- د.أيوب الجربوع: لابد من تهيئة البيئة اللازمة لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام المبادرة في مواجهة التحديّات والفرص
- د.تركي الرشيد: من الصعب جداً النجاح من دون إستراتيجية واضحة وواقعية ومرنة ومستدامة في مواجهة التحديات
- اللواء د.خالد الخليوي: التنمية الإدارية عملية تطويرية مستمرة يعيقها ارتباطها بموازنة الدولة والبيروقراطية
- د.عدنان الشيحة: المملكة تعيش فترة تحول في الفكر الإداري الحكومي ونهج جديد في ممارسة العمل العام
المشاركون في القضية:
- أ.د.أيوب بن منصور الجربوع عضو مجلس الشورى، وأستاذ القانون الإداري بمعهد الإدارة العامة
- اللواء متقاعد د.خالد بن سليمان عبدالله الخليوي مساعد مدير عام كلية الملك فهد الأمنية
- د.عدنان بن عبدالله الشيحة، عضو هيئة التدريس بقسم الإدارة العامة – جامعة الملك سعود
- د.تركي بن فيصل الرشيد أكاديمي، وعضو الجمعية السعودية للإدارة
لقد جاء إطلاق رؤية المملكة 2030 كإستراتيجية وطنية حضارية وعصرية ترسم حاضر المملكة ومستقبلها، وتستنهض طاقات أبنائها ومؤسساتها من أجل تحقيق التنمية الشاملة، وقد اهتمت رؤيتنا المباركة بالتنمية الإدارية؛ إذ أن باقي مجالات التنمية لن تتحقق وتؤتي ثمارها إلا بوجود جهاز إداري فعال قوامه موارد بشرية وكوادر قيادية متميزة، ويسهم في إعداد الإستراتيجيات والسياسات العامة والخطط التنموية وتنفيذها، ويستلهم مستهدفات تلك الرؤية والعمل على تحقيقها. ونطمح جميعاً إلى أن نصل لهذا المستوى من الأداء المتميز لكافة مؤسساتنا الوطنية، وذلك بالرغم من التحديات التي تواجه مسيرتنا التنموية بصفة عامة، والإدارية بصفة خاصة، والتي نطرحها معكم في هذا العدد من "التنمية الإدارية"، وإليكم التفاصيل وآراء الخبراء والمتخصصين في هذا الشأن.
آليات وبيئة مناسبة
أ.د.أيوب بن منصور الجربوع عضو مجلس الشورى – الدورة السابعة، وأستاذ القانون الإداري بمعهد الإدارة العامة يقول: "تُعد رؤية المملكة 2030 من أكبر التحولات الإستراتيجية التي يمر بها المجتمع والقطاع العام والاقتصاد بشكل عام، وتعتمد وثيقة الرؤية على 3 محاور رئيسة هي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، وهي محاور تتكامل مع بعضها البعض في سبيل تحقق الرؤية؛ وبالتالي فإن نجاح هذه الرؤية وما تتضمنه من محاور وأهداف تفصيلية والتزامات وبرامج وخطط ومشاريع يلزمه توفر آليات وبيئة مناسبة، وفي مقدمة تلك الآليات والبيئة المناسبة الآليات والبيئة القانونية الفاعلة التي تضمن المرونة لمتخذ القرار لإقرار التحولات".
ويضيف د.أيوب الجربوع: "ومن بين برامج الرؤية برنامج التخصيص الذي يستهدف رفع مستوى مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، ومن آليات ذلك التحول في إدارة القطاع الحكومي، والتوسع في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والموافقة على تنظيم المركز الوطني للتخصيص كجهة مستقلة.
ويوضح د.أيوب الجربوع أنه، ومن ناحية أخرى فقد جاءت "رؤية 2030" مؤكدة على أهمية دور المرأة وتفعيل مساهمتها في التنمية بمفهومها الشامل، وأن تقوم جميع الجهات الحكومية المعنية بمراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، ووضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والتدريبية، إضافة إلى إيجاد آلية مرنة لاستقطاب الكفاءات المتميزة. ولشغل الوظائف القيادية في الأجهزة الحكومية الخاضعة لنظام الخدمة المدنية؛ فقد صدر الأمر السامي رقم (34708) وتاريخ 24/7/1436هـ بالموافقة على "الضوابط والمعايير والشروط اللازمة لاستقطاب الكفاءات المتميزة وتحفيز العاملين في التخصصات التي تستهدفها الوزارات"، وتهيئة البيئة اللازمة للمواطنين والقطاع غير الربحي، وتحفيزه لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام المبادرة في مواجهة التحديّات واقتناص الفرص.
الإستراتيجية والتحديات
وفي السياق ذاته يرى د.تركي بن فيصل الرشيد الأكاديمي، وعضو الجمعية السعودية للإدارة، أن هناك عدداً من التحديات التي تواجه التنمية الإدارية في المملكة، أهمها إشراك جميع المعنيين (مواطنين ومسئولين) في مختلف مراحل التخطيط، والتنفيذ والمتابعة والمراقبة والتقويم، واستخدام الموارد المتاحة بكفاءة، وإشراك القوى البشرية الوطنية المحلية في تنفيذ ومتابعة وتقويم الأداء، وتوافر إرادة القيادة لتنفيذها، ووضوح في الرؤية ومحدودية في الأهداف.
ويؤكد د.تركي الرشيد أنه من الصعب جداً النجاح من دون إستراتيجية واضحة وواقعية ومرنة ومستدامة، فالإستراتيجيات الحكومية الناجحة التي يوجد الكثير منها، مثال على ذلك سنغافورة وإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة، ومصر والحد من معدلات وفيات المواليد، وألمانيا وإعادة بناء شطريها، والسعودية وتحقيق الأمن الغذائي في المناطق القاحلة.
إن الإستراتيجية الكبرى تعني تحقيق التوازن بين الأهداف والوسائل، وتنفيذ الإستراتيجية هو نصف النجاح الأصعب؛ لأن بعض الأجهزة الحكومية تعاني نقص الرغبة والوسائل والإرادة لتحقيق أجزاء محورية من الإستراتيجية.
ويضيف: "من أهم التحديات التي تواجه الأجهزة الحكومية في تنفيذ مبادرات وبرامج رؤية 2030، سهولة ووضوح العمل داخل الهيئة الحكومية من الإدارة العليا إلى الإدارة السفلى، والأفراد في الواجهة والعكس، ووضوح العمل مع المؤسسات الأخرى التي تقدم خدمات منافسة أو مشابهة لمنع التداخل في الواجبات والمسؤوليات، وسهولة ووضوح تدفق العمل أو اتخاذ القرار داخل سلاسل التسليم.
ويشير د.تركي الرشيد إلى أن من يتولى تنفيذ الإستراتيجية يحتاج إلى أن تكون عنده الخبرة السابقة التي تؤهله لنجاح أكبر، والقدرة على تحديد الأولويات والبقاء على المسار حسب البرنامج وليس القفز من مسار إلى آخر.
مواردنا البشرية
ومن جانبه يقول اللواء متقاعد د.خالد بن سليمان عبدالله الخليوي مساعد مدير عام كلية الملك فهد الأمنية: "إن التحديات التي تواجه التنمية الإدارية في المملكة أهمها اعتماد الدولة-كدولة ريعية-بشكل كبير على مورد طبيعي واحد، جعل الاقتصاد المحلي مرتبطاً بالنفط سعراً وإنتاجاً، صعوداً وهبوطاً، وتوسعاً وانكماشاً، وهذا بدوره أثر بدرجة معينة على عملية التنمية الشاملة والمستدامة للدولة. وحيث إن التنمية الإدارية عملية تطويرية مستمرة، وجزء مهم من التنمية الشاملة؛ فقد بذلت المملكة جهوداً كبيرة وحققت نجاحات ملموسة على مستوى التنمية الإدارية فيها، إلا أن التنمية الإدارية واجهت بعضاً من التحديات التي تسعى سياسة الدولة إلى التغلب عليها، ومن أهم هذه التحديات وجود بطالة هيكلية في بلد يعمل به أكثر من 11 مليون وافد، الأكثرية الساحقة منهم من عديمي ومتوسطي المهارة، وارتباط نجاح التنمية الإدارية وتطورها بموازنة الدولة، ومعاناة بعض الجهات والإدارات الحكومية من البيروقراطية فيها، وضعف الإنتاجية، وقلة مهارة العاملين، وضعف البيئة التشريعية والقانونية، وقدم الأنظمة، وعدم تلائمها مع التطورات الإدارية والمالية الحديثة، وعدم وجود خطط أو رؤية مستقبلية للتنمية الإدارية لدى معظم الأجهزة الحكومية.
ويطرح اللواء د.خالد الخليوي الحلول المقترحة لبعض التحديات التي تواجه التنمية الإدارية بالمملكة؛ كالعمل على خلق تنمية إدارية مستدامة، وتوفير الموارد المالية في مختلف الظروف الاقتصادية، مع العمل على الاستخدام الأمثل لهذه الموارد، والتخطيط للمدى البعيد، والتركيز فيه على دعم العنصر الشبابي الحالي، والاهتمام بالأجيال اللاحقة، وتعزيز الشفافية والحوكمة في الأجهزة الحكومية وتحسين البيئة التشريعية والقانونية ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتطوير التعليم وتحسين مدخلاته، لتتلاءم مخرجاته مع احتياجات التنمية.
ويقول: "تمتاز رؤية المملكة 2030 بميزة رئيسة وهي أنها حددت -وبنسبة كبيرة-أهدافاً كمية، يمكن معها قياس نسبة تحقيق هذه الأهداف، ويسهل متابعتها. كما أنها حددت جهازاً إدارياً يُفترض فيه أن يتابع التطبيق، ويجري تعديلات على الرؤية متى اقتضت الظروف ذلك".
ويطالب اللواء د.الخليوي بالاستفادة من تجارب الدول الناجحة في مجال التنمية الإدارية، والاهتمام بالعنصر البشري الذي يُنظر إليه باعتباره الوسيلة والهدف في التنمية، والسعي الجاد إلى تطوير قدراته وتوسيع آفاق فكره، والاستثمار فيه تأهيلاً وتدريباً، والقاسم المشترك في نجاح تلك الدول النامية، والاهتمام بالعنصر البشري، هو عن طريق تحفيز القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الأجنبية بالاستثمار فيه.
ويؤكد على أن وجود قيادات شابة وبديلة هو محور مهم في تحقيق التطور الإداري المنشود في مختلف المفاصل الحياتية في الوطن؛ حتى لا تشيخ مؤسسات الدولة، ولا يتأثر قطاعها الخاص، ولا تستطيع مواجهة التحديات التي تعاني منها المجتمعات، وحيث إن المملكة الآن تواجه تحديات سياسية واقتصادية وإدارية واجتماعية متعددة، تتطلب كفاءات شابة متميزة، ونشيطة، وقادرة على التعامل مع المتغيرات بسرعة وكفاءة عالية أكثر من الجيل القديم. فالشباب السعودي أثبت كفاءته وقدرته العلمية والعملية، فهم أكثر معرفة بالمستجدات العالمية والتطورات العلمية. ويتميزون بالانفتاح على الأخرين، والتفاعل معهم والاستفادة من تطورهم، كما أن شبابنا يتمتعون بالنشاط والحيوية اللازمة للإصلاح والتطور.
دائرة النقاش
ويرى د.عدنان بن عبدالله الشيحة عضو هيئة التدريس بقسم الإدارة العامة بجامعة الملك سعود، أن من إيجابيات إطلاق "رؤية 2030" وبرنامج التحول الوطني أنها وسعت دائرة النقاش العام ليتناول قضايا جوهرية ومستقبلية وحساسة، وأتاحت الفرصة لمناقشة ما لم يكن يُناقش أو يُتنبه إليه؛ لكن المعضلة التي تواجه الإدارة المحلية السعودية هي في الموازنة بين القرار المركزي والقرار المحلي؛ إذ أن هناك اعتقاداً سائداً بأن منح صلاحيات أكبر للمحليات يقلل من سلطات المؤسسات المركزية، وهو أمر غير صحيح في ضوء ما تشير إليه تجارب الدول، بل أن التجربة السعودية ذاتها في مرحلة التأسيس تؤكد على ذلك، وإنما كان هذا التصور نتيجة لفهم الإدارة المحلية في نطاق البيروقراطية الضيق ليتم اختزالها في تقديم الخدمات العامة وحسب، بينما إطارها أوسع من ذلك بكثير، فهي مسؤولة عن صناعة القرار المحلي بجميع قطاعاته وبناء رؤية مستقبلية للاقتصاد المحلي وإدارة المحليات. ومثلما هناك ضرورة للمركزية في توجيه النشاط التنموي وتفعيله، هناك أيضاً أهمية بالغة في تطبيق اللامركزية؛ إذ أن "الإدارة المحلية هي جذور التنمية الوطنية" ومكان الحراك والنشاط الاقتصادي والفعل الاجتماعي.
ويقول د.عدنان الشيحة: "بالرغم من أن المركزية الشديدة لها أهميتها في تحقيق التحول الوطني وإحداث التغييرات المطلوبة، إلا أنها قد تفقد سكان المحليات الحماس والرغبة في المبادرة وربما شكلت عائقاً لتحقيق رؤية 2030 بالمستوى المطلوب وبالتالي من الضروري تلافيه؛ ولذا يتحتم النظر لمنظومة الإدارة الحكومية بشمولية وعمق أكبر، بحيث يجعل من الممكن إدراك أهمية التنسيق والموازنة بين القرارات المركزية والمحلية. لذا فإن إصدار نظام موحد وشامل للإدارة المحلية؛ سيرفع مستوى الحوكمة والأداء الحكومي ويضيق نطاق الإشراف؛ وبالتالي سيمكٍن الجهات المركزية من ممارسة الضبط والسيطرة على المحليات بشكل أكثر فاعلية، وليس كما يعتقد البعض أن منح صلاحيات أكبر للمحليات سيقلل من سلطات الجهات المركزية".
ويضيف: "إن ما يشجع على طرح هذه الأفكار أن المملكة تعيش فترة تحول في الفكر الإداري الحكومي ونهج جديد في ممارسة العمل العام يستهدف الانتقال إلى أوضاع جديدة تجعل المملكة أكثر إنتاجاً وتلاحماً وازدهاراً. وأجزم أنه لم يفت على صانع القرار أن الإدارة المحلية أحد الموضوعات الوطنية المهمة وأنها ستأخذ حقها من النقاش والتحليل في الوقت المناسب.