"المحتال" يشكك في إنجازاتك ويشوه أدائك ومسارك الوظيفي

​​​

 

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

هل واجهت في مرحلة ما من مراحل مسيرتك الوظيفية شكوكاً حول أدائك في العمل؟ وهل تطاردك هذه الشكوك والهواجس وتتهمك بأنك لست أهلاً لوظيفتك ومنصبك؟ وما مدى معاناتك عندما تنتقص من مهاراتك وقدراتك وكفاءتك وأنك لا تقدم جهوداً مميزة في عملك؟ وكيف تواجه إحساسك بأن أفكارك الوظيفية أو تقديم اقتراحات معينة غير جديرة بالاهتمام؛ خشية الإحراج؟ ينصحك الخبراء والمتخصصون بألا تلتفت إلى هذا الشعور "المحتال"؛ فلست وحدك الذي ربما تعرض أو يتعرض أو سيتعرض له، فقد اعترف العديد من المشاهير، أمثال: الكاتبة "مايا أنجلو"، و"أينشتاين"، و"جينيفر لوبيز"، ومؤخراً "ميشال أوباما" بمعاناتهم من هذه الظاهرة الخطيرة في مجال العمل، والتي نسلط عليها الضوء في هذا التقرير.

إنجازات وهمية

يؤكد موقع "الطبي" أن متلازمة أو ظاهرة "المحتال" عبارة عن شعور الشخص بأنه غير مؤهل للقيام بعمل ما، أو أن يرى الشخص نفسه ذا كفاءة أقل مما يرى الآخرون في الواقع، وعليه فالمصاب بهذه المتلازمة يعتقد أنه يستحق أقل مما يملك، ويخاف من أن يصفه الآخرون بأنه "محتال"، بالرغم من كفاءته ومهارته. وحتى لو أقر هؤلاء بكفاءته ومدحوا إنجازاته، فإنه يعزيها إلى الوقت والحظ الجيد وليس بفضل مهاراته.

وتضيف ربى الخاروف المحررة بموقع "House of Content" أن هذه الأعراض تظهر حتى لدى الكثير من الناجحين في مختلف الميادين. ويُطلق هذا المصطلح الغريب على الأشخاص الذين يشككون في إنجازاتهم وقدراتهم على العمل واستحقاقهم التقدير، فهم يجدون أنفسهم أقل من إنجازاتهم على الرغم من أنها تمت بمجهودهم الشخصي، وهنا يدخل الشخص بحوار داخلي يدفعه للاعتقاد في أنه قد تم اختياره عن طريق الخطأ أو الاحتيال؛ حيث خدع الآخرين بهذه الإنجازات التي يجدها وهمية وقريباً ما سيتم كشفه.

أعراض داخلية

ونقلاً عن موقع "BBC NEWS عربي" أنه وفقا لما أوردته دورية "إنترناشيونال جورنال أوف بيهافيورال ساينس" العلمية المعنية بالسلوك، فقد فكَّر أكثر من 70% من العاملين في مرحلة ما من حياتهم، في أنهم غير جديرين بما يحققونه في مجالاتهم المهنية. وبينما تتباين أشكال الضغوط التي يتعرض لها العاملون من مهنة لأخرى بفعل الإصابة بـ "متلازمة المحتال" هذه، فإن ما يمكن تسميته بـ "الأعراض الداخلية" لهذه المتلازمة، تتشابه عادة بين المصابين بها، على اختلاف مهنهم. فلدى هؤلاء الأشخاص، نزوع نحو تحقيق الكمال، ويضمرون في داخلهم حاجة ملحة، لأن يكونوا الأفضل في المجالات التي يعملون فيها. وعندما يخفقون في تحقيق أهدافهم التي تتسم بالمثالية والكمال؛ غالبا ما يشعرون بأنهم "محبطون ومغلوبون على أمرهم، بل ويعتبرون أنفسهم فاشلين، وهو ما يشكل إفراطاً في التعميم من جانبهم"؛ ومن شأن ذلك، إدخال أولئك الأشخاص في دائرة مفرغة، تجعلهم يمنعون أنفسهم من تقبل ردود الفعل الإيجابية على عملهم، ممن حولهم.

"أينشتاين" و"أنجيلو"

ويستشهد موقع TED.Com باثنين من المشاهير ممن عانوا من "المحتال". فهذه هي "مايا أنجيلو" والتي حتى بعد كتابتها 11 كتابًا وفوزها بعدة جوائز رفيعة؛ لم تستطع الهروب من الشك المستمر في أنها لا تستحق ما وصلت إليه. كذلك عاش "ألبرت أينشتاين" الشك ذاته؛ فقد وصف نفسه بـ"محتال لا إرادي"، وكانت تراوده هواجس أن عمله لا يستحق كمية الاهتمام التي تلقاها. فإنجازاتهما كبيرة؛ لكنهما لم يستطيعا التخلص من شعورهما أنهما لا يستحقان ما حققاه من إنجازات أو أن أفكارهما ومهاراتهما غير جديرة باهتمام الآخرين.

النساء والشباب والأكاديميون

ويذكر موقع "Scientific American" أن دراسةٌ أجراها فريقٌ من علماء النفس-نشرتها دورية "جورنال إديوكيشنال سيوكولوجي"-سلطت الضوء على أنه من المرجح أن تشعر النساء والأكاديميون -في بداية حياتهم المهنية-بأنهم غير مؤهلين لممارسة التخصصات التي تتطلب قدراتٍ مهنيةً عاليةً للتألق. وفي هذا الصدد، توضح "ميليس مراد أوغلو"-طالبة الدكتوراة في جامعة نيويورك والباحث الرئيسي في الدراسة-أن النساء الأكاديميات قد يعانين من مشاعر الاحتيال الفكري بشكل أقوى من الرجال، كما أن الأفراد الذين بدأوا للتو حياتهم المهنية تنتابهم هذه المشاعر أيضًا بشكل أقوى من الأفراد الأكبر سنًّا". كذلك تقول "أوغلو": استنادًا إلى الأبحاث السابقة، من المحتمل أن يكون لدى النساء في هذه المجموعات شعورٌ عالٍ بالاحتيال وعدم تقدير الذات بصفة خاصة في المجالات التي تركز على التألق؛ إذ يتم استهدافهن من خلال الصور النمطية السلبية للجنس والعرق والنوع.

وقد قام الباحثون بتحليل بيانات خاصة باستطلاعات للرأي أُجريت على أكثر من 4000 أكاديمي من 9 جامعات أمريكية عامة وخاصة وتمثل أكثر من 80 حقلًا علميًّا، بحيث شملت مَن يعملون في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والعلوم الإنسانية والطب. وطُلب من المشاركين تقييم مستوى خبراتهم ومدى ارتباطها بمشاعر المحتال من خلال ردود أفعالهم تجاه عبارات، مثل (أخشى أحيانًا أن يكتشف الآخرون مقدار المعرفة أو القدرة التي أفتقر إليها حقًّا)، و(أعتقد أن كوني باحثًا بارزًا في مجال تخصصي يتطلب كفاءةً خاصةً لا يمكن تعلمها). ووفق النتائج؛ فقد أبلغ عدد أكبر من النساء والأكاديميين في بداية حياتهم المهنية عن شعورهم بأنهم محتالون.

وبغض النظر عن الجنس أو المرحلة المهنية أو النوع أو العرق، فإن الأكاديميين الذين أبلغوا عن شعورهم بأنهم "محتالون بشكل أكثر حدة" أفادوا أيضًا بأنهم يشعرون بأنهم أقل ارتباطًا بزملائهم، وأنهم يعانون من انخفاض الثقة بذواتهم وبقدراتهم على النجاح في المستقبل، مما يشير إلى أن تجربة الشعور بالاحتيال قد تحد من نجاح هؤلاء الأكاديميين.

5 أنواع

ويحدد موقع "الطبي" وجود 5 أنواع ممن يداهمهم "المحتال"، وهم:

  • الساعي للكمال: يركز هذا النوع بشكل أساسي على طريقة إنجاز المهام والأعمال في العمل والحياة اليومية بشكل كبير؛ لجعلها كاملة على جميع المقاييس. ولأن الكمال أمر صعب الوصول في كثير من النواحي؛ فغالباً ما تجد الشخص الساعي للكمال ينتقد نفسه عند ارتكابه أصغر الأخطاء.
  • العبقري: وهو الشخص الذي دائماً ما يتعلم مهارات جديدة، ويعتقد أنه يجب أن يفهم ويتقن جميع المهارات بسرعة دون أي تعب، ويعتقد أن جميع الأشخاص وخصوصاً منافسيه يمكنهم التعامل مع أي شيء بسهولة، مما يجعله يشعر بالذنب إن واجه بنفسه أي صعوبة تذكر ويعتقد أنه مخادع لا يستحق المكان الذي هو فيه.
  • المنفرد: أو من يسمى بالعازف المنفرد، هو الذي يعتقد أنه يجب أن ينجز كل شيء وحده، وإن لم يستطع النجاح عندها؛ يصف نفسه بالفاشل وبأنه لا يستحق الإنجازات والنجاحات.
  • الخبير: وهو مَن يسعى دائماً لمعرفة التفاصيل، ويقضي وقتاً كبيراً في السعي للحصول على كافة المعلومات والإجابات ويتشتت عن التركيز على المهمة الأساسية.
  • البطل الخارق: وهو الشخص الذي يربط كفاءته بقدرته على النجاح في كل أدوار حياته، وإن فشل في تحقيق جميع متطلبات أي دور منها يعتبر نفسه فاشلاً وغير كفؤ.

رب ضارة نافعة

وعلى صعيد آخر، يبرز موقع "BBC News عربي" جانباً إيجابياً "للمحتال"؛ فبالرغم من أن “المحتال" قد يهز ثقتك بنفسك، فإن شعورك نتيجة لذلك، بأنك غير جدير بشكل كافٍ بالوظيفة التي تشغلها، ربما يمنحك ميزة تتفوق بها على زملائك وأقرانك، ممن يشعرون بثقة أكبر في قدراتهم.

يشعر المصابون بما يُعرف بـ "متلازمة المحتال"، بأن ما يحققونه من إنجازات في مجال العمل غير مستحق، ومن المرجح أن يراهم الآخرون "محتالين" في هذا الصدد. ولذا لا عجب في أن يعتبر هؤلاء، أن هذه الحالة النفسية تلحق الضرر بنجاحهم على الصعيد المهني. إذ أن شعور المرء بأن الإنجازات المهنية التي يحققها، لا تعود لجدارته أو لقدراته وأن الآخرين سيكتشفون ذلك إن عاجلا أو آجلا، يضع على كاهله بطبيعة الحال، مزيدا من الضغوط غير المرغوبة، في عمله.

لكن نتائج دراسة أجرتها بسيمة توفيق، الأستاذة المساعدة في دراسات العمل والمنظمات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، كشفت أن التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المصابون بهذه المتلازمة، للتعويض عما يعتبرونه نقصاً في جدارتهم بإنجازاتهم المهنية، قد تجعلهم في واقع الأمر، يؤدون وظائفهم بشكل أفضل.

إن تقبُّل هؤلاء "المحتالون" لشعورهم بأنهم غير جديرين بالإنجازات التي تُنسب لهم بدلاً من مقاومة ذلك الشعور أو تجاهله، وبذلهم بالتبعية جهوداً إضافية للتواصل مع الآخرين في مجال العمل، يمكن أن يجعلهم يتفوقون على أقرانهم، على صعيد المهارات الخاصة بالتعامل مع مَن حولهم. ويعني ذلك-بحسب بسيمة توفيق-أن هذا الشعور النفسي الذي يبغضه غالبية مَن يعانون منه، ربما يكون في حقيقة الأمر، دافعاً لهم لأداء وظائفهم على نحو أفضل.

نصائح مقترحة

وختاماً، فإن المتخصصين والخبراء ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المتخصصة يقدمون مجموعةً من النصائح التي يمكن أن تساعد في التغلب على هذه الظاهرة في مجالات العمل، على النحو الآتي:

تحديد مصدر القلق والمخاوف: من الضروري فصل مشاعر القلق التي تعترينا عن المخاوف الحقيقية التي تستند إلى أسس ودلائل واضحة؛ حيث يوجد بداخلنا جميعاً شعور خفي يُعرف في عالم التدريب وعلم النفس بـصوت الخوف والشك. يعمل هذا الصوت على إخبارك بأنَّك لست جيداً بما يكفي ولا تستطيع أو لا ينبغي لك فعل أشياء معينة؛ وذلك لحماية نفسك من الفشل أو الإحراج. وعندما تستطيع فصل ما هو حقيقي عما يقلقك وتجاهل هذا الصوت، ستحظى بفرصةٍ لتجاوز حدود منطقة الارتياح والتعلم من تجارب جديدة تتخطى فيها هذه المخاوف والتصورات السلبية.

مراجعة أعمالك السابقة وطلب الحصول على تقييم محدد لأخطائك وأماكن قوتك: يساعدك ذلك على التعلم من أخطائك وتقبلها؛ ومن ثمّ تجاوزها، لتكون نقطة انطلاق لعملٍ أفضل. كما أنّ تقبُّل الثناء والمديح لا يقل أهمية أيضاً؛ فهو يساعدك على التركيز على نقاط القوة والإنجاز وتقديرك لقيمتك الذاتية.

وضع قائمة بإنجازاتك ومراجعتها: من الجيد أن تجعل لنفسك مرجعيةً ذاتية تساعدك على فهم قيمتك وقدراتك. قم بكتابة كل ما لديك من نقاط القوة والمهارات والخبرات، واسأل الآخرين من حولك عن نقاط القوة التي يرونها فيك، واجعلها جميعاً في قائمة واحدة. ويمكن أن تساعدك هذه القائمة في فهم ما إذا كنت تعامل نفسك بقسوة مفرطة حيال الفشل في أمرٍ ما، وفي تجاوز التصورات السلبية التي تراودك من خلال تحويل التركيز عن الإخفاقات.

المحفزات الداخلية والمكافآت: إنّ إيجاد واكتشاف المحفزات الداخلية والسبب وراء قيامك بأي عملٍ أو مهمة؛ يجعلك أكثر ارتياحاً وهدوء.  كذلك من الجيد أن تكافئ نفسك بين الحين والآخر على إنجازاتك مهما كانت صغيرة؛ مما يعطيك دفعةً للأمام في أداء المهام اللاحقة.

لا تضع لنفسك معايير مستحيلة: أن تكون "ذا كفاءة" لا يعني أن "تصنع العجائب". عليك أن تكون مدركاً متطلبات كلّ مرحلةٍ وإمكانياتك فيها، وأن توزان بين صعوبة الأهداف والمهام وقابليتها للتحقيق. بالتأكيد لا تمنح المهام السهلة التي لا تتطلب بذل جهد يذكر أو تعتمد على تكرار المهارات القديمة ذاتها أيّ شعورٍ بالرضا والسعادة التي يطمح إليها الناجحون، إلاّ أنّ رفع المعايير ودرجة الصعوبة دون موازنتها مع قدراتك قد يعود عليك بالخيبة ويهدم ثقتك بنفسك.

- أهداف واقعية: حاول دائماً أن تضع لنفسك أهدافاً واقعية وتزيد من درجة الصعوبة والتحدي بما يتناسب مع المرحلة؛ فهذا سيساعد على تطوير شخصيتك ويحقق لك الرضا والنجاح.

- المشاركة مع الآخرين: إنّ مجرد معرفتك بهذه الظاهرة وهذه المشاعر ومشاركتها مع الآخرين؛ سيقلل من حدتها إلى حدّ كبير، وسيمكّنك من التعامل معها، وخاصّة عندما تدرك بأنك لست وحيداً. كذلك يُفضَّل التواصل مع مرشدٍ أو داعمٍ يساعدك في تجاوز هذه الهواجس، وخاصّة إذا كان من الشركة التي تعمل بها أو قطاع العمل ذاته.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة