"أوركيسترالية" الاتصال المؤسساتي الشامل

   يعد الاتصال الشامل من التخصصات الواعدة التي حظيت منذ ثمانينيات القرن الحالي باهتمام الباحثين والممارسين على حد سواء؛ من أجل فحص إمكاناته التواصلية وتقييم فاعليته المهنية وأدائه المؤسساتي، والسعي لإدراجه ضمن أولويات أجندات عروض التكوين الجامعية، وكذا مجالات التدريب العملي.

   إن كان الاتصال الشامل-في ظاهره-لا يقترح وظائف جديدة، ولا يقدم وصفات مبتكرة للمسيرين، ولا يدرج حلولًا نهائية للإشكالات التي تواجهها المؤسسات، فإنه في جوهره محمّل بدعوات مفتوحة للتفكير بشكل مختلف في آليات اشتغال الفعل التواصلي، من خلال كسر الحواجز بين مختلف تخصصاته، وأنواعه، ووسائله، وأنشطته، وبناء رؤية شاملة موحدة ومنسجمة، قادرة على إدماج الاحتياجات المتعددة لجماهير المؤسسة، واحتواء مختلف أبعادها الإنتاجية سواء البشرية، والاتصالية والمجتمعية.

وإذا أردنا أن نقترب من هذا التخصص بشكل أعمق، سنجد أنه يتجاوز بكثير مجرد توسيع الرؤية للاتصال وممارساته المؤسساتية. إنه يحمل مشروعًا متطورًا للتحرر من كل ما هو تخصصي واختزالي وتحليلي ومنقسم ومفكك، لصالح كل ما هو ديناميكي، مترابط ومتفاعل. فأسباب كل مشاكلنا مردها عدم استيعابنا للحمة التواصلية والتشابك العضوي بين كل ما جعلناه مبتورًا ومنفصلًا، وتجاهُلنا لخاصية التعقيد كسمة حياتية، علمية، مؤسساتية، اتصالية.  فالحياة في الحقيقة أوركسترا، ونحن كبشر ومؤسسات فرقة موسيقية، نعيش تناغمًا؛ إذا استرشد بعضنا بالبعض الآخر أثناء العزف، ضمن رؤية معقدة، لكنها مهيكلة ومترابطة ومتصلة. ونعيش فوضى إذا لم نلتزم بالنوتة التواصلية، حيث يصبح كل ما يصدر عنا مجرد ضجيج، لا صلة له بالموسيقى.

​ 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة