أنا و"بديع مسعود"!

بداية اعلم أنه لا أحد يعرف من هو بديع مسعود سوى مدربي ومدربات قطاع السلوك التنظيمي؛ لذا سأشرح لكم من هو "بديع مسعود". هو إحدى شخصيات حالة دراسية موجودة في برامج قطاع السلوك التنظيمي عرفتها منذ زمن بعيد. لذا فبديع رافقنا في الكثير من البرامج حتى أنني أصبت بحالة، لا أدري إن كنت اسميها "الزهق"، أو غيرها. لكن كل ما عرفه أنني أصبحت لا أطيق هذه الحالة تحديداً..وحين اطلب من المتدربات أن يقمن بقراءة الحالة والإجابة على الأسئلة، كنت أقول في نفسي "يقطعها من حالة " !! وأحاول جاهدة ألا اظهر للمتدربات مدى نفوري من هذه الحالة.

وحين صدر قرار ابتعاثي إلى بريطانيا قلت في نفسي حين أعود-إن شاء الله-سيكون أحد الأهداف التي سأقوم بها أن ألغي حالة "بديع مسعود"، وسأبذل جهدي لكتابة حالة أفضل منها وسأقترحها على القطاع على أمل أن نخلص من حالة بديع إلى الأبد.

وعدت نفسي بذلك وظننتني فاعله لا محالة....

إلى أن وصلت اختبار السنة الثانية من مرحلة الدكتوراه؛ حيث كان هناك اختبار سنوياً لطلاب الدكتوراه في جامعتنا. يتم من خلال جزأين تقديم جزء محدد من الرسالة، ثم تعقد لجنة معينه تقوم بمناقشة الطالب/ الطالبة بمشروع الدكتوراه المكتوب، وبعدها تصدر قرار بنجاح الطالب بشكل كامل أو نجاحه المشروط بتعديل معين وإعادة كتابة جزء معين ...

ما حدث في السنة الثانية كان مروعاً، إذ كانوا غلباً يقومون بتحديد مواعيد لاختبار الطلاب، حيث تكون مجموعة في يوم محدد بأوقات مختلفة...

وكنا نجلس في هذا اليوم كمجموعة في انتظار أن يتم استدعاء كل طالب، وبعدها يخرج من الاختبار. ولأننا نعيش نفس ظروف الخوف والقلق؛ فقد كنا نعيش التعاطف الكامل مع كل طالب يدخل إلى الاختبار. فكنا ننتظر من يخرج ونهمس له ماذا حدث. في حين أننا كنا نستطيع أن نخمن نتيجة كل شخص من تعبير وجهه ولغة جسده التي إما تظهر فرحاً غامراً، أو احباطاً لا حدود له. فكان  من لا يحالفه الحظ وينجح بشروط  مكفهراً مصفر الوجه....

في ذلك اليوم حدث ما هو أشنع من ذلك ونحن ننتظر أدوارنا في الدخول للجنة الممتحنة، فقد خرجت إحدى الزميلات تبكي بهستيريا أصابتني بالصدمة والذهول؛ لأنه ولأول مرة أرى أحداً يخرج من لجنة الامتحان بهذا الشكل الغريب، وسألت بقية الزملاء: لماذا تبكي بهذا الشكل !! فقال أحدهم يبدو أنهم حولوها "امفل" !!!!

وكانت المرة الأولى التي اسمع فيها قصة "الامفل" هذه؛ لذلك استفسرت عن ماهيته فأخبروني أنه برنامج للدكتوراه غير فلسفي، بل وظيفي. حتى أن زميلاً آخر علق قائلاً: يعني بالعربي دكتوراه أي كلام. الله لا يكتبها علينا.

فذهبت كالأطفال بل كالمجانين إلى مشرفي لأساله وكان يأكل. قلت له عما سمعته وعن قضية التحويل لهذا البرنامج الغريب. قال نعم يحدث أن يتم تحويل بعض الطلاب إلى هذا البرنامج، ثم سألته: هل هناك احتمال أن يتم تحويلي أنا لهذا البرنامج ؟؟ قال محتمل إذا لم تتمكني من الدفاع عن مشروعك بطريقة تقنع اللجنة. كان يخبرني بهذا الأمر الذي كان كالصاعقة، وكنت داخل نفسي أصرخ كيف له أن يقول لي ذلك وهو يأكل !!

عدت بانتظار الدخول إلى اللجنة، وكانت مدة الانتظار ساعة كاملة. أستطيع الادعاء أنها كانت أسوأ ساعة مرت في حياتي. تذكرت وقتها مقولة عادل إمام حين كان يؤدي دور "سرحان عبدالبصير" في مسرحية "شاهد مشفش حاجة"، وهو يقول: "حايبقى إيه موقفك من الأمم المتحدة". لأول مرة أعيش تلك المقولة بشكل حقيقي ومرعب. فعلا: "حايبقى إيه موقفي قدام معهد الإدارة العامة لو تم تحويلي لهذا البرنامج". ولم احتمل الفكرة؛ فقمت بالاتصال بأخي وقلت: ترى لو تم تحويلي، ترى أيهما أفضل أقدم استقالة أو أطلب تقاعد ؟؟

ولأن صوتي مرتفعاً فلا أستطيع أن اخفضه، فقد رأيت وجوه الزملاء والزميلات وهم ينظرون لبعضهم، وأنهيت المكالمة. وبقيت أحدث نفسي بهذا الاحتمال المخيف وماذا على أن افعل. وعشت التيه الكامل وخطوط الزمن تلعب برأسي، حتى انتهيت إلى محطة "بديع مسعود" قبل دخولي اللجنة بدقيقة واحدة، ووبخت نفسي على قراري أن ألغي الحالة: "شاطره تلغين بديع مسعود!! انجحي بالاختبار بعدين تكلمي على "بديع مسعود" وغيره" !!!! واقسمت إن خرجت من هذه اللجنة بسلام دون أن يتم تحويلي؛ لأبقين على "بديع مسعود" ما حييت حتى لو تم إلغاؤه من قبل المعهد. ​

​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة