الممارسات الخضراء لإدارة الموارد البشرية


في الآونة الأخيرة، لوحظ اهتمام كبير في عالم الاعمال بموضوع التنمية المستدامة ودور الممارسات البيئية الخضراء؛ نظراً لظهور المشاكل البيئية والمنافسة العالمية والتي تشكل تهديداً على بقاء المنظمة واستمراريتها؛ مما فرض على المنظمات المعاصرة تعديل سلوكها المؤسسي من أجل تبني الممارسات الصديقة للبيئة وخلق ثقافة الإدارة الخضراء، وقد توصلت العديد من الدراسات والتجارب العالمية إلى أن السبب الرئيسي في المشكلات البيئية هو نتيجة سلوك الحكومات والمؤسسات، يليها سلوك الافراد والمجتمعات؛ ولذلك اتجهت هذه المؤسسات إلى دمج الإدارة البيئية مع العديد من الإدارات، ومن أهمها إدارة الموارد البشرية، والتي تم تسميتها بإدارة الموارد البشرية الخضراء (Green Human Resources Management- GHRM)؛  حيث تلعب GHRM دوراً حيوياً في القضايا البيئية وتحقيق الاستدامة لموارد المنظمة، وتعتبر فلسفة أو نهج  بيئي إداري يهدف إلى دمج وتضمين الأهداف البيئية في جميع ممارسات إدارة الموارد البشرية كي تصبح صديقة للبيئة (خضراء)؛ وتساعد على تشجيع الموظفين على القيام  بمبادرات خضراء في بيئة عملهم، مثل حوسبة إجراءات العمل أي تحويلها إلكترونياً؛ مما يقلل من استهلاك الورق، وإعادة تدوير النفايات المكتبية، وعقد اجتماعات ومؤتمرات وبرامج تدريبية إلكترونياً (عن بُعد)؛ فكل ذلك يقلل من  معدلات السفر والازدحام والتلوث وما يصاحب ذلك من إهدار للموارد، وهذا يعني أن المنظمات الخضراء تشجع موظفيها على أن يكونوا أصدقاء للبيئة في مكان العمل؛ من أجل تحسين أدائها البيئي كاستجابة للتوقعات العالمية والحكومية للاستدامة، وبناء العلامة التجارية البيئية؛ مما يحسن صورتها لدى الموظفين والعملاء والمجتمع؛ وبالتالي يؤدي إلى زيادة إنتاجيتها وقدرتها التنافسية.

وتعتبر ممارسات GHRM من أفضل الإستراتيجيات التي تتبعها المنظمة لحل المشكلات البيئية والتنمية الخضراء لمواردها البشرية، وتتحدد أهم ممارساتها في الآتي: أولاً تحليل الوظائف الخضراء وتصميمها حيث تقوم بإدراج  المبادرات البيئية كعنصر أساسي في التوصيف الوظيفي، وتحديد وإضافة الكفاءات الخضراء، (مثل المعرفة البيئية) كجزء من متطلبات الكفاءة لكل منصب وظيفي، وثانياً تخطيط الموارد البشرية الخضراء التي تساعد في التنبؤ بعدد الموظفين والمهارات اللازمة لتنفيذ برامج الإدارة البيئية، فالتوظيف الأخضر يكون وفق معايير بيئية من خلال الإعلان عن الوظائف الشاغرة وإجراء المقابلات الشخصية عبر مواقع الإنترنت، وتفضيل المرشحين ذوي الكفاءات والخبرة في المشاريع البيئية، مع تعريف الموظفين الجدد على المعايير البيئية للمنظمة؛ وهو ما يساعد على جذب المواهب والمحافظة عليهم ، وثالتاً تقييم الأداء الأخضر بتحديد المعايير الخاصة من الأهداف والمبادرات البيئية، وترجمتها إلى مؤشرات السلوك الأخضر لتكون مقياساً في تقييم أداء الموظفين، وإبداء ملاحظات حول تحقيق الأهداف البيئية من أجل تحسين فعاليتهم البيئية. ورابعاً التدريب والتنمية الخضراء من خلال حصر برامج تدريبية وتنفيذها؛ بهدف إكساب الموظفين المعرفة الكاملة حول السياسات البيئية في المنظمة، وتطوير كفاءاتهم البيئية؛ من أجل تغيير سلوك الموظفين حول المبادرات والأنشطة البيئية، والمتمثلة في تقليل النفايات والاستخدام المستدام والأمثل للموارد، أما خامسها فهو أن انظمة المكافآت والتعويضات الخضراء تقدم حوافز للموظفين؛ من أجل تشجيعهم على القيام بمبادرات بيئية، مثل مسابقات المشاريع البيئية، والتوصل إلى أفكار جديدة تقلل من آثار التدهور البيئي، بالإضافة إلى تشكيل الانضباط الأخضر في العمل  (قانون البيئة الخضراء) من خلال تنفيذ الإجراءات التأديبية ضد الموظفين الذين يخالفون أحكام وقواعد حماية البيئة.

وقد واجهت المؤسسات المعاصرة تحديات عديدة من أجل تطبيق GHRM، ومن أبرز هذه التحديات ما يلي: عدم وجود ثقافة الادارة الخضراء وقلة الوعي والحس البيئي؛ مما يؤدي إلى صعوبة تغيير سلوك الموظفين نحو المبادرات البيئية، وهذا بالتأكيد يتطلب فترة زمنية طويلة وتكاليف عالية جداً؛ ونتيجة لذلك يجب على المؤسسات التهيئة والتجهيز قبل تطبيقها. ومن هذا المنطلق، ونظرًا لتوجه المؤسسات المعاصرة نحو التنمية المستدامة، يجب التعرف على أهم عوامل نجاح تطبيق GHRM، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: أولا: دعم ومشاركة القيادة والإدارة العليا التي تعد عاملاً حاسمًا في غرس القيم الخضراء بين الموظفين، وتوضح دور متخصصي الموارد البشرية في تعزيز السلوكيات الصديقة للبيئة في المنظمة، وتضمين رؤية وقيم المنظمة بيانًا مؤيدًا للبيئة الخضراء؛ من أجل موائمة عمل الموظفين مع إستراتيجيتها البيئية، وإدراج المهام  والكفاءات والسلوكيات المؤيدة للبيئة لكل الوظائف داخل المنظمة. ثانياً: بناء ثقافة المنظمة الخضراء مدعومة بشهادة الايزو (ISO14000 لتشجيع السلوكيات الخضراء، وإنشاء قوى عاملة مسؤولة بيئيًا، وتساعد أيضاً على تنمية سلوك المواطنة البيئية لدى الموظفين، ووضع مجموعة من القواعد والأحكام لضبط سلوك الموظف حول حماية البيئة. ثالثاً: التدريب والتعليم المستمران للموظفين؛ من أجل تطوير المنظور والحس البيئي لديهم، ورفع مستوى الوعي البيئي والاستدامة، ونشر المعرفة حول ممارسات GHRM من اجل تغيير سلوكهم حول المبادرات البيئية وتبني ثقافة الادارة الخضراء، رابعاً: الحوافز والمكافآت لتشجيع الموظفين وتحفيزهم ليشعروا بالفخر والتقدير من خلال مشاركتهم في المبادرات البيئية، وزيادة التزامهم تجاه قضايا الاستدامة؛ وبالتالي يساعد هذا النهج في إنشاء قوة عاملة خضراء.  خامساً: التحول الرقمي في بيئة عمل المنظمة؛ مما يسهم في التخلص من آثار التدهور البيئي، والبحث عن الطاقة البديلة للتقليل من استخدام الموارد الطبيعية المحدودة.​

​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة