شبح ازمة كورونا: استراتيجيات ادارية وقائية

مرت الكثير من دول العالم بالعديد من الأزمات المالية والاقتصادية، إلا أنه خلال العام الحالي شهد عالمنا أزمة فتاكة، ليست بمالية ولا اقتصادية هي أزمة كورونا؛ التي أدت إلى صراعات اقتصادية سياسية اجتماعية إنسانية وصحية عالمية، وتراجع كبير-غير مسبوق-في معدل نمو الاقتصاد العالمي. ففي نهاية عام 2019م أعلنت منظمة الصحة العالمية عن شبح فيروس كورونا التاجي والمعروف عالمياً بـ (COVID-19)، وهو حدث استثنائي يشكل تهديداً كبيرًا للعديد من الدول والمنظمات. وبما أننا نعيش في عصر العولمة، فالعديد من أصحاب العمل الذين لديهم مصالح في الخارج؛ قد تأثروا بشكل مباشر وغير مباشر بالأزمة، ومن المرجح أن يسبب الفيروس اضطرابات مع الموردين والعملاء، وفي وسائل النقل العام والأحداث الاجتماعية والرياضية، وتسبب أيضاً في إغلاق المؤسسات التعليمية وغيرها. في هذا المقال سيتم تسليط الضوء على صراع الشركات في مواجهة هذه الأزمة من خلال الإستراتيجيات الإدارية والاحتياطات الاحترازية الوقائية، والتدابير المهمة في بيئة العمل؛ للحد منها، ومن أهم هذه الإستراتيجيات ما يلي:

1- مواكبة توجيهات الحكومة ووزارة الصحة في إتباع الارشادات والاحتياطات الاحترازية؛ لمنع انتشار الفيروس، كالحد من السفر أو المشاركة في الندوات والمؤتمرات الدولية في البلدان المتأثرة التي تعاني من انتشاره، وإتباع نصائح وزارة الصحة والمشورة الطبية عن كثب بما يجب فعله إذا اعتقدوا أن أحد الموظفين قد أصيب بالفيروس، أو كانوا عرضة لخطر الإصابة به، وإحالة الموظفين المصابين بالفيروس إلى المراكز الصحية الوطنية كوسيلة أساسية لاحتواء انتشار الفيروس. وفي حالة إذا سافر أحدهم إلى الخارج، خاصة للدول المصابة بالفيروس أو كانوا على اتصال وثيق مع شخص زار المنطقة المتأثرة بالفيروس؛ فإن ذلك يتطلب إجراء فحص طبي لهم ولأفراد أُسَرِهم مع بقاءهم في المنزل خلال فترة حضانة الفيروس التي تصل إلى 14 يومًا بشكل عام. حتى لو بدت حالاتهم الصحية جيدة.

2- إتباع الطرق والإرشادات الوقائية للحد من انتشار الفيروس في بيئة العمل، وذلك من خلال التوعية والإرشاد للموظفين نحو الالتزام بالنظافة الشخصية، مثل غسل اليدين وتعقيمها بشكل منتظم، وارتداء الكمامات الصحية عند الحاجة، والتأكد من نظافة وصحة مكان العمل.

3- إعداد خطة طوارئ وتشكيل فريق مختص يقوم بتقييم التأثيرات الحالية في العمل، وتحديد المخاطر المحتملة؛ نتيجة تعطل الأعمال بسبب الفيروس، وأن يجتمع الفريق بانتظام لمراجعة الاستعدادات والاحتياطات، واتخاذ إجراءات استباقية لحماية الموظفين والحد من انتشار الفيروس.

4- بناء جاهزية تقنية عالية المستوى وتبني ثقافة العمل المرن من خلال تفعيل نظام العمل عن بُعد والحد من الاتصال الشخصي كإجراء وقائي، ومن جهة أخرى تجنب تعطل العمل. وما يسهم في نجاح التحول في طبيعة العمل هو أن يكون المديرون مستعدين لتحديد الموارد والأدوات التي يحتاجونها لإنجاح هذا التحول، واجتماعهم مع الموظفين؛ من أجل التعرف على مسؤولياتهم اليومية، وتحديد ما يمكن القيام به عن بُعد، كعقد المؤتمرات والاجتماعات والتدريب عن بُعد، واستخدام الخدمة الذاتية عبر الإنترنت، خاصة لدى المؤسسات التي تتعامل مع العملاء، وهو ما يتطلب أيضاً توفير أجهزة الحاسب المحمول للموظفين؛ حتى يتمكنوا من العمل عن بُعد إذا لزم الأمر. ومن جانب آخر، تشجيع الموظفين على تحديد احتياجاتهم وما يخدمهم بشكل أفضل؛ كي يقوموا بتطوير خطط أعمالهم بشكل مستمر، مع الأخذ بعين الاعتبار إغلاق المؤسسات التعليمية، وخاصة قطاع المدارس الذي له أثر كبير على ممارسة الحياة اليومية للموظفين؛ مما يتطلب ممارسات مرنة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة.

5- تفعيل دور التواصل الداخلي في نشر الطمأنينة بين الموظفين والتغلب على مخاوفهم بشأن الإصابة بالفيروس، وذلك من خلال تزويدهم بالنصائح والتوجيهات؛ لضمان شعورهم بالأمان في عملهم، وعدم القلق من خطر العدوى، وتوضيح خدمات التأمين والرعاية الصحية، وتحديد ما سيتم تغطيته من التأمين.

6- المرونة في هيكل التعويضات والإجازات، أي يجب التأكد من أن جميع الموظفين بمن فيهم المديرين، يفهمون سياسات الأجور والإجازات المدفوعة وغير المدفوعة في حالة حدوث الإصابة والتعرض للحجر الصحي أو العمل من المنزل من باب الوقاية، بالإضافة إلى إبلاغ المديرين بانتظام بخطط الطوارئ وكيفية مناقشة الموقف مع الموظفين، وتقديم المزيد من النصائح. ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة استشارات امريكية على مجموعة من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة خلال الفترة 13-20 فبراير 2020م؛ توصلت إلى أن 68% من أرباب العمل سوف يقومون بدفع رواتب للموظفين طالما استمروا في الحجر الصحي، حتى إذا لم يظهر عليهم أي أعراض، ولم يتمكنوا من العمل من المنزل بسبب طبيعة وظيفتهم، وقال 12% منهم إنهم سيدفعون مبلغاً محدداً مقابل الفترة المحددة، مثل أسبوعين، وذكرت 20٪ من الشركات أنها لم تتخذ قرارًا بشأن ذلك. وقد أشار خبراء الموارد البشرية إلى أن هذا يعتمد غالبًا على سياسات وأنظمة الشركات؛ لأنه لا يوجد قانون ينص على توفير إجازة مرضية مدفوعة الأجر، لكن مقدار هذه الإجازة سوف يختلف باختلاف حجم العمل والمدة.

وفي الختام، يحدد هذا المقال ما يجب على المنظمات أن تخطط وتستعد لمواجهة تلك الأزمة من خلال تبني ممارسات العمل الوقائية والمرنة وتجنب تعطل العمل. ومع ذلك، يجب على الحكومات وأرباب العمل والموظفين أن يكونوا مستعدين لاتخاذ خطوات استثنائية لمنع انتشار الفيروس، وقد تحتاج المنظمات إلى إلقاء نظرة إستراتيجية وقائية على أن الإغلاق المؤقت سيكون أقل تكلفة بكثير مما لو كان هناك مرض ينتشر في مكان العمل؛ بناء على تقرير قسم الاستعداد العالمي للأخطار المعدية بمنظمة الصحة العالمية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة