وظائف ومهارات جديدة في سوق العمل..المفاهيم والمهن تتغير
  • ​د.كلاوس شواب: أفضل طريقة لتشجيع وجود مجتمع متماسك هي توفير فرص عمل جديدة
  • أ.بندر السفيّر: لكل مرحلة مؤشرات ترسم ملامح سياساتها..والدولة عملت بشكل واضح في الآونة الأخيرة
  • د.كارل فراي: التقدم التكنولوجي سيتسبب في اختفاء العشرات من فرص العمل الخاصة بالطبقة الوسطى
  • د.عبدالرحيم صابوني: دول الخليج العربي تستعد للثورة الصناعية الرابعة بالمبادرات الفاعلة لسوق العمل

         

خلقت الثورة الصناعية الرابعة الحالية طلباً على ملايين الوظائف الجديدة، وغيرت من مفاهيم سوق العمل في الكثير من الاقتصادات الدولية. وتعكس المهن الناشئة الأهمية المستمرة للتفاعل في مسارات الاقتصاد الجديد؛ مما أدى إلى زيادة الطلب على وظائف وخيارات واستثمارات جديدة لم تكن معروفة سابقاً. حول التغيرات التي حدثت في سوق العمل السعودي والعالمي تطرح مجلة "التنمية الإدارية" عدداً من التساؤلات من خلال محاور وضيوف قضية العدد التالية.

سوق جديد

واستشعاراً بالتغيرات الجديدة في سوق العمل المحلي؛ قامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بإطلاق مبادرة "قوى"، الواجهة الإلكترونية الجديدة لسوق العمل السعودي، وللخدمات والمعاملات الإلكترونية الخاصة بقطاع العمل.

وقد أوضحت الوزارة أن المبادرة أكبر من مجرد منصة إلكترونية لإتمام وأتمتة الخدمات، بل هي إعادة نظر في الأنظمة والتشريعات والإجراءات في سوق العمل السعودي؛ كي تتناسب وطبيعة السوق المتطورة واحتياجات المستفيدين؛ وذلك سعياً من الوزارة لتحقيق سوق عمل متكامل قويّ، من شأنه أن يكون ركناً أساسياً في ازدهار اقتصاد الوطن وتحقيق رؤيته.

إعادة تأهيل

وفي السياق ذاته كشف تقرير بعنوان: "مستقبل الوظائف" صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي-تم نشره في عام 2019-أن 133 مليون وظيفة جديدة ستطرح خلال الفترة من2020 إلى 2022م، وأن 6.1 ملايين فرصة وظيفية ستوفرها المهن الناشئة مستقبلاً على مستوى العالم خلال الفترة نفسها، وأن 1.7 مليون وظيفة جديدة ستوفرها المهن الناشئة خلال العام 2020م في حالة استمرار اتجاهات النمو الحالية.

وأشار التقرير كذلك إلى أن الجهود الدولية استجابت للمتغيرات الجديدة في سوق العمل الدولي، وأسهمت في إنشاء شبكة عالمية من فرق العمل الوطنية من القطاعين العام والخاص في كل من: الهند، وجنوب أفريقيا، والأرجنتين، وعُمان، بالإضافة إلى العديد من الشركات العالمية التي تعهدت بإعادة تشكيل مهارات 17 مليون عامل على مستوى العالم أو صقل مهاراتهم من جديد.

تشكيل المهارات

أما مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ورئيسه التنفيذي د."كلاوس شواب"، فقد أكد على أن أفضل طريقة لتشجيع وجود مجتمع أكثر تماسكاً وشمولاً، هي توفير فرص عمل جديدة ودخل لائق للجميع.

وأضاف "شواب": "نعمل في المنتدى على إنشاء برنامج لمنح مليار شخص حول العالم المهارات الجديدة التي يحتاجونها في عصر الثورة الصناعية الرابعة، فحجم التحول وأهميته الملحة لا يتطلبان شيئاً سوى ثورة إعادة تشكيل المهارات؛ لأن أصحاب العمل يبحثون عن مجموعة من المهارات الأساسية لدي الباحثين عن عمل".

وقال د."كلاوس شواب": "يُعد التعليم-بل وسيظل-بالغ الأهمية في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير مستقبل تُتاح فيه الفرص للجميع، بيد أنه في حين تخلق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة ضغوطًا جديدة على أسواق العمل، سيصبح إصلاح التعليم والتعلم المستمر، ومبادرات إعادة تشكيل المهارات أمورًا أساسية لضمان حصول الأفراد على فرص اقتصادية من خلال الحفاظ على قدراتهم التنافسية في عالم العمل الجديد، وهو ما يتيح للشركات أيضاً إمكانية الحصول على المواهب التي تحتاجها من أجل وظائف المستقبل، وستكون هناك حاجة إلى إعادة تشكيل وتعزيز المهارات لما لا يقل عن 54% من جميع الموظفين بحلول عام 2022م.

الاقتصاد السعودي

أما مستشار الموارد البشرية أ.بندر بن محمد السفيّر، فيرى أن لكل مرحلة مؤشرات ترسم ملامحها وتضع سياساتها، وقلة من المسؤولين، ومن رجال وسيدات الأعمال ممَن يحاولون استشراف ذلك؛ ليبنوا خطط أعمالهم بشكل متناغم. ولعل أهم هذه المؤشرات التي ترسم خارطة طريق الاقتصاد السعودي هي توجهات وقراءات صندوق النقد الدولي الذي يعتبر من الجهات الاقتصادية السيادية التي تتمتع بتأثير كبير على توجهات اقتصاديات أكبر الدول، حيث شمل تقرير الصندوق الأخير عن المملكة العربية السعودية واقتصادها بالتحديد، مواضيع مهمة يجب الوقوف عليها وتحليلها.

ويضيف أ.السفير: "أكد تقرير صندوق النقد الدولي على تعافى الاقتصاد السعودي غير النفطي ونموه، وزيادة الإنفاق الحكومي وسرعة وتيرة الإصلاحات بشكل عام، إضافة إلى تراجع عجز الميزانية وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وكذلك تنمية القطاع المالي وتحسن البيانات الاقتصادية، كما تحدث تقرير صندوق النقد الدولي عن 4 محاور لإصلاح سوق العمل السعودي ولتشجيع السعوديين والسعوديات للعمل بالقطاع الخاص وتحفيز الشركات أيضاً على توظيفهم. أولها محور الحد من إتاحة العمل الحكومي وتقليل جاذبيته؛ كون ذلك سيسهم في استيعاب القطاع الخاص لأكبر عدد من الكوادر البشرية السعودية. والمحور الثاني يتمثل في رفع مستوى التعليم والتدريب والتطوير الوظيفي، حيث يجب التركيز على أهمية إصلاح مخرجات التعليم، والاستثمار بشكل أكبر في التدريب المهني وإكساب المواطنين مهارات أعلى؛ لمحاولة سد فجوة مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. أما المحور الثالث فيتحدد في زيادة حرية الحركة والتنقل للعمالة الوافدة من خلال إصلاح نظام التأشيرات؛ مما سيزيد من كفاءة العمالة الوافدة، وبالتالي تقليل مسافة التكلفة بين المواطنين والمقيمين وهو الأمر الذي عملت عليه الدولة بشكل واضح في الآونة الأخيرة عبر رفع تكاليف ورسوم استقدام العمالة الأجنبية. وفي المحور الرابع تحدًث التقرير عن مواصلة زيادة مشاركة النساء في سوق العمل السعودي، وهو الأمر الذي يشهد نمواً مضطرداً قد يتضاعف مستقبلاً بفعل إتاحة فرص عمل أكبر للنساء في منافذ البيع وقطاع التجزئة بشكل عام، إضافة إلى تطوير الأنظمة التي تُسهٍل عمل المرأة ومحاول تذليل العقبات التي تواجهها، وخاصة تحديات النقل ورعاية الأطفال والتي وضع لها صندوق تنمية الموارد البشرية برامج جيدة، حتى وان لم تحقق الفائدة المرجوة منها بعد، بالإضافة إلى تحفيز ريادة الاعمال النسائية".  

تحقيق إنتاجية

أما عضو هيئة التدريس في جامعة أكسفورد د."كارل فراي"، فقال عن متغيرات سوق العمل الجديدة: "إن ما يقرب من 47% من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية معرّضة للخطر؛ بسبب التقنية، وإن 35٪ من فرص العمل في بريطانيا عرضة للخطر كذلك".

وكشف د."فراي" في دراسة حديثة نشرها الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلى ميل" البريطانية، عن أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يتسبب في اختفاء العشرات من فرص العمل الخاصة بالطبقة الوسطى؛ بسبب التطور التكنولوجي، وأن الوظائف المكتبية الحالية هي عرضة للاستبدال من قبل أجهزة الكمبيوتر بنسبة تصل إلى أكثر من 97٪، وأن الوظائف التي لا تحتاج إلى أي مهارات هي الأكثر عرضة من غيرها للأتمتة على مدى العقود المقبلة، وستؤدي كذلك زيادة كفاءة التقنيات إلى ارتفاع كبير في الطلب على العاملين في مجالات عديدة، مثل تحليل البيانات الضخمة، والأمن الحاسوبي، والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتقنية النانو.

هندسة المستقبل

وفي السياق نفسه يقول رئيس كلية الإمارات للتكنولوجيا الدكتور المهندس عبد الرحيم صابوني: "دول الخليج العربي تستعد للثورة الصناعية الرابعة بمزيد من البرامج والمبادرات الفاعلة لسوق العمل التي تؤهلها للعب دور بارز في التنمية الشاملة على مستوى المنطقة والعالم".

وأشار د.صابوني إلى أن سوق العمل الجديد الناشئ عن الثورة الصناعية الرابعة سيؤدي بحلول عام 2030 إلى توليد 85٪ من الوظائف التي لم يتم اختراعها بعد، مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والواقع المعزز والافتراضي.

وتابع قائلاً: "من المتوقع أن تتسبب الثورة الصناعية الرابعة في تغييرات مزعزعة في مؤسسات التعليم العالي؛ إذ تميل معظم الجامعات ومنظمات التدريب إلى الحفاظ على فلسفة تعليمية مماثلة لتلك الموجودة في مطلع القرن العشرين، وتعتمد على تقديم المحتوى المستند إلى التخصصات، وسيعتمد ضمان جودة توفير التعلم بدرجة أكبر على المخرجات والآثار الاقتصادية، وسيتم قياسه من خلال رضا المستخدمين النهائيين. فالمعيار الجديد هو أن جميع أساليب التعلم الرسمية وغير الرسمية سيتم تقييمها وفقًا لكفاءة مساهمة المتعلمين، حيث ستُمكِّن أطر التعلم الجديدة والمقبولة على نطاق واسع قابلية التنقل بين مختلف التخصصات وعبر مختلف مقدمي التعليم، ولا يمكن الاستغناء عن كثير من التخصصات الجامعية الحالية، لكن الأمر يستدعي إعادة النظر في محتوى مفردات مساقاتها وعملية تدريسها واختيار مراجعها وتوفير المتطلبات المادية من مختبرات ومعامل وتجهيزات وقدرات بشرية، بما يواكب سمة عصرنا الراهن. إلى جانب ذلك يصير لزاماً علينا أن نستحدث تخصصات جديدة يقتضي وجودها التطور المتسارع والحاجة إلى قدرات وكفاءات جديدة، وأن البرامج الأكاديمية الجامعية الجديدة كلها لا بد وأن تخضع إلى المعايير "التقليدية"؛ من أجل الاعتماد الأكاديمي والمهني بأنواعه ودعم سوق العمل بالمهرات الجديدة".

***

إلغاء 75 مليون وظيفة قديمة عام 2022م

ذكرت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية أنه سيتم إلغاء 75 مليون وظيفة قديمة بحلول عام 2022 في أكثر من 20 اقتصادًا رئيسيًا، وفي الوقت نفسه سيمكن للتطورات التكنولوجية اختراع وظائف جديدة مدفوعة بالنمو الكبير في المنتجات والخدمات الحديثة التي ستتيح للناس استخدام الآلات، والخوارزميات؛ لتلبية متطلبات التحولات الديموغرافية، والتغيرات الاقتصادية.

***

فرص عمل جديدة..والثورة الصناعية الرابعة

كشفت تقارير إعلامية عن أن شركات دولية كبرى بدأت تشعر بتأثير الثورة الصناعية الرابعة على قدرات القوى العاملة فيها؛ وعلى طبيعة العمل نفسه، فمثلاً من المتوقع أن تنخفض نسبة ساعات العمل من 71% حالياً إلى 58% بحلول عام 2022م. وبالتزامن مع انخفاض ساعات العمل سيتم خلق فرص عمل جديدة، وهو ما يمثل دافعاً رئيسياً لقسم الموارد البشرية بالشركات الدولية الكبرى؛ لتحفيز الابتكار، وسرعة دمج الشركات بالمسار التكنولوجي، فضلاً عن زيادة قدرات العاملين بها وعدم تخلفهم عن ركب الثورة الصناعية الرابعة.

***

وظائف المستقبل: العلوم والتكنولوجيا والرياضيات

تشير بعض الدراسات المتخصصة التي قامت بها شركة "يونيليفر"، و"ويلز تاورز واتسون"، إلى أن أغلب وظائف المستقبل ستكون في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، والإبداع، والذكاء العاطفي، واقتصاد الرعاية، وعمال الترفيه، والبيانات والذكاء الاصطناعي، وأخصائي الذكاء الاصطناعي، وعالم بيانات، وأخصائي تحليلات، ومطور ذكاء الأعمال، والهندسة والحوسبة السحابية.

***

أهم مهارات جديدة يبحث عنها أصحاب العمل

في سوق العمل الدولي الجديد يبرز عدد من المهارات الجديدة التي يطلبها أصحاب العمل، مثل التواصل الجيد باللغتين العربية والإنجليزية، والمهارات التحليلية والبحثية والفكرية، والرغبة في التعلّم وإجراء الأبحاث اللازمة، والمرونة والقدرة على إدارة الأولويات، والمهارات الشخصية وإقامة علاقات جيدة، والمهارات القيادية والسلوك الإيجابي، والتخطيط والتنظيم والالتزام بالمواعيد النهائية، ومعرفة الثقافات والتكيّف مع الجنسيات المختلفة، والقدرة على حل المشكلات، والعمل بفعالية ضمن فريق العمل.

***

المرأة وسوق العمل السعودي..تحديات وتطورات كبيرة

أشارت بعض الدراسات المحلية إلى أنه في ظل التغييرات التي تشهدها المملكة في مجال تمكين المرأة السعودية، وتعزيز الدور الإيجابي لها في المجتمع، يشهد سوق العمل السعودي تحديات وتطورات كبيرة، من حيث توفّر وظائف جديدة للنساء الحاصلات على تعليم عالي المستوى، ويملكن مهارات جديدة تلبي متطلبات سوق العمل بنجاح.

​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة