بحث ميداني يوصي بالاستفادة من قدرات القيادات النسائية في المشروعات الصغيرة

​​مع بزوغ القرن الـ 21، وفي ظل التغييرات والتحديات الراهنة التي تواجهها المجتمعات والمنظمات الإدارية المختلفة، لا سيما الحكومية منها؛ تغير دور القيادة الإدارية، فأصبح مُحرٍكاً للتغيير. وقد أكد باحثو وخبراء الإدارة على أن المنظمات القوية والمتميزة هي التي تتكيف مع هذه التغييرات وتلك التحديات، وتتسق قدرات قادتها مع متطلبات قيادة التغيير. هذه القيادة التي مازالت تتسم بقدر من الغموض، والذي دفع باحثو الموارد البشرية إلى تحديد مجموعة من القدرات الوظيفية والمنهجيات التي يجب أن تتحلى بها هذه القيادة؛ كي تؤدي دورها بشكل فعال في صناعة عملية التغيير، والإبحار بمنظماتهم إلى بر الأمان. وانطلاقاً من ذلك، فقد أجرت كل من: أ.هدى بنت عبدالله الحديثي، وأ.هيفاء بنت محمد المطيري بحثاً ميدانياً صادراً عن معهد الإدارة العامة بعنوان: "قيادة التغيير: مدى توافر قدرات قيادة التغيير لدى المديرين في المنظمات الحكومية السعودية"، وهو ما نستعرضه معكم في السطور التالية.

أجهزة حكومية فاعلة

الهيكل العام للبحث يتكون من مقدمة، و5 فصول. تستهلها الباحثتان بتحديد "الإطار العام" وتوضيحه بشكل دقيق؛ فتقرران أن هناك تحديات تواجهها المملكة-كغيرها من دول العالم-وبخاصة منظماتها الحكومية التي أكدت عدة دراسات حديثة على وجود ضعف في أداء أجهزتها الإدارية، وهو ما يتطلب توفير بنية تنظيمية تتميز بالقدرة والكفاءة وإمكانية التكيف الاجتماعي والسلوكي مع المتغيرات الجديدة وهذه التحديات؛ حتى تصبح أداة فاعلة وخياراً استراتيجياً لدعم برنامج التحول الوطني وتحقيق رؤية المملكة الاستراتيجية 2030. وقد أكد هذا البرنامج على أهمية استمرار الإصلاح الإداري، ووضع أسس الانتقال إلى مرحلة الاعتماد على التميز في الأداء كأساس لتقويم مستوى كفاءة الأجهزة الحكومية وجودة خدماتها من خلال تبني (محور وطن طموح حكومته فاعلة). فقد تم وضع أهداف في الرؤية تخص هذا المحور، وتتعلق بالانتقال بالحكومة من المركز 80 إلى المركز 20 في مؤشر فاعلية الحكومة، والانتقال أيضاً من المركز 36 إلى المراكز الخمسة الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليارأ إلى تريليون ريال سنوياً. ولتحقيق هذا التحول النوعي في البناء المؤسسي والإداري للقطاع الحكومي، صدرت مباشرة بعد إعلان الرؤية حزمة من الأوامر الملكية هدفت إلى إعادة هيكلة وزارات ومنظمات حكومية.

وترى الحديثي والمطيري أنه من المنظور الإداري فإن عمليات الإصلاح الإداري تعتبر في جوهرها عمليات تغيير وفي هذا الصدد فإن نجاح المنظمات في ذلك يعتمد على قدرة المديرين فيها على قيادة التغيير. كما أنه يمكن القول إن الضعف في أداء الإدارة الحكومية في التغيير ونجاح جهود تطوير الأداء الحكومي يتطلب النظر بعمق في مدى فعالية القادة الإداريين في قيادة عملية التغيير في منظماتهم، من خلال معرفة مدى توفر قدرات قيادة التغيير لديهم. وهو كموضوع بحثي مهم ولم يحظ باهتمام الباحثين؛ لذلك ترى الباحثتان أهمية تسليط الضوء على مدى توفر هذه القدرات لدى المديرين السعوديين من خلال تبني إطار علمي للقدرات القيادية.

القيادة والتغيير التنظيمي

وفيما يتعلق بـ"أدبيات الدراسة"، نلاحظ أن البحث يركز في إطاره النظري على ثلاثة جوانب مهمة وهي: القيادة الإدارية، والتغيير التنظيمي، وقيادة التغيير وقدرات قادة التغيير. فتبرز الباحثتان عناصر القيادة، والفرق بينها وبين الإدارة، والتطور التاريخي لدراسة علم القيادة، والمداخل الحديثة للقيادة الإدارية، والأدوار الجديدة للقادة، وخصائص قادة القرن الـ 21. وفي معرض حديثهما عن التغيير التنظيمي تتحدثان عن مفهومه، وأهميته، وأنواعه، ونماذجه، ومقاومة التغيير وأساليب معالجتها، وقوانين التغيير التنظيمي. أما في موضوع قيادة التغيير وقدرات قادته، فتعالجان من خلاله تعريف قيادة التغيير، وأدوار قادة التغيير، وخطوات قيادة التغيير، والأنماط الشخصية وقيادة التغيير، والقدرات الوظيفية للقادة والقدرة على قيادة التغيير، والقدرة القيادية للقادة في القطاع العام والإطار العام للقدرات القيادية.

بدرجة قليلة

وقد خلصت الباحثتان من هذا البحث إلى أن القدرات السلوكية لقيادة التغيير لدى القادة الإداريين في الأجهزة الحكومية تتوفر بدرجة قليلة، وكذلك يطبقون الخطوات المنهجية العلمية لإدارة التغيير بدرجة قليلة، واتضح وجود علاقة ارتباط إيجابية بين درجة توفر هذه القدرات وتوفر القدرة على استخدام هذه الخطوات. وأثبت البحث وجود فروق بين هؤلاء القادة بخصوص توفر تلك القدرات باختلاف خصائصهم الشخصية والتنظيمية-(النوع، والشهادات العلمية الحاصلون عليها، وسنوات خبراتهم، ومستوياتهم التنظيمية، ومدى مشاركاتهم في مشروعات ومبادرات التغيير في منظماتهم، ومدى نجاح تجاربهم في هذه المشروعات والمبادرات)-بدرجة قليلة. وتتفاوت الفروق بين قدرة أولئك القادة أنفسهم على استخدام الخطوات المنهجية العلمية لإدارة التغيير باختلاف هذه الخصائص.

تدريب وتطوير

وتبدي أ.هدى الحديثي، وأ.هيفاء المطيري عدداً من التوصيات، والتي من بينها أهمية تدريب هؤلاء القادة على مهارات قيادة التغيير، وتصميم برنامج إعدادي لإعداد قادة المستقبل يستقطب الكفاءات من المديرين في الإدارات المتوسطة في القطاعين العام والخاص، والاستفادة من قدرات القيادات النسائية في قيادة مشروعات ومبادرات التغيير على المستوى الكلي، وأن تطور معاهد التنمية الإدارية من أساليب تقديم الخدمات الاستشارية المعنية بهذا المجال، وأهمية اهتمام القادة بالتعلم الذاتي وتطوير قدراتهم وعدم الاعتماد على البرامج الرسمية التي تقدمها المنظمات، ويجب على المنظمات أن تتبنى تطوير قدرات قيادة التغيير بشكل خاص والقدرات القيادية بشكل عام.

 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة