تكتيك «حبة السم» لمواجهة الاستحواذ العدائي في عالم الأعمال

​​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد​

يتردد بين حين وآخر في عالمي المال والأعمال، والإعلام تداول ما يعرف بـ"حبة السم"، والتي هي عبارة عن تكتيك أو مناورة دفاعية تلجأ إليها بعض الشركات لمواجهة عمليات الاستحواذ العدائي (غير الودي) الذي قد يحدث دون موافقة مجالس إداراتها، وأول من ابتكر هذا التكتيك خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي هو المحامي "مارتن ليبتون"، الشريك المؤسس لشركات: "Wachtell"، و"Lipton"، و"Rosen & Katz"، كما يطلق على هذا التكتيك أو المناورة-أيضًا-"خطة حقوق المساهمين". وذلك بإغراق السوق بأسهم الشركة المستهدفة من خلال تخفيض قيمتها السوقية؛ مما يجعلها متاحة للشراء لأي مشترٍ، ما عدا الشخص المستهدف (المستثمر) من تطبيق هذا التكتيك؛ بحيث تبدو الشركة أقل إغراءً للمستثمر المستهدف الذي ينوي الاستحواذ عليها. وهو ما تابعناه جميعًا خلال الأسابيع القليلة الماضية في السجال الذي تفجرت أحداثه بين الملياردير الأمريكي المشهور "إيلون ماسك" من جهة، وبين شركة "تويتر" من جهة أخرى. وإليكم التفاصيل.

صراع "ماسك" وشركة "تويتر"
أثارت تغريدة كتبها "ماسك"-صاحب شركتي "تسلا" و"سبيس إكس"-على حسابه في "تويتر"، في شكل استطلاع رأي، التفاعل حولها بإجمالي يقترب من 3 ملايين صوت بين متابعيه، حيث طرح "ماسك" يوم 14 أبريل الماضي رأيًا مفاده أن تحديد سعر سهم شركة "تويتر" بقيمة 54.20 دولارًا هو أمر خاص بالمساهمين وليس بمجلس الإدارة. وهو الرأي الذي حظي بالتأييد بنسبة 83.5%، مقابل 16.5% عارضوه. وقد لفتت هذه التغريدة أنظار العالم لحرب يخوضها هذا الملياردير للاستحواذ على شركة "تويتر" التي أعلن مجلس إدارتها أنه غير مهتم بعرض "ماسك" لشرائها والاستحواذ غير الودي عليها، بل وتبنى المجلس تكتيكًا دفاعيًا لإحباط هذا العرض؛ إذ في اليوم التالي، وتحديدًا في 15 أبريل ذاته، ذكر مجلس الإدارة أنه تبنى خطة حقوق المساهمين، أو ما يطلق عليه في عالم المال والأعمال "حبة السم" للحيلولة دون هذا الاستحواذ، سواء كان لصالح "ماسك" أو غيره.
وتجدر الإشارة إلى أن الحصة التي كان يمتلكها "ماسك" من إجمالي أسهم "تويتر" تبلغ نحو 9%. كذلك فإن تحديد هذا السعر بهذه القيمة من شأنه تقدير قيمة الشركة بحوالي 41 مليار دولار، وذلك بنسبة زيادة تبلغ 38% عما كان عليه سعر إغلاق قيمة السهم في اليوم الثالث من بداية الشهر المذكور.
لصالح "ماسك"
وبالرغم من كل الجولات السريعة والخاطفة التي شهدها هذا الصراع؛ فقد أورد موقع "CNBC عربية" أن صفقة الاستحواذ انتهت لصالح "ماسك" بقيمة 44 مليار دولار، بعد أن وافق مجلس إدارة "تويتر" على عرض الاستحواذ لشراء شركة التواصل الاجتماعي وجعلها خاصة. وقد قال "ماسك" في بيان: "حرية التعبير هي حجر الأساس لديمقراطية فاعلة، وموقع "تويتر" هو ساحة المدينة الرقمية حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية، أريد أيضًا أن أجعل "تويتر" أفضل من أي وقت مضى من خلال تحسين الأدوات بميزات جديدة، وهزيمة الروبوتات العشوائية؛ إذ يتمتع الموقع بإمكانيات هائلة وأتطلع إلى العمل مع الشركة ومجتمع المستخدمين".
كذلك أعلنت شركة "تويتر" أنها دخلت في اتفاقية نهائية ليتم الاستحواذ عليها من قبل "إيلون ماسك"، مقابل 54.20 دولارًا أميركيًا للسهم الواحد نقدًا في صفقة تقدر قيمتها بنحو 44 مليار دولار. والجدير بالذكر أنه بموجب شروط الصفقة، سيحصل المساهمون على هذه القيمة المحددة للسهم نقدًا، لكل سهم من الأسهم العادية التي يمتلكونها عند إغلاق الصفقة، ويمثل سعر الشراء زيادة بنسبة 38% على سعر إغلاق سهم "تويتر" في أول أبريل 2022، والذي كان آخر يوم تداول قبل أن يكشف "ماسك" عن حصته البالغة 9%. وقد قال "بريت تايلور"، رئيس مجلس إدارة "تويتر": "أجرى مجلس الإدارة عملية مدروسة وشاملة لتقييم اقتراح "ماسك" مع التركيز على القيمة والتمويل؛ حيث توفر الصفقة المقترحة علاوة نقدية كبيرة، ونعتقد أنها أفضل مسار للمضي قدمًا للمساهمين".
"نتفليكس"
أما المثال الثاني الذي استخدم التكتيك نفسه، فقد كان خلال العقد الماضي من القرن الحالي، وهي "نتفليكس"، وتحديدًا عام 2012م-بحسب ما يذكره الموقع الإلكترووني لشبكة "CNN"-لمنع "كارل إيكاهن" من الاستحواذ على أسهمها. إذ أنه في حالة استحواذ مستثمر على 10% أو أكثر من أسهم الشركة أو 20% في حالة المستثمرين المؤسسيين، مثل "إيكاهن" الذي كان يسيطر ويمتلك وقتها حصة تبلغ قيمتها 9.98% من الأسهم، وذلك بغير موافقة مجلس إدارتها. وقد هاجم "إيكاهن" مجلس إدارة "نتفليكس" واصفًا هذا التكتيك "حبة السم" بأن استخدامه بدون تصويت حملة الأسهم يعد مثالًا سيئًا على تدني حوكمتها، وأن تحديد حصة الاستحواذ بـ 10% تبدو منخفضة بشكل ملحوظ ومسلك تمييزي وأمر مقلق، وتوحي بأن مجلس الإدارة يفرض نفوذه وسطوته على المساهمين بشكل عام؛ وهو ما نفته "نتفليكس" بقولها إن خطة حقوق المساهمين الجديدة لم يتم تصميمها أو وضعها لمنع أي حالات استحواذ ودي في المستقبل، ولا سيما في ضوء أن الشركة ربما يُنظر لها على أنها هدف استحواذ محتمل لشركة تقنية كبيرة، وفي ظل تقرير أرباح سيئ.
"بابا جونز"
أما المثال الثالث الذي انتهج تكتيك "حبة السم"؛ فإنه طبقًا لما أورده موقع "The New York Times" الأمريكية-حينئذ (عام 2018م)-يتمثل في شركة "بابا جونز" والتي كان يترأس مجلس إدارتها السيد "شناتر" الذي استقال من منصبه؛ عقب ثبوت اتهامه باستخدام لفظ عنصري يتعلق بالسود، وكان يمتلك حصة تُقدَّر بنسبة 30% من أسهم الشركة مما يجعله أكبر مساهم فيها. وبشكل أو بآخر توترت علاقة "شناتر" بمجلس إدارة الشركة الذي كان ما يزال عضوًا فيه؛ فطُلب منه عدم التحدث علنًا عن العمل.
وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة "Los Angeles Times" أن "بابا جونز" تبنت خطة محددة المدة بشأن حقوق المساهمين، أو ما تعرف بـ"حبة السم"؛ وذلك للتصدي لحالات امتلاك أي مستثمر حصة تقدر بنسبة 15% أو أكثر من أسهم الشركة دون موافقة مجلس إدارتها، حيث فقدت هذه الأسهم ما يقرب من 40% من قيمتها خلال عام 2017م، وبلغت قيمة السهم حوالي 46.56 دولارًا أي أن الانخفاض كان بنسبة 9.7%.



 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة