الإعلام الرقمي.. القوة الناعمة في الصراعات


تعني القوّة الناعمة بصورة عامة الأثر الذي يحققه التوظيف الذكي للمقدّرات (الإمكانات) الوطنيّة بجانبيها المعنوي والفكري في تعزيز الروح الوطنيّة والتأثير الإيجابي في الأصدقاء والخصوم، والقوّة الناعمة هي أحد أنشطة ما يمكن تسميته بالدبلوماسيّة الرشيقة في تسويق الصورة الوطنيّة وإدارة الأزمات بكفاءة، وبناء عليه فمن المهم هنا إدراك حقيقة أن الأساس في القوّة الناعمة ليس الصراع وإنّما "الاتصال" عبر قيام العقول اللامعة بتوظيف مهارات ومعارف تسويق ودعم الصورة الوطنيّة الإيجابيّة (النموذج) من خلال إبراز المنجزات المتفردة، وإظهار النماذج المرتكزة على المبادرات الاستثنائيّة في المجالات العلميّة والثقافيّة والاقتصاديّة. ويقوم الاتصال الرقمي هنا بدور مهم ليس فقط وقت الأزمات بل وقبل ذلك من خلال تصحيح التصوّر القديم المشوّش الناجم عن تأثير وقوّة الإعلام التقليدي في مراحل تاريخيّة سابقة اتّسمت فيها الجماهير (العربيّة) بارتفاع مستوى الأميّة وانخفاض الوعي العام فضلاً عن غياب الوسائط المعلوماتيّة والإعلاميّة البديلة.

وتأسيسا على ذلك فإن كثيرين من مسؤولي الحملات الإعلامية يخطئون في تقييم تأثير أدوات إدارة "الصراع" حين يوظفون الإعلام الرقمي ضمن القوّة الناعمة سواء في جهة التضخيم أو التهوين من دور الوسائط الرقمية الحديثة أو حساب الأثر الممتد لوسائط لا يمكن السيطرة على دوائر انتشارها، ومن هنا لعل من الأولى دراسة خصائص الجماهير المستهدفة وتقييم الوسائل والوسائط المناسبة وفق حسابات تتجاوز الانطباعات إلى البحث والتقصي والمتابعة.

ومن ذلك رصد أثر مظاهر المتغيرات الجديدة في الظاهرة الاتصالية، وأبرزها أن الدولة الوطنيّة في حدودها الجغرافيّة اليوم لم تعد وحدها من يخاطب قلوب وعقول مواطنيها مع الضخ اليومي للأخبار والآراء والمعارف عبر شبكات التلفزة والتواصل العالميّة، ولا ننسى أيضا دور تحرّر هذه الوسائط الدولية من القيود وبالتالي قدرتها على التوظيف الذكي للمطالب الجماهيرية والشعارات الشعبوية الجاذبة للعقول والقلوب. وعلى هذا المنهج فمن الخطأ الاستمرار في إدارة مفاعيل القوّة الناعمة بمفاهيم (وزمن) القوّة التقليديّة وتوقع التأثير الجماهيري الفوري والمباشر، وعليه ولتحقيق فعالية أكبر ربما ينبغي اعتماد منهج الكفاية الشاملة في تشكيل وبناء عناصر إدارة ورصد الحملات الرقمية حيث لا مجال هنا للمجاملة، ويشمل ذلك بناء فلسفة إدارية جديدة تضمن عدم ارتهان القائمين على الحملات الذكية للأداء الوظيفي النمطي، إن القوّة الناعمة باختصار هي "حرب إبداعيّة" يكون فيها الكرّ والفرّ على مدار ثواني الساعة أمام العالم كلّه، وبالتالي لا يمكن تحقيق أي نجاح عبر تدوير خطاب إعلامي نمطي لا يقرّ بخطأ ولا يقدّم حلولا ولا يؤثّر.

القوة الناعمة سلاح فعّال لمن يفكّر في قضاياه محليّا ويعبّر عنها عالميّا.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة