حماية الأفكار الإبداعية

​​​

الأفكار الإبداعية تُحيط بحياتنا من كل جانب؛ فالمبدعون استطاعوا أن يُسهموا في تحقيق رفاهية العالم من خلال صور عديدة لا مجال لحصرها، مثل الهواتف الذكية التي من خلالها أصبحنا ننجز معاملاتنا المالية والقانونية والاجتماعية باللمس، كما وصلنا لمرحلة التخزين السحابي، حيث تستطيع تخزين ملفاتك في خوادم بدلاً من الاحتفاظ بها على محركات أقراص، وكذلك التكنولوجيا المرتبطة بالسيارات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تكوينها في وقتنا الحاضر، فالخرائط والقيادة الذاتية والتنبيه عند القرب من الاصطدام أصبحوا من المسلّمات في تصميم غالبية المركبات؛ ويعود الفضل في ذلك إلى أفكار المبدعين الذين يحتاجون إلى أنظمة تحميهم وتدفعهم إلى الاستمرار في الابتكارات إلى مستويات متقدمة، وتعرف هذه الأنظمة التي تحمي المبدعين وأفكارهم الإبداعية بأنظمة الملكية الفكرية التي توازن بين حماية المبتكر من جهة والمجتمع من جهة أخرى. فهناك أنظمة تحمي المخترع، تتمثل في نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية، وهناك نظام يحمي المؤلف يتمثل في نظام حماية حقوق المؤلف، كالمبرمج والشاعر والرسام والملحن والمؤدي وغيرهم على النطاق المحلي والإقليمي. 
وتُعرف الملكية الفكرية كمصطلح قانوني على أنها كل ما ينتجه أو يصدره العقل البشري من أفكار إبداعية، يتم ترجمتها إلى أشياء محسوسة، أي أن الفكرة الإبداعية المجرّدة لا تُحمىَ طالما أنها لم تترجم إلى واقع ملموس أو قالب معين. وتنقسم الملكية الفكرية إلى فرعين هما: الملكية الأدبية التي يتفرع منها: حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لحقوق المؤلف، والملكية الصناعية التي يتفرع منها: براءات الاختراع، والعلامات التجارية، والنماذج الصناعية، والبراءات النباتية والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة، ولمالك حق الملكية الفكرية مكنّة الاستئثار بالحقوق الأدبية والحقوق المالية التي ترد على الحق محل الملكية الفكرية.
أهمية حمايتها
ولحماية الملكية الفكرية أهمية على مستوى المجتمع وعلى مستوى المبتكر؛ فبالنسبة للمبتكر تعد الحماية بمثابة الحافز الرئيس وخط الدفاع الأول الذي سيحميه من أي اعتداء قد يطرأ على ملكيته الفكرية، فبمجرد أن تتحقق أسباب الملكية النظامية للمبتكر، كالتسجيل في حالة العلامات التجارية وبراءات الاختراع؛ فقد استحق بذلك الحماية الكاملة لابتكاره في حدود النظام. وبالنسبة للمجتمع فهو يتمتع بكل ما توصل إليه المبدعون من ابتكارات حديثة في شتى أنواع العلوم والفنون. كما أن الحقوق المالية للملكية الفكرية ليست دائمة، فقد حدد النظام مددًا معينة للحقوق المالية يستأثر بها مالك الحق، وبعد انقضائها يستطيع المجتمع مشاركته في هذا الحق المالي.
اهتمام المملكة
إن المطّلع على الأنظمة التشريعية في المملكة العربية السعودية يُدرك أن المملكة منذ تأسيسها أولت الاهتمام بحماية الحقوق الاستثمارية والتجارية من خلال سن التشريعات المنظمة لها. وتعتبر حماية وسن التشريعات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية بفروعها المختلفة بمثابة اعتراف صريح من المنظم بأن حماية حقوق الملكية الفكرية تُعد جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الاستثمارية والتجارية؛ فنجد أن نظام (العلامات الفارقة) وهو ما يُعرف بنظام العلامات التجارية في يومنا الحاضر قد صدر في عام 1358هـ 1939م، أي قبل أكثر من 82 عاماً، ولم تقف المملكة عند ذلك الاعتراف المبكّر بحقوق الملكية الفكرية، بل أصدرت وطوّرت أنظمة حماية حقوق المؤلف وبراءات الاختراع والنماذج الصناعية والدارات المتكاملة وصولاً إلى النظام الخليجي الموحد للعلامات التجارية؛ بهدف مواكبة الأسس والقواعد التجارية العالمية التي تحمي المبتكر من جهة والمجتمع من جهة أخرى. 
وامتدادًا لحرص المملكة العربية السعودية المستمر على خلق بيئة استثمارية جاذبة وفقاً لرؤية 2030؛ فقد أنشأت عام 2018م هيئة سعودية يدخل في اختصاصها كل ما يتعلق بشؤون حقوق الملكية الفكرية، وهي الهيئة السعودية للملكية الفكرية، والتي ترتكز غايتها على جمع حقوق الملكية الفكرية تحت سقف واحد؛ ليسهل ذلك على المختص أو المستفيد أن يتعامل مع هيئة واحدة متكاملة للملكية الفكرية، بدلا من المعمول به في السابق من وجود أكثر من جهة تعنى بحقوق الملكية الفكرية. ترتكز رؤية الهيئة على عدة ركائز، أولًا: تكوين هيئة وطنية متكاملة للملكية الفكرية، وثانياً: إيجاد مركز رئيس للملكية الفكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول 2030، وثالثًا: إيجاد منظومة ملكية فكرية معترف بها دولياً، ثم أخيراً، التأكيد أن الاحترام الوطني للملكية الفكرية. 
إن المتمعن في رؤية الهيئة يجد أن دور الفرد في المملكة العربية السعودية في المساهمة بخلق البيئة الاستثمارية الجاذبة التي تصبو إليها المملكة في رحلة رؤية 2030 هو دور محوري ومهم في هذه المرحلة، من خلال احترام الملكية الفكرية وعدم التعدي عليها بكافة الأوجه، فالهيئة السعودية للملكية الفكرية تسعى من خلال ذلك إلى حماية المبدع والمستثمر والمختص على حد سواء؛ مما يؤكد على أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية، وضرورة زيادة وعي الفرد في المملكة باحترام هذه الحقوق، والتي ستؤتي ثمارها في القريب العاجل في النواحي التنموية والاستثمارية والمجتمعية في المملكة.
فالدور التكاملي في مسائل حماية الملكية الفكرية وزيادة وعي الأفراد التي تقوم بها الهيئة السعودية للملكية الفكرية؛ ستؤتي ثمارها في القريب العاجل على كافة الأصعدة التنموية والاستثمارية والمجتمعية في المملكة، بإذن الله.


​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة