في السنوات الأخيرة، اندفعت آلاف الشركات والمؤسسات حول العالم نحو تبني مفهوم “مكاتب العمل المفتوحة”، مدفوعة برغبة في تعزيز التعاون وتقليل التكاليف، وتعزيز الشفافية بين الموظفين؛ لكن مع تزايد التجارب الواقعية والدراسات الأكاديمية، بدأت تتكشف مجموعة من السلبيات التي تقف عائقًا أمام هذه الفكرة اللامعة في ظاهرها.
عقول مشوشة وإنتاجية متراجعة
أظهرت دراسة حديثة أن الإنتاجية في المكاتب المفتوحة تنخفض بنسبة 15%، كما تضعف القدرة على التركيز وتزداد مستويات التوتر. ويؤكد كريس ناغيلي، المدير التنفيذي لإحدى شركات التقنية، أن اعتماد مكتبه على هذا النمط تسبب في تراجع أداء الموظفين، واضطر بعد ثلاث سنوات فقط إلى العودة للنظام التقليدي عبر مكاتب مغلقة لضمان بيئة عمل أكثر هدوءًا وتركيزًا.
الضجيج لا يولّد أفكارًا
يعتقد كثيرون أن انفتاح المساحات يسهم في توليد أفكار جماعية، لكن الواقع يعكس صورة مغايرة؛ إذ تنحصر أغلب الحوارات في الأحاديث الجانبية التي لا تمتّ للعمل بصلة، مثل الحديث عن المناسبات العائلية والمشاكل الشخصية. وتؤكد الباحثة في علم النفس البيئي سالي أوغوستين أن “أفضل الأفكار لا تولد من الضجيج بل من الهدوء والتفكير المركّز”.
الخصوصية مهدورة
في المكاتب المفتوحة، خصوصية الحديث شبه معدومة، ما يدفع الموظفين إلى كبت تواصلهم أو تأجيله، خوفًا من أن يكون مسموعًا، وقد أظهرت دراسة من جامعة سيدني أن 60% من الموظفين العاملين في مكاتب ذات سقوف منخفضة غير راضين عن خصوصيتهم، مقارنة بـ16% فقط في المكاتب الفردية.
الذاكرة مرتبطة بالمكان
وتشير أوغوستين إلى أن ذاكرتنا العملية تتأثر بالمكان الذي نعمل فيه، وإذ يمكن للبيئة الثابتة والمألوفة أن تساعد على استدعاء التفاصيل بشكل أكثر دقة، بينما يتسبب تغيير المكتب اليومي كما في أنظمة Hot-desking في اضطراب التذكر والتأقلم الذهني.
التوازن مطلوب
ورغم تلك العيوب، لا تزال بعض المنظمات تحاول خلق توازن عبر تخصيص مساحات هادئة أو مكاتب مغلقة صغيرة لفرق محددة، كما تدخل التقنيات على الخط، بتوفير تطبيقات ترشد الموظفين إلى المناطق الأقل ضجيجًا داخل المكاتب، مع مستشعرات ترصد الضوضاء وكثافة الوجود البشري.
خلاصة التجربة
ربما لا تختفي مكاتب العمل المفتوحة قريبًا، لكنها لم تعد فكرة مثالية، ومع تزايد وعي المدراء بأثر بيئة العمل على الأداء النفسي والذهني للموظفين، فقد بدأ كثير من المنظمات في التراجع عنها بحثاً عن الوقت، والمساحة للإبداع، والأهم السعادة.