إدارة السعادة يا أصحاب السعادة

ارتقى الاهتمام بالموظف كشخص وإنسان من قبل المنظمة، واتسع بشكل ملاحظ في الأعوام الأخيرة. وقد اهتمت أدبيات الإدارة الحديثة بضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية في شخصية الموظف ومشاعره، والاهتمام بها لخلق انتماء حقيقي لديه تجاه المنظمة، وزيادة الولاء، وكذلك لتحقيق مزيد من الرضا لدى الموظف، وتحفيزه لمزيد من الإنتاجية في العمل.

ورغم أن نظريات، ومبادئ، وقيم الإدارة اهتمت بالموظف كإنسان، وأكدت على ضرورة مراعاة الجوانب الشخصية لديه من مشاعر وعواطف؛ إلا أن الواقع العملي والتطبيقي لم يمنح هذا الجانب الاهتمام الكافي؛ حيث كان تطبيق الواجبات الوظيفية على الموظف يتم بشكل حازم بعيداً عن مراعاة الجوانب النفسية والشخصية والعاطفية لديه. لذلك نشأ لدى بعض الموظفين شعوراً بالنفور من بيئة العمل؛ رغم أن هذا العمل هو مصدر رزقه. وجعل بعض الموظفين كثيري التغيب والتسيب، وأرهقوا رؤساءهم في متابعتهم وتوجيههم، وتطبيق أنظمة الجزاءات عليهم. واستقطعت هذه المتابعة كثيراً من الوقت لدى الرؤساء، والذي كان يجب استثماره في إنجاز أعمال أخرى.

وقد جاءت مبادرات الاهتمام بالموظفين من خلال إنشاء إدارات للتواصل الداخل؛ لزيادة ربط الموظف بمنظمته، وتقوية العلاقة بينهما، وحققت هذه الإدارات نجاحات جيدة في هذا الجانب، ثم انتقل الاهتمام بالموظف لمرحلة أكثر تقدمية، بإنشاء إدارات للسعادة، لإشاعة السرور والإيجابية في محيط العمل، ونشر الابتسامة وانشراح النفس، وجعل بيئة العمل أكثر جاذبية؛ بما ينعكس على زيادة معدل إنجاز الموظف. وما يسبق ذلك من تعديل لسلوكه الانضباطي، والتزامه بأداء واجباته، ومحافظته على أوقات العمل.

وتبتكر إدارات السعادة الكثير من النشاطات والفعاليات، والأفكار التي تحقق السعادة للموظف، ومنها عقد بعض الاجتماعات خارج مقر العمل، كأن يكون في منتزه، أو فندق، أو مطعم، وممارسة بعض الأنشطة الترويحية إلى جانب اجتماع العمل. وكذلك تنظيم ملتقيات تجمع الموظفين مع المسؤولين بمختلف مستوياتهم خارج مقر العمل لكسر الروتين اليومي، وزيادة التعارف الشخصي، وفتح قنوات تواصل بين المسؤول والموظف بعيداً عن التراتبية الوظيفية، وأيضاً من أفكار السعادة في محيط العمل تنظيم جلسات خارجيه في مقر العمل عندما يكون الطقس جميلاً؛ للاستمتاع بتلك الأجواء بشكل جماعي مع تناول بعض المشروبات والمرطبات، وأحياناً يصدر المسؤول الأول توجيهاً بانصراف الموظفين للاستمتاع بتلك الأجواء بين أسرهم. كذلك من أفكار نشر السعادة إنشاء أندية رياضية في مقرات العمل يستطيع الموظف من خلالها ممارسة رياضته المفضلة قبل بدء ساعات العمل. وذهبت بعض المنظمات لأبعد من ذلك بتخصيص ساعة قيلولة في مقر العمل، وهيأت أماكن مخصصة لذلك؛ مثلما فعلت شركة "جوجل". وانعكس ذلك على زيادة إنتاجية الموظفين، وزيادة ولاءهم وارتباطهم بمنظمتهم؛ مما جعلهم يقضون في العمل أوقاتاً أطول مما هو مقرر عليهم. ويمكن إشاعة السعادة بأشياء كثيرة بسيطة تماماً وغير مكلفة كابتسامه، أو رسالة بريد إيجابية من المسؤول لموظف بسيط، أو دعوة موظف لتناول كوب قهوة مع المسؤول في مكتبه كتكريم على إنجازه، أو الوقوف مع الموظف خارج المكتب وتبادل حديث لطيف معه يأخذ الطابع الشخصي أكثر، وتشجيعه بكلمات تحفيزية تقديراً له على التزامه.

إن مفهوم السعادة لدى الموظف لا ينحصر في الحصول على ترقية، أو مكافأة مالية، بل هو أوسع من ذلك وأشمل. ويمكن تحقيقه بلا تكاليف، ولكن بالأفكار الخلاقة. وقبل ذلك بالإيمان بمبدأ حق الموظف في السعادة في عمله.   

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة