الخويطر وزير المعارف طلب اعتماد مشروع والخويطر وزير المالية رفض!

​​​​

يُتداول في الأوساط الاجتماعية السعودية العديد من الروايات والقصص ذات الصلة بالجانب البيروقراطي والوظيفي، منها ما هو مثير للإعجاب، ومنها ما هو غير ذلك، ومنها المثير للدهشة والاستغراب، ومنها ما يروى على سبيل الطرفة. وكثير من هذه الروايات تُروى بنقص في تفاصيلها، أو بزيادة على حقيقتها؛ لغرض في نفس راويها، وما آفة الأخبار إلا رواتها.

ومن روايات التراث البيروقراطي التي تحكى وشاعت بين الناس واتسعت دائرة تداولها، رواية تقول إن معالي وزير المعارف الأسبق د.عبدالعزيز الخويطر "رحمه الله" تقدم بطلب الدعم لأحد المشروعات لمعالي وزير المالية حينها الأستاذ محمد أباالخيل. وصادف بعد رفع الخطاب من المعارف أن وزير المالية خرج في إجازة، وتم تكليف وزير المعارف بالقيام بمهام عمله. وفي أول يوم عمل لوزير المالية المكلف عُرض عليه للتوقيع خطاب رد برفض طلب وزير المعارف. فوقعه الوزير المكلف د. الخويطر!!

تفاصيل غائبة

هنا انتهت الرواية المتداولة على سبيل الطرفة والتندر..ولكن هل هناك تفاصيل غائبة؟

جاء في كتاب (د.عبدالعزيز الخويطر "وسم على أديم النزاهة والوطن")، للكاتب الأستاذ حمد القاضي (الطبعة الأولى /1436ه)، (ص 48،47) والذي رصد جانباً من حياة وزير المعارف الأسبق د.عبدالعزيز الخويطر في العمل، وجوانب أخرى من حياته، توثيق مفصل لهذه الحكاية على لسان صاحب الشأن. حيث طرح القاضي سؤالاً على الخويطر، جاء نصه كالتالي:

هل سمعت النكتة التي يتداولها الناس من أن عبدالعزيز الخويطر كتب خطاباً بصفته وزيراً للمعارف إلى وزير المالية يطلب فيه الموافقة على مشروع معين. ثم أصبح الخويطر وزيراً للمالية بالنيابة فشرح على خطابه الذي وقعه من قبل بالرفض والاعتذار للمعارف عن عدم الموافقة!؟ فأجاب الخويطر: هذه ليست نكته بل قصة واقعية! لكن الناس مسخوها بحيث جعلوها "نكتة" يستشهد بها ذوو الأحكام الجزافية. أما الحكاية فهي أنني كتبت خطاباً بصفتي وزيراً للمعارف إلى وزير المالية أطلب فيه الموافقة على مشروع معين، فوصل الخطاب إلى وزير المالية محمد أباالخيل الذي شرح عليه بالاعتذار للمعارف عن طلبهم، والتوجيه بإعداد الخطاب اللازم لتوقيعه. وفي تلك الأثناء صدر القرار بتكليفي وزيراً للمالية بالنيابة. فلما باشرت العمل في المالية قُدٍم لي الخطاب المعد للمعارف ضمن العديد من المعاملات للتوقيع. فما كان أمامي سوى خيارين، إما أن أرجئ توقيع الخطاب حتى عودة أباالخيل، وإما أن أوقعه حتى لا تتأخر المعاملة. وبالفعل وقعت الخطاب برفض طلب المعارف. ولما وصل الخطاب للمعارف شرحت عليه للإدارة المختصة بتوضيح الصورة وإجلاء مسوغات الطلب لوزير المالية بشكل أكبر، وأرسلت الخطاب التعقيبي إلى المالية، واستقبلت الخطاب في المالية وشرحت عليه للقسم المختص هناك بإعداد خطاب للمعارف بالموافقة! على أن يترك توقيع الخطاب لوزير المالية محمد أباالخيل بعد عودته. وكنت أدرك أن أخي محمد لن يتوانى عن توقيع الخطاب عند معرفته التفاصيل. وبالفعل عاد وزير المالية لمباشرة عمله ووقع الخطاب بالموافقة. (انتهى).   

وهذه القصة تعكس مقدار النزاهة والالتزام بالأنظمة لدى معالي د.عبدالعزيز الخويطر، بالإضافة إلى حنكته الإدارية، والقيادية، فقد استطاع الحصول على مبتغاه، وتحقيق مطلبه كوزير للمعارف بالطرق النظامية، ومن أهمها حسن عرض الطلب، وإيراد المسوغات المقنعة.

استثمرنا سنوات الطفرة بإنشاء مدرسة ونصف يوميا خلال خمس سنوات

ولم تكن تلك القصة هي الوحيدة التي تم تناقلها بشكل غير دقيق عن معالي د.عبدالعزيز الخويطر (الوزير)، من قصص الحزم، والالتزام والانضباط الإداري والانفاق المالي الرشيد. فقد أورد المؤلف (أ.حمد القاضي) في نفس الكتاب قصة أخرى عن عدم استثمار وزارة المعارف التي كان وزيرها د.الخويطر سنوات الطفرة في تنفيذ مشاريع تنموية من بناء مدارس وتشييد مباني وتوسع في المشروعات. فأجاب الوزير بعد طرح هذا السؤال عليه قائلاً:

هذا كلام غير دقيق، واسمعه من كثيرين، فأطلب منهم إيراد حقائق وبيانات فلا أجد. أعطني كلاماً محدداً. لا تقل يقول الناس! فلقد وجدت أن الناس يقودهم في مدح شخص أو ذمه سياسة القطيع، فإذا قام رجل في مجلس وأثنى على إنسان تحول المجلس كله إلى مادحين لذلك الإنسان، وإذا ذم إنساناً آخر؛ تحول المجلس إلى ذمامين لذلك الآخر! أعطني كلاماً محدداً وسأفنده.

قلت له وقد تهاوت أمام وجهي "يقول الناس": المباني المدرسية..نموذجاً. الوزارة لم توظف الطفرة في توفير المباني الحكومية الكافية، ومازالت كثير من مدراسنا تقبع في منازل مستأجرة.
أجاب: هذا الكلام غير صحيح؛ فالوزارة شيدت العديد من المباني المدرسية خلال تلك السنوات، ويكفي أن أعطيك نموذجاً واحدا. فخلال الخمس سنوات عقب 1400ه، أنشأت وزارة المعارف (2500) مبنى مدرسي، أي بمعدل مدرسة ونصف المدرسة يومياً. فهل هذا تقتير؟ أما المباني المستأجرة فإنها واقع فرضه الامتداد السكاني السريع جدا، والامتداد العمراني الأسرع الذي حدث في سنوات ما يسمى بالطفرة.

لم أعد ريالاً واحداً للمالية طوال فترة وزارتي للمعارف

ولكن يقال إنك لم تكن تنفق كامل الميزانية المخصصة لوزارة المعارف، وكنت تعيد الباقي في نهاية العام المالي لوزارة المالية.

لم أعد ريالاً واحدًا. بل كنت أطلب من المالية تعزيز بعض البنود لسد العجز فيها.    

وهذا أيضاً "كلام الناس" الذي لا يقوم على حقائق. فأنا لم أعد ريالاً واحداً من ميزانية المعارف للمالية طيلة سنوات عملي. بل إنني كنت أحياناً أطلب من المالية تعزيز بعض البنود أثناء السنة المالية؛ لسد العجز. فإذا كنت أصرف كافة الميزانية الممنوحة لقطاع المعارف على مشاريعها فما هو المطلوب مني أكثر من ذلك!؟

تلك إضاءات وأوراق مشرقة من سيرة قائد إداري متميز، اتصف بالإخلاص في العمل، والنزاهة، والعمل بصمت. ولا زالت إنجازات عهده وزيراً للمعارف قائمة ويشار لها بالبنان. رحم الله معالي الوزير د.عبدالعزيز الخويطر.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة