د.محمد دليم القحطاني:السعودية تمهد لتشكيل تكتل "الثلاثة الكبار"وستطلق مفاجآت قريبة في الطاقة

​​أكد الخبير والمحلل الاقتصادي وأستاذ الإدارة الدولية والمشاريع في جامعة الملك فيصل د.محمد دليم القحطاني أن 92% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تأثرت تأثراً كبيراً جراء جائحة كورونا. وأشار إلى أن قطاع الأعمال السعودي يحتاج إلى عام ونصف العام لكي يعود إلى كفاءته المعهودة. وأوضح أن المملكة لديها مفاجآت في مجال الطاقة ستطلقها في المستقبل القريب، وستكون عوائدها مثمرة للمملكة والشرق الأوسط والعالم بأكمله.

عام ونصف

  • ما أهم القطاعات الرابحة والخاسرة في أزمة فيروس كورونا؟

جائحة كورونا كانت مفاجئة لجميع القطاعات وهناك الكثير من هذه القطاعات التي تأثرت بهذه الجائحة، وأهمها قطاع التجزئة، والقطاع الصناعي، وقطاع الخدمات، وقطاع النقل. فقد تأثرت هذه القطاعات بالجائحة بنسب متفاوتة، أما القطاعات التي تعززت بسبب هذه الجائحة فأهمها القطاع الطبي، والقطاع التقني، والقطاع الزراعي، وقطاع التأمين.

وما يهمنا أكثر في ظروف الجائحة هو المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ فقد أشارت بعض الدراسات الدولية إلى أن 92% من شريحة هذه المنشآت تأثرت تأثراً كبيراً جراء جائحة كورونا.

  • برأيك، ما المدى الزمني لتعافي الشركات السعودية من تداعيات أزمة كورونا؟

في إطار دراسة أُجريت على المهتمين بالأعمال؛ طُبقت استبانة على أكثر من 1300 مستجيب من بينهم. أفادوا بأن ستة أشهر كفيلة بأن يعود قطاع الأعمال السعودي إلى وضعه الذي كان قبل جائحة كورونا. لكنني أرى أن قطاع الأعمال السعودي يحتاج إلى عام ونصف العام (أي بنهاية 2021)؛ لكي يعود القطاع الخاص السعودي إلى كفاءته المعهودة.

  • هل تم استحداث نموذج اقتصادي جديد عقب أزمة كورونا؟

حقيقة تقوم الأعمال بشكل مستمر بإعادة تشكيل نفسها، حيث يجبرها الزمن على التغير والتطور مع الوقت. وفي ظل ظروف جائحة كورونا يتشكل نموذج اقتصادي جديد سيغير الكثير من المفاهيم الاقتصادية المتعارف عليها، وسيسهم في تغيير الكثير من النظم والنظريات الاقتصادية التي كانت تدرس. وأعتقد أنه ستتشكل وجهة اقتصادية جديدة؛ ستقودها التقنية وفكر القيادة اللحظية.

القيادة اللحظية

  • هل لك أن تطلعنا على مفهوم القيادة اللحظية؟

مفهوم القيادة اللحظية قمت بإطلاقه لأول مرة في العالم عام 2012م، وهو أسلوب إداري حديث مبتكر تصنعه الأزمات والمواقف والظروف. ويقوم على فطنة القائد الإداري التي غالبا ما تكون قراراته لحظية تغير مجرى الأمور والأعمال لما فيه صالح الفرد والمنظمة والمجتمع. إذاً فقائد اللحظة يجب أن يؤمن بأن جميع اللحظات في حياته العملية كلها إيجابية ويمكن تحويلها إلى فرص، ومن ثم إلى مبادرات. وعليه ألا يعترف باليأس ويتسلح بسلاح المعرفة التي ستجعل منه قائداً ملهماً لأتباعه وأعضاء فريقه.

  • ما المقصود بأعمال الـ"فرنشايز"؟

بداية الـ"فرنشايز" هو ذلك النشاط التجاري المتميز الذي يقدم مُنتجاً أو خدمةً للآخرين، يستشعر ويتلمس معها المستثمر انفرادية من حيث الذوق والارتياح النفسي والخدمة العالية والسعر المنافس والموقع الإستراتيجي؛ كي يأتي بعد ذلك ما يُعرف بفضول استنساخ هذه التجربة الفريدة في أماكن متعددة من العالم محلياً وعالمياً.

الـ"فرنشايز"

  • ما أهم نماذج الـ"فرنشايز" على المستوى السعودي؟

تعد السوق السعودي أفضل سوق في الشرق الأوسط في مجال الـ"فرنشايز". فمنذ السبعينيات والمملكة العربية السعودية تؤمن بقوة الـ"فرنشايز" وكذلك النظم المبنية على هذا القطاع المهم؛ ولهذا كانت هناك فرصة جيدة لقطاع التجزئة في السعودية أن يحاكي هذا النظام الجديد الذي يقوم على التشغيل السليم والأداء العالي وكذلك الضبط الإداري والتقني والفني.

والسعودية كانت سبًاقة في هذا المجال، فقد كانت المرحلة الماضية بلا شك هي مرحلة نهضة شاملة في السعودية على كافة المستويات الصناعية والتجارية والزراعية؛ ولهذا لم يكن هناك مجال للاهتمام بمجال الـ"فرنشايز" الذي شهد اجتهادات كثيرة. وكان هناك سِباق في العالم العربي للاستفادة من السوق السعودي الذي أصبح وجهتهم المفضلة؛ فقد أسهم السوق السعودي في خلق "برندات" عربية أصبح لها تواجد كبير في السوق السعودية وفي العالم العربي فيما بعد.

ولكن الآن ستتعزز قيمة الـ"فرنشايز"، خاصة إذا عرفنا أن جودة الأعمال لا تأتى إلا من خلال تراكم الخبرات. والآن صدرت لائحة نظام الـ"فرنشايز" في المملكة العربية السعودية، ونحن فخورين بأن السعودية هي أول دولة عربية تُصدر لائحة بشكل واضح ودقيق تنظم الـ"فرنشايز" وتقوم على الإفصاح المالي والشفافية وضمان حقوق جميع الأطراف سواء كان المانحون أو الممنوحون. وبالتالي فإن الـ"فرنشايز" السعودي قادم في ثوبه جديد.

4 مكونات

  • ما أهم الاتجاهات الحديثة في إدارة المشاريع؟

حقيقة كنا ننفذ إدارة المشاريع، ولكن كان ذلك لقطاع معين من بين الشركات السعودية الكبيرة، ولكن عندما تولى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان-يحفظه الله-ولاية العهد أصبحت إدارة المشاريع مطلباً أساسياً لكافة المشاريع سواء الصغيرة أو الكبيرة.

وتقوم إدارة المشاريع الحديثة على فلسفة القياس والأداء الكفء ومراعاة المؤشر الدولي. إذن فهناك قياس وأداء ومؤشر وهناك كذلك الربحية، وهذه المكونات الأربعة هي التي تشكل إدارة المشاريع السعودية.

  • ما مدى تبني الاتجاهات الحديثة في إدارة المشاريع في السعودية؟

حدث تطور كبير في التنمية الإدارية في السعودية، وما يحدث حالياً في المملكة هو مواكبة النظريات الحديثة في عالم الإدارة. فقد أصبحت الإدارات الحكومية في المملكة تنافس القطاع الخاص من حيث ضبط بوصلة العملية الإدارية الحديثة بشكل حديث؛ يمنع تأخر القرار ويشجع القرار الإستراتيجي واختيار البديل الأمثل ورفع كفاءة العاملين واستغلال الطاقة المثلى للعاملين ومنع هدر الأموال ومنع خسارة المواد الخام. وكل هذا جاء في الفكر الإداري الجديد الذي بدأ يطبق في أعلى سلم الهرم السعودي وحتى المستويات الدنيا.

                                                نهضة علمية                                   

  • ما مدى وجود تراكم معرفي كبير في مجال إدارة الأعمال عن بُعد؟

يوجد تراكم معرفي كبير في مجال إدارة الأعمال عن بُعد، وحقيقة كانت المملكة سبًاقة في الانفتاح العلمي الكبير على دول العالم؛ ولهذا حدثت نهضة علمية كبيرة في المملكة. فحالياً الطالب السعودي يستطيع أن ينهل من العلوم وأن يعقد مقارنات بين ما لديه من العلوم في المملكة وبين ما تمتلكه الدول المتقدمة من هذه العلوم. ومن هنا يأتي الفضول للتغيير والتطور والمحاكاة وهذا هو الأجمل. وما يمثل البنية التحتية التي أسستها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود-يحفظه الله-للاستثمار في البنى التحتية التقنية وفتح مجال العمل مع الآخرين؛ ولذلك فمن الطبيعي أن يتمخض كل ذلك عن نهضة علمية أساسها المعرفة والابتكار والابداع.

  • ما مدى مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة؟

زادت مساهمة القطاع الخاص السعودي في الناتج المحلي الإجمالي، والآن مع انخفاض أسعار النفط، ومع تأثر الاقتصاد العالمي، ونتيجة لظروف جائحة كورونا؛ فقد أصبحنا نواجه في هذا الوقت تحدياً لتقليل الاعتماد على النفط وفتح المجال للقطاع الخاص. ولهذا لم نتأثر كثيراً بهذه الجائحة؛ فمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي تتعدى 35% وهي نسبة رائعة. ويمهد ذلك لتحقيق ما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من أننا بحلول عام 2030م؛ ستصبح مساهمة القطاع النفطي لا تتعدى 30%، والباقي سيكون على عاتق القطاع غير النفطي.

تكتل جديد

  • كيف ترى الدور السعودي في إدارة أسعار النفط العالمية؟

نجحت المملكة العربية السعودية في التمهيد لتشكيل تكتل جديد حسبما أطْلَقْتُ عليه الثلاثة الكبار (Big Three) في الإنتاج النفطي. فبدأت السعودية-وهي على رأس أوبك-في إقناع الشريك الروسي بالانضمام إلى فلسفة أوبك النفطية التي تقوم على السعر العادل والإمداد المستمر والإنتاج المرضي للجميع، كما نجحت في إشراك عملاق نفطي جديد وهو الولايات المتحدة الأمريكية كي تنضم إلى هذا التوجه. ومن الملاحظ أن أسعار النفط حالياً تعاود الارتفاع، بالرغم من تأثر الاقتصاد العالمي واستمرار جائحة كورونا. وأعتقد أن المملكة لديها مفاجآت في مجال الطاقة ستطلقها في المستقبل القريب، وستكون عوائدها مثمرة للمملكة والشرق الأوسط والعالم بأكمله.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة