تاج الإدارة..ودفائن المعرفة !!

​​​• فاتحة كالخاتمة:


جاءت أزمة "كورونا" لتخبرنا كيف يجب نغسل أيدينا؛ لم تكن هذه الأزمة مجرد جائحة عالمية، بل أثراً ثقافياً عميقاً؛ حيث أنجزت خلال هذه الفترة الوجيزة العديد من المعارف والعلوم، وتركت الكثير من الآثار النفسية والثقافية وحتى السلوكية التي ربما تعجز عن إحداثها مراكز الحضارة والعلوم كالجامعات وسواها، وحتى الفلاسفة وقادة الفكر الثقافي في العالم. باختصار شديد، كورونا أخذتنا باتجاه المستقبل وبسرعة مذهلة وكأننا نعود معها وبها إلى شيء كنا قد فقدناه، حتى أصبحت كورونا معادلاً معرفياً للعام 2020م الذي سيقترن اسمه بها على مر التاريخ.

وحين جئت أكتب لكم هنا معلومات عن "كورونا"-كتمهيد لهذا المقال-خالطني شعور الخجل؛ من حجم الانفجار المعلوماتي الذي خلفته كورونا لديكم !! وتذكرت قول الشاعر العربي المشهور: "ما أَرانا نَقولُ إِلّا رَجيعاً     وَمُعاداً مِن قَولِنا مَكرورا"

لكن الثابت عندي أن "كورونا" قد أدخلتنا في حالة درامية لا تخلو من الرعب والغرابة التي كانت بدايتها تسميته "بالتاج" الذي يجوس خلال الديار ليجبر العالم على ارتدائه، وكأنها حالة من الفخر التي يجب علينا أن نعيشها رغماً عنا. ثم لا أدري لماذا تذكرت الأوامر العسكرية المستبدة التي يمارسها الضباط نكاية بالطلاب المستجدين في المدرسة العسكرية، فتخيلت "كورونا" وقد أوقفت العالم على ساق واحدة، في ساحة واحدة، وهي تردد بصوت عالٍ:

لليمييييييين دُر، واحد اثنين ثلاثة أربع. لليساااااار دُر، واحد اثنين ثلاثة أربع.  مكاناااااااااك سِرْ!!

وظل العالم يُطيع كورونا ويسير مراوحاً في مكانة في حالة درامية.

وقد جاءت كورونا لتمحص القيم والمعارف والإيمانيات، والولاءات، والعلاقات. لقد جاءت كورونا لتمحصنا بكل تفاصيلنا. جاءت كورونا لتكشف لنا رخاوة الاستعدادات الفكرية، وعجز وتخلف تقنية البنية التحتية لدى كثير من الدول. جاءت كورونا لتكشف لي-على الأقل-أن الأسرة ليست جاهزة لتكون البيئة الافتراضية البديلة للتعليم الرسمي.

لقد جاءت كورونا لتلقي بأردية المعرفة وملابس العلم خارج أجسادنا، وتصنع المزيد من المرايا حولنا وتجبرنا في كل صباح على النظر في عوراتنا الثقافية العالمية، والتي لن يكون آخرها فن "التنابز بالألقاب" بين أمريكا التي تصف كورونا "بالوباء الصيني"، وبين الصين التي تدفعه عنها وكأنه عورة لا تليق بحضارة الخفافيش.

كورونا في الحقيقة هي فرط من "تحدي المعرفة" التي نلاحقها وتلاحقنا، وهي "تاج الإدارة" التي نلتمسها ونحاول ممارستها بتحضر للخروج من ربقة الأزمة، محاولين إسقاط التاج المرصع بجواهر المعاناة، وزمرد الرعب، وياقوت الخسائر المفجعة في الأموال والأنفس والثمرات، ونلقيه على الأرض.

كورونا أجبرتنا رغم أنوفنا على الاستيقاظ كل صباح لقراءة الواقع الذي لا يليق بنا، وتحليله في حينه، بل يجب أن نترك للتاريخ حرية الكتابة عنه والحكم عليه؛ ليكشف للأجيال اللاحقة سر المراحل، وخفايا الأحداث.

اعذريني يا "كورونا" فلم ولن أفيك حقك، ولن استمر في الكتابة عنك؛ حتى تتوقفي عن إخراج المزيد من "دفائن" المعرفة لديك، والتي تستخرجينها لنا كل صباح من صناديق السياسة والاقتصاد، والتي لا تزالين تخبئينها للعالم.

• خاتمة كالفاتحة:

شكراً " كورونا"؛ فقد نجحت في نقلنا وبسرعة الضوء صوب المستقبل، على الأقل على مستوى اليقين، بأن واقعنا لايزال متخلفاً، وأقل من أن يحقق "طموحات وسائدنا الكسولة" في كل مساء.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة