss&Co، وMattel، وSpotify. كما أوقفت شركات أخرى إعلاناتها عبر تويتر عقب ذلك، ومنها: فولكس فاغن، وجنرال موتورز، وفايزر، وأودي.
مثل هذه القرارات والإجراءات التي اتخذها ماسك خلال بدايات إدارته تويتر تعرضت لانتقادات، فطبقًا لموقع techtarget؛ فإن العديد من الخبراء يعتقدون أن إدارته الموارد البشرية بتويتر يتصف بالخطأ؛ لأنه اتجاه خارج عن قواعد إدارة هذه الموارد، وقد يضر بالتزام الموظفين ومشاركتهم. لدرجة أن موقع Mint أورد أن تلك القرارات والإجراءات تمثل في حد ذاتها اختبارًا علنيًا للغاية لأسلوب معين من الإدارة، في إشارة إلى الطريقة التي يفكر بها في العمل وصنع القرار ودور الرئيس التنفيذي، والتي في مجملها شخَّصها الموقع بأن ماسك يسبح ضد التيار.
التحول للاشتراكات
وإذا انتقلنا لأسلوب إيلون ماسك في إدارة أرباح تويتر، فبناء على موقف شركة IPG المتعلق بالإعلان عبر تويتر؛ فقد اتجه ماسك إلى الاشتراكات كبديل لهذه الإعلانات، حيث أعلن عن زيادة سعر توثيق الحسابات عبر العلامة الزرقاء على تويتر إلى 8 دولارات بدلًا من 5 دولارات شهريًا؛ وهو سرعان ما تراجع عنه-بحسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز-بالتأجيل إلى ما بعد إجراء الانتخابات النصفية الأمريكية.
وهو القرار الذي يرى موقع Mint أنه يثير تساؤلات حول هذه الاستراتيجية: هل يمكن لتويتر كسب المال من خلال الانتقال من نموذج أعمال قائم على الإعلانات إلى نموذج قائم على الاشتراكات؟
ويشير موقع socialmediatoday إلى أنه لا توجد الكثير من الأسباب التي تجعل الناس يدفعون-خاصة عندما لا يقوم معظم المستخدمين بالتغريد على الإطلاق؛ وبالتالي فإن الفوائد، بالنسبة للغالبية، لا تستحق المال حقا. وذلك بالرغم من أن بعض الأشخاص سيدفعون؛ حيث يعمل إيلون على إضافة عدد من الحوافز الإضافية، مثل قائمة الردود ذات الأولوية. كما قام أيضا بوضع علامة على نظام جديد سيتمكن من خلاله المشتركون الذين يدفعون من التصويت على الحسابات الأخرى.
استطلاعات ماسك التويترية
ويبدو أن إيلون ماسك استشعر ما تثيره قرارات إدارته الجديدة لتويتر؛ فأراد أن يحتمي في عباءة مستخدمي تويتر، كظهير جماهيري له، فلجأ إلى أسلوب الإدارة بالاستطلاعات، إذ أجرى العديد من استطلاعات آراء الجمهور، عبر تغريداته على حسابه الرسمي، والتي منها على سبيل المثال ما يلي:
• أجرى ماسك- في تغريدة يوم 31 أكتوبر الماضي- استطلاعًا لآراء متابعيه لمعرفة رغبتهم في إعادة خدمة Vine، وهي خدمة مقاطع الفيديو القصيرة المتوقفة على تويتر، إذ أسفرت نتيجة الاستطلاع عن أن نحو 70% من متابعيه أجابوا بنعم، بينما رفض الآخرون؛ لذلك أمر ماسك المطورين بالعمل على إعادة خدمة Vine، مع موعد نهائي في نهاية العام الماضي.
• كما أجرى استطلاعًا عن معيار عدد مرات ظهور التغريدة، والذي شارك فيه ما يزيد عن 2,5 مليون مستخدم من بين متابعيه.
• كذلك أجرى استطلاعًا بشأن مدى إلغاء تعليق بعض الحسابات التي انتهجت سلوكيات معينة، وهو الاستطلاع الذي حظي بمشاركة أكثر من 3,5 مليون مستخدم، عبر تويتر.
•وقد سبق أن قام بالتمهيد للاستطلاع السابق، من خلال استطلاع سابق أجراه حول ضرورة اتخاذ إجراء ما حيال هذه الحسابات المعلقة، أيًا ما كانت المبررات، والذي طرحه كالآتي: القواعد هي قواعد وعلينا جميعًا أن نتحمل المسؤولية عند خرقها. هل يجب تعليق هذه الحسابات بشكل دائم أو تعليقها مؤقتًا؟
•و أجرى-كعادته-استطلاعًا لآراء مستخدميه في بداية شهر ديسمبر الماضي، فيما يتعلق بتنفيذ تحسينات كبيرة في نظام تويتر للطَرْق بقوة على، ومواجهة ما يسميه بالحسابات الاحتيالية.
• وهو ما سبقه باستطلاع طرحه عبر التساؤل التالي: هل ينبغي أن يقدم تويتر عفوًا عامًا عن الحسابات المعلقة، بشرط ألا تكون قد انتهكت القانون أو شاركت في رسائل فظيعة غير مرغوب فيها؟
• ومع مستهل يوم 12 نوفمبر الماضي، أراد ماسك أن يتعرف على آراء الجمهور في مدى استمتاعهم بتويتر، من خلال استطلاع أجراه بين مستخدمي الموقع الأشهر عالميًا، وذلك بمشاركة ما يزيد عن 2 مليون متابع ومستخدم.
وغير ذلك من الاستطلاعات، سواء الخاصة بإدارته تويتر، أو بقضايا أخرى سواء اقتصادية، أو سياسية، وغيرها من شؤون الحياة. وقد لاقت هذه الاستطلاعات تفاعلًا كبيرًا من جمهور ماسك وتويتر، لدرجة أن البعض في ردودهم على تغريداته-كانوا يطرحون استطلاعات للرد على استطلاع "ماسك" بلا هواده.
الـ" كلب" رئيساً تنفيذياً
ومن خلال استعراض التسلسل الزمني Time Line لتغريدات إيلون ماسك نفسه على حسابه بتويتر؛ يتضح أنه أجرى يوم 19 ديسمبر الماضي استطلاعًا بين جمهور مستخدميه، لمعرفة آرائهم بشأن مدى الموافقة على استمراره كرئيس تنفيذي لشركة تويتر من عدمه. وكانت النتائج صادمة لماسك نفسه؛ حيث أعلن 57,5% منهم تأييدهم تخليه عن هذا المنصب، مقابل 42,5% عارضوا ذلك.
ولم يكد يمر أكثر من يوم حتى قام ماسك بالتغريد على حسابه الرسمي معقبًا على نتيجة هذا الاستطلاع بالتهكم والسخرية، أنه سيستقيل من منصبه كرئيس تنفيذي لتويتر عندما يجد شخصًا "غبيًا" يستحق هذا المنصب. ومما لا شك فيه أن إجرائه هذا الاستطلاع وسخريته من نتيجته تكشف تمامًا أن ماسك كان يعُّول-بثقة-على أن جمهوره لن يخذله بالتمسك بأسلوبه الجديد في إدارته تويتر، وذلك على طريقة المقولة الشهيرة لـ"يوليوس قيصر": "حتى أنت يا بروتس..."، لكن ماسك لم يستسلم كما استسلم قيصر لمصيره؛ فأعلن-ضمنيًا-رفضه هذه النتيجة بالتعويل على وجود مدير-يراه-"غبي" كي يسلمه إدارة تويت وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل إعلام أخرى-مؤخراً- أن إيلون ماسك قام بتعيين"كلب" في منصب الرئيس التنفيذي لتويتر،وهو ماأكده حساب Skenews arabia على إنستقرام،والذي أورد أن ماسك كشف عبر حسابه بتويتر أنه نشر صوراً لكلب وأرفق بها تعليقات تقول:
الرئيس التنفيذي الجديد لتويتر رائع.. أفضل بكثير من ذالك الرجل الآخر! إنه ممتاز في التعامل مع الأرقام.
نافذة تسويقية
والملفت للنظر هو إصرار إيلون ماسك على إبرام صفقة الاستحواذ على تويتر، بالرغم من نجاحه الكبير في عالم البيزنس، إضافة إلى إصراره على أن يتصدر قمة الهرم الإداري للمنصة ويصبح رئيسها التنفيذي. وهو ما كشف عنه بعض الخبراء والمتخصصين أن السر ربما يكمن في أن ماسك يعوِّل على منصة تويتر في التسويق لأنشطته التجارية، وخاصة شركتي تسلا وسبيس إكس، إضافة إلى إدارة صورته والسمعة التنظيمية لهاتين الشركتين وأعماله وأنشطته التجارية الأخرى، وهو الاعتقاد الذي يدعمه أن ماسك لديه حوالي 83 مليون متابع على تويتر-بحسب ما ذكره بعض الخبراء لموقع العربية-ونظراً لنجاحه الكبير في إدارة شركاته الأخرى، فمن المتوقع أن يتدفق المزيد من المستخدمين إلى المنصة بعد نجاحه في إبرام صفقة الاستحواذ. كما يمكن أن يكون لشعبيته وحدها تأثير كبير في جذب المستخدمين والاحتفاظ بهم، حتى لو لم يقم بأي تغييرات. ولكن نظراً لأن ماسك تحدث بحماس عن تخفيف قيود المحتوى، فقد يصبح المستخدمون الحاليون أكثر تفاعلاً. وفي تقرير مهم لـ Euronews فإن ماسك اقتحم سوقًا ذا قوة ونفوذ كبيرين يمكن توظيفهما بشكل أكثر ربحية؛ لأن ماسك يريد التأثير على السوق لشركتيه المذكورتين، وهو ما يؤكد أن تويتر ستكون أداة تسويق مهمة لنشاطاته التجارية في عالم المال والأعمال.
حافة الإفلاس
ويبدو-أيضًا-أحد أبرز ملامح الاستراتيجيات الإدارية لماسك خلال الفترة الماضية منذ استحواذه على المنصة في نهاية أكتوبر الماضي وحتى أسابيع قليلة مضت، وهي انتهاجه أحد الأساليب التي ربما استعارها من عالم العلاقات والسياسات بين الدول، والمتمثلة فيما يعرف بـ"حافة الهاوية". فقد خرج ماسك على الجميع ليتفاجئوا بحديثه عن إفلاس شركة تويتر.
فقد تطرق موقع AGBI إلى ما أثاره إيلون ماسك عقب استحواذه على شركة تويتر من احتمال إفلاسها، وقال في أول مكالمة جماعية له مع موظفي تويتر: إنه لا يستطيع استبعاد الإفلاس، حسبما ذكرت بلومبرج نيوز، بعد أسبوعين من شرائها، وهي الصفقة التي يرى خبراء الائتمان أنها تركت الموارد المالية لتويتر في وضع محفوف بالمخاطر. كما حذر ماسك من أن تويتر لن يكون قادرًا على النجاة من الانكماش الاقتصادي القادم؛ إذا فشل في زيادة إيرادات الاشتراك لتعويض انخفاض دخل الإعلانات.
وفي ضوء ذلك؛ ذكر موقع CNBC نقلًا عن رويترز أن النشرة الإخبارية لمنصة Platformer أشارت إلى أن إيرادات تويتر اليومية انخفضت بنسبة 40% على أساس سنوي في يناير 2023م. كما توقف المئات من كبار المعلنين عن الإنفاق الإعلاني عبر تويتر؛ وبناء على ذلك قدرت إحدى الشركات أن هذا الانخفاض انعكس على إيرادات إعلانات تويتر بشكل حاد بلغت نسبته 70% في ديسمبر الماضي. وهو ما اعترف به ماسك من خلال تغريدة له في نوفمبر الماضي، والتي أشار فيها إلى أن الشركة عانت من "انخفاض هائل في الإيرادات"؛ بعد أن أوقف المعلنون الإنفاق مؤقتا على منصة التواصل الاجتماعي.
وبالرغم مما سبق، ففي نهاية العام الماضي (2022م) ادعى ماسك أن تويتر لم يعد على حافة الإفلاس، لكنه لا يزال في وضع غير آمن.
الأسرار السوداء
ونختتم هذا التقرير بتسليط الضوء على أحد أبرز ملامح إدارة إيلون ماسك لتويتر، والمتمثل في كشف تجاوزات الإدارة السابقة، قبل استحواذه على هذه المنصة، واتجاهه-ربما لترسيخ مبدأ حوكمتها-من منطلق تدشينه عصر إدارته للمنصة بترسيخ مبدأ الشفافية، حيث خصص حملة تويترية-إذا صح التعبير-لشن هجوم على هذه الإدارة لإبراز انحراف تويتر عن مسارها عبر عالم وملفات الأسرار السوداء-على حد تعبير ماسك نفسه-وعزمه الكشف عن خبايا كل ذلك، ولا سيما تورط الإدارة السابقة لتويتر في حجب، والحد من ظهور العديد من حسابات بعض المشاهير الذين لم يدعموا أجندة تويتر-في عهد الإدارة التي سبقت استحواذه-مثل د.جاي باتتشاريا من جامعة ستانفورد، والذي صرح بأن عمليات الإغلاق خلال جائحة كوفيد تؤذي الأطفال؛ فقام فريق تويتر بوضعه على قائمة "Trends Blacklist"  التي تمنع انتشار تغريداته. كذلك مقدم البرامج الأمريكي اليميني الشهير دان بونجينو الذي تعرض حسابه بالكامل للحظر من الظهور في نتائج بحث تويتر، إضافة إلى تشارلي كيرك الذي تم وضع حسابه على قائمة منع الانتشار.
وقد تجلى كشف ماسك عن أسرار هذه الملفات في تسريحه جيم بيكر نائب المستشار العام لتويتر في الإدارة السابقة، والذي كان يشغل منصب المستشار العام لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI وكان المسؤول عن نشر ملفات تويتر للعامة.



 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة