الإعلاميون والذكاء الاصطناعي

​​يكمن التحدي الحقيقي اليوم أمام الإعلاميين، وصناع المحتوى الإعلامي في كيفية مواكبة الكم الهائل من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي باتت على نحو متزايد واقعًا في المجال الإعلامي، كاستخدام الروبوت في صناعة المحتوى، وتحليل البيانات، ومنصات البيانات المفتوحة، و"بلوك تشين" الأخبار، والتسويق "الروبوتي"، وإعلام "الدرون".

حيث يشير العديد من الخبراء والمتخصصين إلى أن عدد من المجالات الإعلامية شهدت طفرة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومنها على سبيل المثال أتمتة التقارير الصحفية كما فعلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عندما استعانت بروبوت مراسل يدعى "هليوغراف بوت" لإنتاج أكثر من 800 تقرير صحفي تتعلق بالانتخابات الأمريكية عام 2016م. وكذلك ما أتاحته خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتوقع أن تكون المنافسة الانتخابية 2020م بين "ترامب" و"بايدن" حادة، وأن عدد الناخبين سيكون متقاربًا بين الطرفين بعكس ما أظهرته استطلاعات الرأي التقليدية بوجود فارق كبير بينهما.

كما أن اقتراح وإنشاء القصص الإعلامية هي من المجالات التي دخلت فيها التطبيقات الذكية، حيث قامت شركة "فوربس" بتجربة نظام "بيرتي" الذي يساعد في اقتراح مقالات وموضوعات للتغطية الاعلامية بالإضافة الى توصيات لجعل العناوين أكثر جاذبية مع اقتراح الصور المناسبة لها. كذلك تعد ميزة السرعة في جمع البيانات من أهم الطفرات ومكاسب استخدام البرمجيات الذكية، فقد استخدمت وكالة "رويترز" التعلم الآلي لبناء وتحديث تصورات البيانات والوصول إليها بسرعة مذهلة.

إضافة الى ذلك فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يساعد بشكل فعال في المجال الأخلاقي لمهنة الاعلام، خصوصاً فيما يتعلق بمحاربة الأخبار الزائفة والمضللة، من خلال برمجيات متخصصة كبرنامج "بوت سلاير" المتاح للجمهور والإعلاميين لكشف حسابات "تويتر" الوهمية، وتطبيق "سمارت نيوز" لتصفية الأخبار الزائفة.

وبالرغم من تلك المزايا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الاعلام، تظل هناك بعض التحديات في هذا الصدد، والتي أرى أن من أبرزها هو الافتقار إلى الإبداع في بناء القصص الإعلامية؛ وأقصد بذلك أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تعجز عن استلهام مهارات الإبداع التي يتميز بها العقل البشري. فبعض التطبيقات تواجه صعوبات امام الموضوعات المستجدة ذات البيانات المحدودة، بينما في المقابل يمكن للإعلامي من كمية محدودة من البيانات أن يبتكر قصص وتقارير ويقوم بتحليلها بشكل إبداعي؛ لقدرته على الربط والمقارنة بين الموضوعات والبيانات من عدة مصادر قد لا تكون متاحة على شبكة الانترنت. ويضاف إلى ذلك أيضاً معضلة قد تواجه الإعلاميين، هي في إمكانية تحيز البيانات التي تواجهها الصحافة المستعينة أو المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فقد يتسرب التحيز إلى هذه الخوارزميات من خلال إعداد البيانات وجمعها. كالتحيز من خلال التمييز بين الأشخاص على أساس العرق أو الجنس أو الإعاقة أو غيره. كما حدث في احدى التقارير لصحيفة "الجارديان" البريطانية حين قام النظام المعتمد على الذكاء الاصطناعي بالخلط بين مطربتين ذواتا بشرة سمراء، حيث لم يستطع التفرقة بينهما بسبب لون البشرة الداكنة.

وفي ضوء ذلك كله فإن تأهيل الإعلاميين ودفعهم لاستخدام وتقبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي قضية ذات أهمية بالغة، بل وحتمية؛ بسبب التسارع التقني الهائل واستخدامات تقنيات ذكاء الأعمال بشكل واسع، خصوصا إذا ما تبين لهؤلاء الاعلاميين المكاسب المترتبة على استخدامهم لتلك التطبيقات والتي ستساهم في تحسين أدائهم بشكل كبير، لا سيما إذا تم التعامل معها بشكل واعٍ.

 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة