الاعتذار لزملاء العمل..هل هو ضعف شخصية أم وسيلة للتصالح؟

​يعد الاعتذار في نظر الكثيرين طريقة للتعبير عن التصالح، والتسامح، لكنه في نظر البعض هو الإقرار بالذنب، خاصة في محيط العمل، ويرونه سلوكاً غير محمود على إطلاقه، ودليل على الضعف.

سمة جميلة

والاعتذار سمة إنسانية جميلة في الشخصية تدل على نقاء وتسامح الشخص وتصالحه مع الظروف المُحيطة. ولكن يبدو أن هُناك حدًّا لكل شيء، فهناك قول شهير مفاده: "ما يزيد عن حده سينقلب ضدك". فعلى الرغم من أهمية ثقافة التسامح والاعتذار إلا أن الإفراط في قول "أنا آسف"-حسب ما تؤكد دراسة حديثة في علم الاجتماع-يدل على ضعف الشخصية.

وفي إحصائية لقناة BBC تُشير إلى أن البريطانيين يعتذرون نحو 8 مرات يوميا، وهناك من يعتذر نحو 20 مرة يومياً، إلى جانب أن النساء في بيئة العمل يعتذرن أكثر من الرجال؛ بسبب التعاطف الزائد.

اعتذارات لا لزوم لها

وتُشير إحدى الدراسات التي أجرتها كلية هارفارد للأعمال إلى أننا نقدم اعتذارات لا لزوم لها؛ بهدف بناء الثقة أو الحفاظ عليها. وأثبتت هذه الدراسة أننا بالفعل نثق في الناس أكثر؛ إذا قدموا اعتذارات غير ضرورية عندما يقتربون منا. لذلك، هناك غرض التكيف لتبرير هذا السلوك. فأقل من 10٪ من المشاركين في هذه الدراسة وافقوا على إعطاء هواتفهم لشخص غريب؛ عندما طلبوه دون تقديم اعتذار لا لزوم له. بينما وافق ما يقرب من 50٪ على إعارة هواتفهم؛ إذا كان الطلب مقدمًا مع التعليق "أنا آسف حقا لهذا المطر!".

ما الخطأ؟

لكن ما الخطأ في تقديم الاعتذار؛ إن كان هُناك سبب منطقي يستدعي ويستلزم ذلك. فالأبحاث تُظهر أن النساء والرجال يعتذرون بنسب متساوية تقريبًا عندما يرتكبون خطأ أو يؤذون شخصًا آخر أو حتى مجرد إزعاجه في مختلف أوجه الحياة العامة.

اعتذار النساء

وتقول الدبلوماسية والسفيرة الأمريكية "مايا يوفانوفيتش" في حوار على منصة "تيد" (TED) إنها حينما حضرت مناظرات لأهم الخبراء في مجالاتهم؛ لاحظت أن النساء اللواتي يعتلين المنصة لإلقاء كلمتهن يبدأن بـ: "يا إلهي، لا أدري ما الذي ستُضيفه واحدة مثلي لهذا التجمع الكبير"، وقالت الثانية: "لا أصدق نفسي، لقد ظننتُ أنهم أخطأوا بإرسال الدعوة لي عبر البريد الإلكتروني". بينما-وفي المناظرة نفسها-لم يُقدم أي رجل جملة اعتذارية على وجوده، أو حاول بطريقة أو بأخرى أن يُقلل من علمه وما يملكه من مؤهلات تجعله يعتلي منصة الخبراء بثقة.

أقل قوة

أما الكاتبة الأمريكية "راشيل سيمونز" في كتاب "لعنة الفتاة الجيدة" فتقول: "الاعتذار هو وسيلة لجعل نفسك أقل قوة وأقل تهديدًا، وهو إحدى الوسائل لتكون محبوبًا". وفي مقال بعنوان "اعتذر عن إزعاجك، ولكنك يجب أن تتوقف عن الاعتذار"، تُشاركنا المُدربة المالية "جانيس جولدمان مؤلفة كتاب" دعنا نتحدث عن المال" قصتها قائلة: "لقد حاولت الانتباه إلى نفسي أكثر، وقررت أن أتطوع بنفسي لحساب عدد المرات التي اعتذرت بها في اليوم. لقد كانت صدمة بالنسبة لي أنني قمت بالاعتذار 32 مرة خلال فترة ثلاث ساعات فقط، والفكرة أن الاعتذار دون سبب يُرسل أحاسيس للآخر أننا قمنا بارتكاب الخطأ، أو أننا الطرف المُذنب لسبب مجهول".

وسيلة دفاع

وعموماً تميل الطبيعة البشرية لتقديم الاعتذار كوسيلة دفاع عندما تخشى الرفض الاجتماعي، ولكن أوضحت الأبحاث أيضا أن المبالغة في الاعتذار في بيئات العمل المختلفة تجعلنا نبدو أكثر خجلا، ويُعرقل طريقنا في التعبير عما نريد. ولذا فإن إعادة صياغة اعتذاراتك يمكن أن تجعلك تشعر وتبدو أكثر ثقة فيما تقوله.

الاعتذار المُفرط

ويمكن أن يكون للاعتذار أكثر من اللازم أو "اضطراب الإفراط في الاعتذار" مجموعة واسعة من التفسيرات الأساسية، يُشار إلى بعضها في سمات الشخصية كالتنشئة الصعبة، وماضي الإساءة العاطفية ومستوى التعاطف العالي الطبيعي للآخرين يضطرنا إلى قول آسف دائما. ومع ذلك، وبغض النظر عن الفروق الدقيقة في حياتك الشخصية. كذلك تُظهِر الدراسات أنه من المحتمل أن يكون هناك سبب جذري نفسي للاعتذار المفرط.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة