الإعلام السعودي ورؤية 2030..الواقع والتحديات
  • ​د.عيسى الغيث: ما يزال الطموح عالياً في أن يصنع الإعلام السعودي الأحداث ولا يكتفي بالتعليق عليها فقط
  •  د.سعد العجمي: المشكلة الأساسية تكمن في الإدارة وبعض التقنية المتطورة أكملت الإسفاف والخواء الفكري
  • أ.سمير عطالله: الإعلام الحديث ليس أداة معرفية تنقل الأخبار فقط بل أداة فعالة لتشكيل السلوك والتغيير
  • أ.سلطان البازعي: الضرورة تستدعي العمل على إعادة صياغة مكونات الإعلام السعودي وفق رؤية جديدة
  • أ.سوسن الشاعر: لابد من وجود استراتيجية لاستثمار القيادات الإعلامية والاستفادة من التخطيط والتدريب
  •  د.علي الموسى: المهنية أمر لم نتقنه في صناعة الإعلام السعودي واليوم لا مكان لغير المؤهلين مهنياً

 

تعد المملكة العربية السعودية من الدول المهمة على الصعيد العالمي في مختلف المجالات، ولها مكانتها الدولية والدبلوماسية كواحدة من دول المنظومة الاقتصادية العالمية ومجموعة العشرين، وتملك رؤية المملكة 2030 الطموحة. فهل يتناسب حجم ودور إعلامها داخلياً وخارجياً مع واقعها وطموحاتها؟ وهل الإعلام السعودي مؤثر في الرأي العام المحلي والخارجي، أم يتطلب الأمر إعادة صياغة اعلامها بشكل مهني واحترافي يخدم قضايا الوطن؟ وإلى اي مدى ظل الإعلام السعودي يراوح مكانه في حين أصبح المتلقي يتجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي من أجل استقاء المعلومة؟ تساؤلات حاولنا الإجابة عليها بلقاء عدد من المتخصصين في الإعلام وممارسيه ممن شاركوا في جلسات منتدى الإعلام السعودي الذي اختتم مؤخراً في الرياض.

النجاح الحقيقي

في السياق ذاته أكد وزير الإعلام، تركي الشبانة، في افتتاح منتدى الإعلام السعودي على أن النجاح الحقيقي في الإعلام يبدأ على المستوى المحلي، وأن هناك نقلة نوعية في تطوير القنوات لتكون ممثلة للمملكة العربية السعودية ورؤية 2030 وسيتم دعم المؤسسات الإعلامية، والمواهب الإعلامية السعودية.

تاريخ عريق

وعن واقع الإعلام السعودي ومدى مواكبته لرؤية المملكة 2030، يرى د.عيسى الغيث، عضو مجلس الشورى، أن الإعلام السعودي يستمد قوته من مواقف المملكة، ومكتسباتها، ورغم أن عمره تجاوز الـ 95 عاماً منذ ظهور جريدة "أم القرى" عام 1924م إلا أن الكهولة لم تصب مفاصله، وحافظ على رشاقته بشكل متوازٍ مع تطور المملكة، وما يزال الطموح عالياً في أن يصنع الاعلام السعودي بمختلف وسائله الحدث ولا يكتفي بالتعليق عليه، وأن يتجاوز بعض تقاليده الإعلامية القديمة وأولوياته؛ فلابد من تطور.

ويقول د.الغيث: "هذه البلاد الحاضرةُ إعلامياً لديها معرفة دقيقة بما تريد إيصاله، وبناء استراتيجيةٍ لفعلها الإعلامي تتم مراجعتها وتجويدها دورياً، مع استخدام النفَس الطويل والتكثيف المتنوع للرسالة الإعلامية، ومعرفة جمهورها المستهدف ورسائلها للداخل، تختلف عن مضامين ما توجههُ للخارج دون تناقض".

ويتابع: "أتت النجاحات التي حققها الإعلام السعودي الرسمي في فتراته الذهبية المبكرة؛ نتيجة وجود كفاءات وطنية جمعت بين الحماسة والتدريب الجيد، لكن خسر الإعلام الرسمي عدداً من قياداته الناجحة، وانحسرت مشاركات المثقفين في وسائل الإعلام، وانكمشت برامج التدريب، وتقلص الإنتاج المحلي بدخول شركات إنتاج لا تخدم إلا مصالحها، وكان من نتائج هذه الأوضاع المتراكمة، سطحية في الأداء المهني، وضعف في العرض، وضحالة في المضمون، وغياب ملحوظ في التدريب، وفي عدم تعويض الكفاءات المتسربة بمثلها أو بأفضل، وعندما تفقد الوسيلة الإعلامية جاذبيتها وتأثيرها تخسر أهم أسباب البقاء، ألا وهو تعلق المتابع وارتباطه بها، وهي لا يمكن أن تستعيد مكانتها إلا عبر جهد أصيل، يسبقه تشخيص واقعي، ورغبة صادقة في إثبات الوجود وإعادة هيكلة لتطور الإعلام السعودي؛ من أجل النهوض مع التنمية الشاملة التي تتوافق مع رؤية المملكة 2030 .

أداة فعالة

وفي السياق ذاته يقول أ.سمير عطالله، الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط، ورئيس تحرير صحيفة "الصياد" و"الأسبوع العربي" سابقاً: "عندما تمتلك الإعلام القوي فأنت تستطيع التأثير داخلياً، وخارجياً. والإعلام الحديث يتخذ منعطفاً مهماً في نقل الأحداث، والتأثير على عقلية الأفراد ليصل إلى تشكيل نمط حياتهم، وهو ليس أداة معرفية تنقل الأخبار أو أداة تواصل، وإنما هو أداة فعالة في تشكيل السلوك والتغيير، وتحديات الرسالة الإعلامية كبيرة في ظل هذا التطور المذهل، وفي عصر تكنولوجيا الاتصال، والمعرفة الرقمية، وفي ظل الإعلام الرقمي التفاعلي وتقارب المسافات الزمانية والمكانية".

ويضيف: "المملكة رائدةً إعلامياً، حتى مع ظهور الإعلام الجديد بقوة في السنوات القليلة الماضية، كمنافس قوي لوسائل الإعلام التقليدية بالطبع، ولم يعد بالمقدور التحكم بما يصدر عنه من فكر، أو السيطرة على مدخلاته ومخرجاته، ومن اليسير على أي ناقد إعلامي أن يرصد ضعف الاحتراف المهني بمختلف صوره، في مقابل انبهار واضح بما تمتاز به وسائل إعلام منافسة من مهنية عالية، ولا يمكن أن نفصل بين تطور الإعلام الخارجي عن تطوير الإعلام بشكل عام من حيث الفكر والاحترافية، والخطط والكوادر النوعية، والتحديث المستمر، ومن الضرورة القصوى توفير "بنك" أو قاعدة مواد إعلامية نوعية موجزة تبرز التحولات الحضارية بالأرقام والصور الحديثة والعمل على تحديث هذه المواد بشكل دوري على أن تكون متاحة للجميع".

واقع الإعلام السعودي

ومن جانبه يؤكد أ.سلطان البازعي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم" سابقاً، رئيس أمناء الشبكة العربية للتواصل والعلاقات العامة، المستشار بوزارة الثقافة، أننا حين نستعرض واقع الإعلام السعودي ووسائله وأدواته نجد أنه غير قادر على مواكبة الدور المتعاظم للمملكة كدولة ذات مكانة كبيرة سياسياً، واقتصادياً، وطرفا فاعلاً في مجريات الأحداث الدائرة على الساحتين الإقليمية والدولية، وذات رؤية 2030 المهمة، ففي حين تجند كثير من الدول جيوش آلتها الإعلامية للدفاع عن حقوقها وخدمة قضاياها، يظل الاعلام السعودي غير مواكب لهذا الدور، وهذه المكانة؛ مما يفرض علينا أن نطرح علامة استفهام حول هذا الواقع، وفي وقت لا نزال نتعامل فيه على استحياء مع قضايانا بدون آلية ورؤية إعلامية واضحة وممنهجة، وبدون استراتيجية عملية، تتحرك الآلة الإعلامية المعادية في الساحة بدون مواجهة فاعلة ومؤثرة من إعلامنا، مما سمح أيضاً أن يتكون لدى الرأي العام في الأوساط الاجتماعية الخارجية ودوائر القرار قناعات مغلوطة تجاه المملكة وسياساتها نتيجة غياب المهنية الإعلامية.

ويقول البازعي: "إن الأهمية تستدعي إعادة صياغة مكونات السياسة الإعلامية السعودية وفق رؤية واستراتيجية جديدة يشترك في صياغتها المتخصصون من الأكاديميين، والخبرات الإعلامية، منطلقةً من استثمار المهارات والقنوات الوطنية، وبرامج العلاقات العامة، والبرامج الثقافية، وبناء المنابر الإعلامية السعودية غير التقليدية في الداخل والخارج، بعيداً عن الصورة النمطية التقليدية".

حملات مكثفة

أما أ.سوسن الشاعر، الكاتبة والإعلامية البحرينية المعروفة، فترى ضرورة وجود استراتيجية خاصة للإعلام السعودي الذي يعد جزءًا مهماً من الإعلام الخليجي والعربي بشكل عام لاستثمار القيادات النوعية وغيرها، والاستفادة من الخبرات في التخطيط، والتأهيل، والتقييم، والتدريب على أدوات وآليات النشر الحديثة، والتأثير، إلى جانب الاستفادة من مشروع الابتعاث من حيث تأهيل كوادر جديدة وبكل اللغات. فمكانة المملكة العربية السعودية الكبيرة وجهودها الواسعة سياسياً واقتصادياً وإنسانياً ومواقفها ينبغي إبرازها والتسويق لها، فهذه المرحلة من أهم المراحل التاريخية التي يجب العمل فيها على تفعيل الإعلام السعودي والخليجي والعربي، وبناء استراتيجية متكاملة ويجب أن تتغير أساليب الطرح الإعلامي في توضيح مواقف وجهود البلدان الخليجية والعربية المعتدلة بأساليب وطرح جديد يصل إلى ذهنية، ومشاعر المتلقي بعيداً عن التقليدية بل بالاعتماد على أساليب علمية حديثة في النشر، والتأثير، وإقامة البرامج والفعاليات في المكان والزمان المناسبين.

صناعة الاعلام

ويرى د.علي الموسى، الأكاديمي والكاتب في صحيفة "الوطن"، أن إعلامنا ضعيف بالفعل، ولكي يستطيع إعلامنا مقارعة الإعلام المهني المنافس؛ فإنه يجب أن يكون مهنياً، والمهنية أمر لم نتقنه في صناعة الإعلام، وبالتالي لا مكان لغير المؤهلين مهنياً والأكفاء احترافياً.

ويضيف د.الموسى: "لكي يكون إعلامنا مؤثراً، فإن هناك خصائص للإعلام، وسمات مهمة لا يمكن أن يعمل بكفاءة دون تحقيقها، أولها الإرادة، بمعنى أن نمتلك إرادة حاسمة، وصارمة نحو امتلاك أداة إعلامية فاعلة، والثاني احترام المهنة، ويعني ذلك أن يقصر عمل الإعلام على إعلاميين مؤهلين بحسب مجالات الإعلام المتخصص، وهذا لا يحصل حاليا حيث إن هناك من لا علاقة له بالإعلام علماً ومهارة يتولى مهمات حساسة في صناعة الإعلام."

ويقول: "فنون الإعلام غير معتبرة في حالات كثيرة من واقع إعلامنا الداخلي والخارجي، حيث إن هناك خلطاً خطيراً بين الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون، وبين فنون إنتاج كل منها. كذلك عدم منح صناعة الإعلام ما تستحقه من مخصصات مالية، ومصادر تمويل متطورة، وصلاحيات تنظيمية وإدارية تتسق وطبيعة العمل الإعلامي؛ فالبنى التنظيمية الحالية لا يمكّنها تقديم عمل منافس أبدا، وهناك الكثير من طلبة الإعلام المتخصصين وخريجي جامعاتنا ممن يمكن تدريبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتي تعتبر وسائل إعلام رقمية جديدة".

وعن واقع الصحف السعودية، يرى د.الموسى أن الصحف السعودية تتساقط واحدةً تلو الأخرى، والإلكترونية منها أغلبها بلا مصداقية، وعموماً الإعلام السعودي يعاني رغم الإمكانات والهدر المالي، لذلك لا يمكن أن يطلب منه أن يكون قوياً اليوم.

رسالة الاعلام

ويعتقد د.سعد العجمي، وزير الإعلام الكويتي الأسبق، أن رسالة الإعلام عامة، والرسمي منه خاصة، هي الارتقاء بالذوق العام، وصون العفة، والحياء والتزام الوقار، وأنه المتمم لرسالة التربية والتعليم. وقد تفاءل الجمهور السعودي والخليجي والعربي بتعدد القنوات، واستبشر أكثر عندما استطاع الإعلام الخليجي امتلاك التقنية الحديثة في الصحافة والإذاعة، والتلفزة، فإذا ببعض من هذه التقنية المتطورة تنتهي بأكملها إلى الإسفاف وتأصيل الخواء الفكري.

ويقول د.العجمي: "المشكلة الأساسية مشكلة إدارة، أفقدت الإعلام الرسمي الدينامية والحركة والعمل المؤسسي، وتولد عنها جملة من المشكلات الأخرى، لعل من أبرز ملامحها تردي الاحتراف والإبداع وغياب الإنتاج الفني، وزيادة الكم على حساب الكيف بتدشين قنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة غير ذات طعم ولا فائدة".

ويؤكد د.العجمي على أهمية إعادة هيكلة الإعلام الخليجي بشكل عام بما يمكن أن تفتح مزيداً من عمليات الخصخصة والتعددية الإعلامية التي تخفف العبء عن الجهاز الإداري، وتمنحه المزيد من الوقت للإشراف والتنظيم، وإن فتح المجال بضوابط للمؤسسات الثقافية والاقتصادية الوطنية الموثوقة للدخول في استثمارات الصحافة والمحطات الإذاعية والتلفزيونية الأهلية، في ميادين الثقافة أو الترفيه أو الرياضة أو نحوها؛ يمكن أن يخفف الضغط على متطلبات المجتمع من وسائل الإعلام الرسمية المركزية، ويوجد التنافس معها، لأن التحديات التي تواجه وسائل الإعلام في محيطنا العربي، والدور المرتقب لإعلامنا في مثل هذه الظروف التي أحصرنا بها لا يمكن أن يباشَر بأداة الأمس، فإذاعات الأمس وصحافته ومحطاته التلفزيونية لم تعد تتناسب وظروف اليوم.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة