ذاكرة التاريخ لا تتسع

حين تراجع تاريخ العلوم والاختراعات والاكتشافات العظيمة؛ تلاحظ أن خلف كل انجاز عظيم رجلين يتساويان في الذكاء والعبقرية؛ ولكن الأول معروف، والثاني منحوس، الأول مشهور والثاني مغمور، الأول يحصل على كل مبالغات المجد والعظمة، والثاني يحصل على كل الجحود والنسيان والغياب عن الساحة.

وسبب المشكلة في رأيي يعود إلى أن ذاكرة التاريخ التي لا تتسع لأكثر من بطل واحد، لا تكمن فقط في نسيان صاحب المركز الثاني (كما يحدث دائما في مباريات كأس العالم)؛ بــل واعطاء المنتصر كل المجد والشهرة، وحرمان الوصيف حتى من حقه في حشر اسمه!!

وهذه الظاهرة يمكن أن تحدث حتى على مستوى الأمم، حيث تدعي كل أمة الفضل في اكتشاف هذا الشيء أو ذاك. وينسى التاريخ دائماً من ينتمي للأمة الأضعف..فالإيطالي "غاليليو" هو المشهور حالياً باكتشاف حركة البندول ولكن الحقيقة هي أن ابن يونس المصري سبقه بذلك، والمشهور أن الإنجليزي "وليم هارفي" يعتبر رسمياً المكتشف للدورة الدموية ولكن الحقيقة هي أن ابن النفيس سبقه بذلك بقرون، وفي حين ينسب الفرنسيون اختراع الكاميرا إلى "لويس داجير"، والألمان إلى "فريدرك سكوت"، نسي العالم أن ابن الهيثم هو أول من عكس الصورة داخل غرفة مظلمة صغيرة دعاها "القمرا" (ومنها اشتق اسم الكاميرا)..

ورغـم أنني شخصياً لا أحبذ فكرة منح الانجازات العالمية جنسية محلية، ورغم أن أصحابها هم آخر من يفكر في لون أو عرق أو ديانة من يستفيد من أعمالهم؛ إلا أنني فقط كتبت هذا المقال تكريماً وتعريفاً بأصحاب المركز الثاني.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة