«الإنيموري» يكسر «تابوهات» ومفاهيم الإدارة التقليدية

​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

هل تخيلت يومًا أنك لو غفوت أو طلبت من مديرك أن تأخذ قسطًا من النوم على سبيل القيلولة خلال ساعات العمل وفي مكان عملك، ماذا سيكون رد فعله؟ ربما لن تتبادر هذه الفكرة التي لا تحمد عقباها إلى تفكيرك؛ لأن النوم-بحسب الإدارة التقليدية-دليل على الإهمال الجسيم لدى الموظفين؛ بالرغم من أنه على النقيض من ذلك في اليابان وفق مفاهيمهم الإدارية العصرية التي تؤكد أن ذلك أمر جدير بالاحترام ودليل على تفانيهم في أعمالهم، كما أنه يجدد من نشاطهم ويرفع معدلات أدائهم. وقد كان العديد من المشاهير يأخذون قسطًا من النوم أثناء عملهم، مثل ونستون تشرشل، وروزفلت، ومارغريت تاتشر، وسلفادور دالي، وأرسطو. لقد سمحت العديد من الشركات في الولايات المتحدة ودول أوربية واليابان والصين وغيرها لموظفيها-بل وشجعتهم-كي يتمتعوا بقيلولة وبالنوم خلال ساعات وفي أماكن العمل. وهي الظاهرة التي نتناولها في هذا التقرير.

أوقات تتداخل مع فترة النوم العادية؛ مما يؤدي-أحيانًا-إلى اضطرابات النوم، مثل اضطراب العمل بنظام النوبات.
خسائر كارثية
وإذا أردنا أن نوضح مبررات العديد من أرباب العمل لتبني وجهة نظر حصول الموظفين على هذا القسط من النوم في أوقات وأماكن أعمالهم؛ فإنه بمنطق المقابلة يجب أن نوضح خسائر وآثار قلة نومهم. إذ يلفت "نيوسم" إلى الآثار الكارثية لقلة نوم الموظفين وتأثيراتها السلبية على أداء الموظفين، إذ يمكن أن تؤدي إلى حوادث وكوارث ومآسي، مثلما حدث في كارثة انفجار المفاعل النووي "تشيرنوبل"، وحادثة التسرب النفطي من شركة "إكسون فالديرز"، ومأساة تحطم وانفجار مكوك الفضاء "تشالنجر". كذلك يتطرق "روب نيوسم" إلى الآثار الاقتصادية السلبية لقلة نوم الموظفين بسبب إجهادهم، مبينًا أنه يكلف أصحاب العمل مليارات الدولارات سنويًا. فتشير التقديرات إلى أن ذلك الأمر يتسبب في انخفاض إنتاجيتهم، إضافة إلى إرهاقهم وما يسببه من تكاليف الرعاية الصحية تقدر بحوالي 1967 دولارًا سنويًا لكل 12 موظفًا، وأنه بصفة عامة فإن تعب الموظفين وقلة نومهم تكلف الشركات الأمريكية حوالي 136,4 مليار دولار سنويًا.
السلامة في بيئة العمل
وفي ضوء ذلك، يتضح لجوء بعض الشركات والمؤسسات للسماح لموظفيها بأخذ قسط من النوم خلال ساعات وفي أماكن العمل؛ بهدف الحفاظ على السلامة في بيئة العمل، وهو الأمر المهم الذي يشدد عليه موقع "Advanced Consulting&Training LTD." من خلال طرح التساؤل التالي: ما هي بعض الأشياء التي يمكن للمديرين القيام بها لتشجيع النوم الجيد وتحسين السلامة في مكان العمل؟ وهو ما يجيب عليه عبر نصيحتين هما:
  تأكد أولاً من إبلاغ موظفيك بالحاجة إلى النوم الجيد والعادات الصحية الأخرى في كل فرصة عملية، مثل اجتماعات السلامة وجلسات التدريب على السلامة. يعد التدريب مكونًا أساسيًا في جميع برامج السلامة ويجب تضمين الإرشادات المهمة بشأن النوم الصحي في خطة الصحة والسلامة العامة.
 من الضروري التأكد من أن الإدارة ليست جزءًا من المشكلة، فمن المهم الإجابة على السؤالين التاليين: هل هناك طلبات عمل إضافي ممتدة على الموظفين يمكن حلها بشكل أفضل مع موظفين جدد أو مؤقتين؟ وهل يتناوب العمال بشكل متكرر في نوبات النهار والليل؟ فالتغييرات الدورية على أساس متكرر تسبب اضطرابًا مستمرًا في إيقاع الساعة البيولوجية للشخص. من خلال الاضطرار المستمر للتبديل بين النوم أثناء النهار، والنوم ليلًا، غالبًا ما يصبح عمال المناوبة من النوم الخفيف ويحصلون على متوسط 2-3 ساعات نوم أقل راحة.
التجربة اليابانية
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة النوم خلال ساعات العمل وفي أماكنه لا تقتصر على الدول الغربية فقط، بل سبقتها إليها اليابان وعدد من دول جنوب شرق آسيا التي عانت من آثارها، والتي لفت إليها موقع صحيفة "الجزيرة" منذ 7 سنوات بعنوان: "النوم أثناء العمل يجدد نشاط اليابانيين المحرومين منه"، حيث أشار إلى أنه وبحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية، تبيّن أن اليابانيين هم الأشخاص الذين يحصلون على أقل قسط من النوم في أيام العمل بواقع 6 ساعات و22 دقيقة في المتوسط بين كل الدول التي شملها الاستطلاع وبينها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وكندا والمكسيك. ومن أجل تجديد نشاطهم وتحسين جودة عملهم؛ يلجأ اليابانيون إلى وسيلة ليست مقبولة إلى حد كبير في الغرب وهي النوم أثناء العمل. ولتعزيز الصحة وتقليل التوتر وزيادة الانتباه؛ تنصح وزارة الصحة اليابانية بأخذ قيلولة مبكرة بعد الظهر لمدة 30 دقيقة. وقد لاقت هذه الدعوة استجابة من الشركات، ففي عام 2012م بدأت شركة "أوكوتا كوربوريشن" لتجديد المنازل وتقع بالقرب من طوكيو، السماح لموظفيها البالغين نحو 300 موظف بأخذ قيلولة لمدة 15 دقيقة لمرة واحدة في اليوم، وتسمح شركات أخرى أيضاً بأن يحصل موظفوها على قيلولة على مكاتبهم أو في الكافيتريا خلال استراحة الغداء، غير أنه من المهم اتباع قواعد السلوك الملائمة وهو ما يعني عدم الشخير أو وضع القدم على المكتب.
الموظفون النائمون المحترمون
ويبرز موقع "الجزيرة" جانبًا طريفًا في هذه الظاهرة الجادة يتعلق بالموظفين اليابانيين، وهو أن الشركات في اليابان قامت بتجهيز مساحات مخصصة تسمح للموظفين بالنوم خلال ساعات العمل، بعدما تبين أنهم يفضّلون النوم في مكاتبهم على الأماكن الطبيعية المخصصة لذلك، فيما يعرف لدى اليابانيين بـ"إنيموري". ويعتقد البعض أن أخذ غفوة على المكتب أمر جدير بالاحترام أو يمكن غفرانه على الأقل؛ لأنه يدلّ على العمل الشاق وساعات العمل الطويلة.
وعلى صعيد متصل، فإن شركة "نيشيكاوا" لصناعة الفراش صمّمت مجموعة من الوسائد من أجل الأشخاص الذين يغفون على المكتب، وأن هذه الوسائد صممت لتجنب ظهور علامات النوم على الوجه، فيما يضم بعضها ثقبا لتجنّب إفساد المكياج. ومن جهة أخرى، افتتح فرع "نستله" في اليابان "مقهى نسكافيه للنوم" في طوكيو، حيث يشرب العملاء القهوة ويغفون داخل غرفة مظلمة على أصوات المياه المتدفقة، نظرًا لأن الكافيين يستغرق نصف ساعة تقريبا ليعطي مفعوله. وتهدف الفكرة إلى التمتّع بقيلولة مفيدة والاستيقاظ بكلّ نشاط. وقال العاملون في المقهى إن هذه الفكرة تلقى رواجًا كبيرًا، وأكدوا أن أغلب عملائهم من الموظّفين الذين يأتون للتمتع براحة سريعة بعيدًا عن المكتب. كذلك قررت شركة خدمات الإنترنت في طوكيو "جي آم أو إنترنت" على نحو مماثل تعزيز فكرة القيلولة في العمل، من خلال تخصيص وقت محدد بعد فترة الغداء، لدعوة جميع الموظفين لأخذ قيلولة معًا في مساحة مشتركة تضم 27 سريرًا.
القوة والتعافي والوقائية والشفق
ويذكر موقع "القيادي"-المتخصص في عالم الإدارة والمال والأعمال-أنه عندما نأخذ قيلولة نقوم بتصحيح التوازن بين أنظمتنا العصبية والحيوية والنشاط؛ فإن ذلك يعزز نظام استرداد الطاقة؛ مما يمنحنا الطاقة لنكون نشيطين. كما تم ربط القيلولة بتعزيز المناعة أيضًا، ويعتمد التأثير الذي نحصل عليه من القيلولة على وقت القيلولة ومدتها. فتقول الدكتورة Nerina Ramlakhan أخصائية علاج النوم في لندن من خلال الخيارات: إن الغفوة 20 دقيقة كحد أقصى (غفوة القوة) تعني أنك تظل في حالة قريبة إلى النوم ولكنك ستكون بعدها أكثر نشاطًا ذهنيًا. أما قيلولة "التعافي" فقد تستغرق 40 دقيقة وتتضمن نومًا خفيفًا، حيث وجدت دراسة أجرتها وكالة "ناسا" أن هذه القيلولة حسَّنت من يقظة الطيارين ورواد الفضاء بنسبة 100%. كما توجد القيلولة "الوقائية" المخصصة لمن يعانون من الحرمان الشديد من النوم، وتتضمن أخذ نفسك إلى الفراش لمدة طويلة أو لحين تشعر بالتحسن. ويشير خبراء آخرون إلى قيلولة "الشفق" المعروفة لدى طلاب الجامعات باسم قيلولة الديسكو، والقيلولة بعد شرب الكافيين مباشرة لإيقاظ مفعم بالحيوية بشكل خاص.
الترقيات وزيادة الإنتاجية
وعلى الرغم من أن النوم في العمل قد يبدو غير مسؤول بالنسبة للبعض-طبقًا لموقع "العربية.نت"-فإن تقريراً حديثاً يظهر أن الموظفين الذين اعتادوا على أخذ قيلولة وقت العمل كانوا أكثر عرضة بنسبة 18% للحصول على ترقية في العام الماضي مقارنة بغيرهم. كذلك قامت شركة Plushbeds، وهي شركة تصنيع فاخرة للمفروشات والمراتب والوسائد، بعمل مسح على 1000 أميركي للتحقيق في عادات القيلولة للعمال الأميركيين. وأظهرت النتائج تأثيرًا إيجابيًا، ليس فقط في حياة الناس اليومية، ولكن في مكان العمل أيضًا.
ووجدت الدراسة أن القيلولة في العمل كانت أكثر شيوعًا، حيث قال أكثر من ثلثي المشاركين إنهم أخذوا قيلولة في العمل من قبل، فيما ارتفعت النسبة بين المشاركين من الجيل Z، وهم المولودون بين منتصف التسعينيات وحتى عام 2000، إلى 80%، مقارنة بـ 70% من جيل الألفية، وفقاً لما ذكرته شبكة "CNBC"، واطلعت عليه "العربية.نت". وقالت الدراسة: "لزيادة الإنتاجية في العمل، اعتقد الناس أن وقت القيلولة المثالي هو 20 إلى 30 دقيقة؛ لتشعر بمزيد من الإبداع، حيث شعر المشاركون أن من 10 إلى 20 دقيقة يعد وقتاً كافياً لاستعادة نشاطهم".
ضرورة
وختامًا، يطالب أيمن بدر كريّم في مقاله بموقع صحيفة "المدينة" بأنه من الضروري التعامل مع قضية النعاس والحاجة للنوم خلال ساعات العمل بعقلية علمية عملية منفتحة، والاقتناع بأن الشعور بالإعياء والإنهاك في أثنائها ليس بالضرورة نتيجة تكاسلِ أو تسيّب الموظّف، بل قد يكون نتيجةَ تراكم المسؤوليات غيـر المبررة، وزيادة الضغوطات غير المهنية، ودفع الموظف إلـى مرحلة "الاحتراق الوظيفي"، كما أنه من المهم مقابلة الموظّف بصفة مُنفردة، والتحدث إليه، وتقديم المشورة له، ومناقشة عرضه على طبيب اختصاصي، للتحقق من بعض المشكلات الصحية، كاضطرابات الغدد الصماء ونقص الفيتامينات وحديد الدم، واضطرابات النوم كمرض النوم القهري، وانقطاع التنفس الانسدادي خلال النوم والأرق المزمن، فضلاً عن الإصابة باضطرابات المزاج، ومدى تأثيـرِ العقاقير الدوائية المتناولة في وعيه خلال النهار.


​​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة