معهد الإدارة العامة.. من التدريب إلى التأثير

يبرز معهد الإدارة العامة حالياً كمنظمة عريقة تجاوزت أدوارها التقليدية، متحوّلةً من مركز تدريب إداري إلى بيت خبرة وطني بمواصفات عالمية يُسهم بفاعلية في بناء القيادات الحكومية وصناعة التحول الإداري وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

لقد تأسس المعهد قبل أكثر من ستة عقود بهدف تدريب موظفي الدولة، وقد أدى دوره التنموي بكل اقتدار، واليوم يقود المعهد وفق تحوله الاستراتيجي أحد أهم المسارات الوطنية في رفع أداء القطاع العام، وتمكين الكفاءات، وتحديث السياسات الإدارية، فالتحوّل لم يعد في البرامج فقط، بل في المنهج والرؤية والدور، ولم يعد دور المعهد محصورًا في القاعات التدريبية، بل أصبح لاعبًا استراتيجيًا في تطوير منظومات العمل الحكومي من خلال تصميم برامج قيادية موجهة لوكلاء الوزارات ومديري العموم، وإعداد دراسات ومرئيات تُسهم في تطوير السياسات العامة، وفي تأسيس شراكات دولية مع مؤسسات أكاديمية مرموقة، والمساهمة في بناء وحدات التطوير داخل الجهات الحكومية.

إن هذا التوسع في الدور جعل المعهد شريكًا في صناعة القرار، لا مجرد مقدم خدمة تدريبية، وأحد أبرز ملامح هذا التحول هو التركيز على إعداد القيادات الحكومية؛ فلم يعد الهدف فقط تطوير المهارات، بل إعادة بناء التفكير الإداري للقياديين الشباب من خلال البرامج الموجهة، والدبلومات التنفيذية المتطورة، مما جعله يسهم في نقل ثقافة التطور، والإنجاز، والابتكار إلى داخل الوزارات والهيئات والمؤسسات، ويُعيد تعريف ما تعنيه القيادة الحكومية الحديثة.

ومن هذا المنطلق يدرك القائمين على معهد الإدارة العامة أن تحديات الغد لا تُواجه بأدوات الأمس؛ لذا بذلوا جهوداً حثيثة وعملوا على تطوير وإطلاق برامج الابتكار الحكومي، والتحول الرقمي، وتأسيس مراكز تميز معرفية في إدارة الأداء، والموارد البشرية، والتحليل المؤسسي، والتحول إلى نموذج المنظمة الذكية عبر تقديم محتوى تدريبي إلكتروني مرن، ودورات رقمية متقدمة، ولم يغفلوا أهمية تقييم الأثر، فبدأ بتطوير أدوات لقياس العائد من التدريب، وتوثيق قصص النجاح من واقع التطبيق داخل الجهات الحكومية.

إن هذا التحول الاستراتيجي النوعي الذي يعيشه المعهد حالياً يستحق أن يُسلط عليه الضوء إعلاميًا، ليس كإشادة فقط، بل كنموذج يمكن أن تحتذي به جهات أخرى، فالمعهد لا يبني موظفًا ماهرًا فقط، بل يساهم في بناء جهاز حكومي أكثر كفاءة واستجابة وتكاملًا مع الرؤية الوطنية الطموحة.

إننا اليوم أمام معهد لم يركن لتاريخه الحافل، بل قرر أن يُجدد ذاته، ويُعيد تموضعه في قلب التحول الوطني، وهو بذلك يرسل رسالة ملهمة أن المنظمات التي تواكب التغيير، وتؤمن بالتطوير، وتستثمر في الإنسان لا تنجح فقط، بل تصنع النجاح للآخرين.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة