القائد يصنع منشأة طيبة

​​كثر الحديث بين المختصين في علم الإدارة-على مر العصور-حول الفروقات الجوهرية بين المدير والقائد؛ حيث يفشل الذي يتصرف كقائد وهو في مهمة المدير، وكذلك يفشل الذي يتصرف كمدير وهو في مهمة القائد، إذ إن هناك مستويات وأنواع من القادة حتى على المستوى الشخصي الذي يخص حياة المرء بشكل خاص أو عائلي. وهو عامل مهم لاحظته بعض المنشآت التي تريد أن تحقق نجاحًا خارج الصندوق في زمن تبعثرت فيه الكثير من المفاهيم والمسلمات حتى لم يعد إلا القليل منها الذي تضمه الأوراق الإدارية كعلم يتفق عليه الجميع.  فلم يكن يطرأ في خلد أكثر القادة الحالمين أن يأتي يوم من الأيام ليذهب بعض القادة لاتخاذ قرار عدم اعتماد الشهادة عند اختيار فريق العمل. وهي للأمانة صدمة كبرى للمنتمين لعلم الإدارة الذين يدافعون عنه كعلم له ضوابط ومسلمات، ولكن إقدام أشهر وأقوى الشركات العالمية ذات الصيت العريق على اتخاذ مثل هذا القرار الصادم جعل الجميع يراجع أوراقه، ويستعيد مشاهد ادارية خوفا من أن يكون قد خسر موظفًا مهمًا؛ بحجة أنه لا يملك مؤهلًا دراسيًا أو ترقية شخص على حساب شخص آخر لمجرد الاعتماد على أفضلية الشهادة الدراسية، أو قطع رزق موظف منتج ومجتهد بحجة تقصيره في الحضور والانصراف.

الذي أريد قوله-وربما أن بعض المخلصين لعلم الإدارة يريدون قوله مثلي-إن العالم بأسره تغير ويجب على كل من يحمل مسؤولية إدارية-مهما كان حجمها-أن يتغير وفق معطيات العالم الجديد والمتغير على مدار الساعة؛ فلم تعد المنشآت بحاجة للمزيد من المدراء الذي يهرولون وفق الورق الأصم من نظام المنشأة، بل إن بعضهم يزيد هذه الأوراق صلافة وصلابة؛ حتى يحول بنود النظام من ورق إلى حديد. الموظفون-مهما كان تخصصهم-بحاجة لقائد يسارع في تأليف قلوبهم لمنشآتهم ويزيد من انتمائهم لها؛ لبناء الشغف نحو الوظيفة حتى يأتوا لدوامهم وكأنهم ذاهبون لبيتهم الثاني. هذا الشغف لا يمكن ولادته دون قائد خلاق يرى في الأخلاق نظام عمل وإنسانيته نحو موظفيه كما هي تجاه أحد أفراد عائلته.

فالمنشأة التي تريد أن تتحاشى أي أزمة؛ عليها أن تكون "طيبة" ليدافع عنها موظفوها وكأنهم أبنائها، وهذا لن يتحقق دون قائد متفرد.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة