دراســــــة سعـــــوديـة توصــــي بالتدريــــــب المتخصــص للقــادة والموظفين لابتكار نمـــــــــاذج الأعمــــــــال

​​الابتكار هو فرس الرهان الذي تعتمد عليه المنظمات المختلفة، ولا سيما في القطاع العام؛ كي تحظى بميزات تنافسية بين غيرها، وترفع من جودة أدائها، وتتمكن من خلاله من تصميم وبناء نماذج أعمال على قدر كبير من الكفاءة والفاعلية، وإحداث تغييرات إبداعية وجوهرية للعناصر الرئيسية لهذه النماذج التي تربط هذه العناصر، وتؤدي في النهاية إلى خلق قيمة مضافة لها. وينظر الخبراء والأكاديميون لابتكار نماذج الأعمال كموضوع حديث نسبيًا، وذي علاقة وثيقة بكل من العمليات والإجراءات. كما أن نجاح تطبيقه من عدمه يتعلق بما يحيط بهذا الابتكار من ممكنات وتحديات، والتي أثارت انتباه واهتمام أ.د.جعفر بن أحمد العلوان الذي قرر أن يستكشفها عبر هذه الدراسة التي أجراها على القطاع العام، ونشرتها مجلة "الإدارة العامة" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي نستعرضها معكم في هذا العدد من مجلتكم "التنمية الإدارية".

ضغوط وحلول وتميز
تبرز أهمية ابتكار نماذج الأعمال للقطاع العام أكثر من غيره؛ نظرًا لكثرة الضغوط التي يواجهها، وبصفة خاصة الاقتصادية والاجتماعية، كزيادة الضغط على الإنفاق العام، وغيرها، والتي تفرض عليه زيادة الإنتاجية والجودة، إضافة إلى تحسين الكفاءة والفاعلية. لذلك فإن هناك حاجة إلى وجهات نظر ابتكارية ومختلفة، كتطوير مجموعة جديدة من هياكل التمويل وآليات الحوكمة والأشكال التنظيمية ومناهج المساءلة التي يمكن أن تدعم الوصول إلى حلول جديدة ومبتكرة لمعالجة القضايا المعقدة في هذا القطاع.
وقد أسهم ابتكار هذه النماذج في تغيير القواعد الأساسية للأعمال في الكثير من المنظمات التي تمكنت من خلال تطبيقها في تحقيق النجاح والتميز وخلق قيمة مضافة لها، كالأجهزة الحكومية الفنلندية، والعديد من الشركات في القطاع الخاص، مثل "بوينج"، و"IBM"، و"جنرال إلكتريك"، وجميعها-سواء الحكومية أو الخاصة-تميزت في ممارسة أعمالها.
اختلافات ومنافع
وتتناول الدراسة في إطارها النظري 3 نقاط مهمة. فتسلط الضوء في أولاها على الابتكار في القطاع العام، من خلال استعراض بعض تعريفاته، والتي يبرز منها بعدان رئيسيان للابتكار وهما: حداثة الأفكار، وتبنيها. ويؤكد د.جعفر العلوان أن هناك اختلافًا في تطبيق الابتكار بين كل من القطاعين العام والخاص؛ بسبب اختلاف الهيكل المؤسسي وأدوار كل منهما، فالربحية والتنافسية هما الدافع بالقطاع الخاص، بينما القدرة على حل المشكلات والمساهمة في تطوير الخدمات هي الدافع الأساسي بالقطاع العام. كذلك يستعرض الباحث المنافع المباشرة وغير المباشرة للابتكار في القطاع العام، فالمباشرة كإيجاد مصادر جديدة للإيرادات، وتقليل التكاليف، ونمو الإنتاجية للقطاع العام، ومثل ابتكار خدمات حكومية جديدة. أما غير المباشرة، فمثل التأثير الإيجابي على كل مَن يعتمد على القطاع العام، كالقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي، والمواطنين.
وتدور النقطة الثانية من الإطار النظري حول ماهية نماذج الأعمال وأهميتها، حيث يتم ربط هذا المصطلح-غالبًا-بإدارة التقنية والابتكار والأعمال الإلكترونية والاستراتيجيات، وعلاقتها بكل من: خلق القيم، والميزة التنافسية، وأداء المنظمات. بينما تتطرق النقطة الثالثة إلى ابتكار نماذج الأعمال في القطاع العام، وهو ما سبق الإشارة إليه.
3 ممكنات ونوعان من التحديات
وقد توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج، فقد تم تصنيف ممكنات نماذج الأعمال في القطاع العام إلى 3 محاور كالتالي: أولها الممكنات الاستشرافية، والتي من بينها القدرات الديناميكية، والحساسية الاستراتيجية، والتعلم الذاتي. والمحور الثاني هو ممكنات التحول الرقمي، والتي ينتمي إليها القيادة الرقمية، والكفاءات الابتكارية، والبنى التحتية، والمواءمة الابتكارية. أما المحور الثالث فهو الممكنات التنظيمية، وتتضمن التزام ودعم الإدارة العليا، والموارد والتمويل، والمشاركة، والهيكل التنظيمي.
كما خلصت الدراسة في نتائجها إلى تصنيف تحديات ابتكار تلك النماذج إلى نوعين: أولهما التحديات ذات العلاقة بالوظائف الاستشرافية، كاتصافها بأنها عمل غير مؤسسي، ومحدودية القدرات الاستشرافية للقياديين، وقلة الوعي بهذه الوظائف، وضعف التدريب المتعلق بالاستشراف والمقدم للموظفين. أما النوع الثاني من التحديات فهي المتعلقة بنماذج الأعمال، مثل التعقيد، والمنطق السائد في المنظمة، وإدارة الشركاء، وإدارة منهج التنفيذ.
التدريب للقادة والموظفين
وفي ضوء نتائج الدراسة؛ يوصي الباحث بأنه لا يُنصح بتوفير ممكنات ابتكار نماذج الأعمال أو معالجة تحدياتها بشكل منفرد، بل العمل عليها ضمن منظومة واحدة، من خلال عدة طرق، كأن تتضمن الخطة الاستراتيجية للمنظمة العمل على بناء ثقافة تنظيمية داعمة. كذلك العمل على دعم الفكر الاستشرافي والسياسة المنفتحة مع الشركاء والتفكير خارج الصندوق. كما ينبغي رفع الكفاءات الابتكارية وبالأخص القدرات الاستشرافية للقادة والموظفين من خلال التدريب المتخصص واستقطاب الخبراء في هذا المجال؛ إن لزم الأمر.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة