هل تغير العالم؟ .. شركات تغري للعمل من المكاتب والموظفين يرفضون

​تبذل -حالياً -بعض أكبر المنظمات والشركات الدولية جهودا كبيرة من أجل عودة الموظفين للعمل من المكاتب التي أصبحت مهجورة بعد انتهاء جائحة كورونا، ويعتقد كثير من المدراء أن الظروف أصبحت الآن أقرب ما يكون إلى فترة ما قبل الجائحة ولابد من عودة الحياة إلى العمل من المكاتب من جديد في حين يفضل كثير من الموظفين العمل من المنزل، وأمام هذه الإشكالية يتخذ بعض أصحاب العمل نهجا أكثر صرامة بضرورة العودة للعمل التقليدي في حين يرى آخرون الاستمرار في العمل عن بعد.

إجهاد عمل الخير
ووفقا لمدير إحدى وكالات التوظيف التنفيذيين، يعاني قادة المنظمات من ظاهرة "إجهاد عمل الخير"، كرد فعل، على التركيز الكبير على رفاهية الموظفين أثناء الجائحة، والشعور السائد بالحاجة للعودة إلى العمل من المكاتب. والتخوف من أن يؤدي هذا التوجه إلى مواجهات مع الموظفين الذين اعتادوا على العمل عن بعد، وأصبح لديهم رغبة مختلفة حول التوازن بين العمل والحياة، ويقارنون بين تكاليف العودة إلى المكتب مع ارتفاع التضخم والغلاء والعمل من المنزل.
تنظيم العمل
تقول آن فرانك، المديرة التنفيذية لمعهد تشارترد للإدارة في المملكة المتحدة: "يرغب الناس في القدوم إلى المدن الكبرى لمخالطة المجتمع، ورؤية الأصدقاء والذهاب إلى المناسبات الثقافية أما عندما يتعلق الأمر بالعمل، فيرى الكثير منهم أنهم يمكنهم العمل بشكل أفضل من المنزل فلقد أجبرت الجائحة الناس على التساؤل، هل نحتاج حقا إلى تنظيم العمل بهذه الطريقة؟ وهذا ما يزعج الرؤساء التنفيذيين حالياً".
نفقات التنقل
ومن جانبه يقول  إنريكي لوريس، الرئيس التنفيذي لشركة إتش بي:"العمل الهجين موجود ليبقى، ولقد تضرر الانتعاش المتوقع في الإيرادات بسبب العودة البطيئة إلى أماكن العمل، وبدأت العودة للمكاتب بنسبة 80% فقط من حجمها قبل الجائحة، ولا أعلم عن أي شركة قررت أو أقنعت موظفيها، بأن عليهم أن يعودوا إلى العمل من المكتب، وبالنسبة إلى بعض الموظفين والموظفات ذوي الأجور الأقل فإن ضغوط العودة تتضمن الآن أيضا مشكلات تكلفة المعيشة بدءا من فواتير الطاقة المرتفعة إذا ظلوا في المنزل إلى نفقات التنقل من المكتب وحضانة الأطفال".
رفض العودة إلى المكتب
وكشفت شبكة بلايند للنشر البريطانية تغريدات سلبية حول ما يتردد عن رفض بعض الموظفين العودة إلى العمل في المكاتب، حيث كتب أحدهم:"يجبروننا على التنقل ألا ينبغي أن يعوضونا عن هذه التكاليف؟". وتساءل شخص آخر عن شرعية تفويضات فرض العمل من المكتب، مغرداً:"ماذا سيحدث إذا رفضت العودة إلى المكتب؟".
وجهاً لوجه
وفي ذات السياق شدد بعض الرؤساء التنفيذيين في أمريكا وأوروبا على أهمية التفاعل وجها لوجه بالنسبة إلى العمل الجماعي، وثقافة الشركة وتدريب الموظفين المبتدئين، عن ذلك يقول ستيفان شول، الرئيس التنفيذي لشركة ألايت سولوشنز، مزودة خدمات وتكنولوجيا:" كنت مترددا في جعل أيام العمل في المكتب إلزامية، إذا طلبت العمل لثلاثة أيام في الأسبوع، فعليك أن تكون قادرا على شرح السبب للموظفين؟". 
لا توجد طريقة واحدة صحيحة 
أما إيثان بيرنشتاين، خبير السلوك التنظيمي في كلية هارفارد للأعمال "لا توجد طريقة واحدة صحيحة للعمل فعندما كان على الجميع العمل من المنزل بدوام كامل، كان الأمر سهلا على المديرين، حيث لم يكن هناك خيار آخر، ولقد ثبت أن نموذج العمل الهجين أكثر صعوبة بسبب الطرق اللانهائية التي يمكن أن يتم العمل بها. ويضيف "هذه لحظة مهمة، نعم، في محاولة تحديد ما تعنيه كلمة العمل الهجين، ومع ذلك، نظرا إلى وجود قليل من البيانات لمساعدة الشركات على رسم طريق، فإن هذا غالباً يعني أن تفضيلات بعض كبار الموظفين هي من ستقود سلوك الشركة نحو طريقة العمل".
التواصل البشري
وتقول أماندا كوسدين، كبيرة مسؤولي الموظفين في مجموعة البرمجيات سايج، "إن التواصل البشري لا يزال هو الأمر الأكثر أهمية في كثير من أماكن العمل، ولا سيما بالنسبة إلى الألفي شخص الذين وظفتهم الشركة أثناء عمليات الإغلاق والذين يرغبون في بناء علاقات لذا قررت الشركة اعتماد نموذج عمل هجين، حيث يحدد كل فريق الأيام التي يقضونها في المكتب، ويكون الموظفون متأكدين بشكل عام بأنهم ليسوا مضطرين إلى العمل خمسة أيام في الأسبوع في المكتب، وفي الوقت نفسه لا أحد يريد العودة إلى مبنى فارغ، لذلك نحن بحاجة إلى وجود عدد كبير من الموظفين، وتضيف قدمنا مغريات لنقل الموظفين بالسيارات، ودعما شهريا للتنقل بقيمة 200 دولار لإقناعهم بالحضور خلال أيام العمل الثلاثة المطلوبة في الأسبوع، ووفرنا وجبات إفطار مجانية، وساعة ترفيهية مرة واحدة في الشهر، وتشجيعهم على إحضار حيواناتهم الأليفة إلى العمل".
سبل العيش الجديدة
لكن على الرغم من الضغط المتزايد من بعض مدراء الشركات وأصحاب الاعمال يبدو أن كثيرا من موظفي المكاتب لا يرغبون في التخلي عن سبل العيش الجديدة التي يستمتعون بها بشكل كبير إذ انهم يتواجدون مع عائلاتهم، وقللوا من ساعات التنقل، ووجدوا حريات جديدة في العمل، والابتعاد عن مواجهة المدراء. 
العمل من المنزل
ويشير استطلاع جديد أجرته مؤسسة جالوب إلى أن 22% فقط من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع، والذين يمكنهم العمل عن بعد يعملون حاليا في المكاتب معظم أيام الأسبوع، وأكثر من 90% ليس لديهم رغبة في العودة إلى العمل في المكتب بدوام كامل، وما يثير الدهشة أن النسبة المئوية للموجودين حاليا في المكتب والذين يرغبون في العمل من المنزل بشكل حصري قد تضاعفت.
تغير العالم
يقول خبراء الادارة إن إجبار الأشخاص على العودة للعمل من المكتب غير مثمر، فلقد تغير العالم، وعلى الشركات أن تتكيف إذا كانت تسعى للاحتفاظ بالمواهب في سوق العمل الضيقة، والموظفون اعتادوا على الأعمال المرنة وسيستاؤون منك لإخبارهم بأنه ينبغي لهم أن يعملوا من المكتب".


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة