استراتيجيات تحقيقها بين النتائج المحبِطة والإحصاءات الملفِتة السعادة المؤسسية "أكسير" الحياة للإنتاجية وجودة الأداء والتنافسية

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد 


السعادة المؤسسية من المفاهيم المهمة المعاصرة في بيئات العمل والمؤسسات المختلفة، وأحد أبرز سمات تنافسيتها، ومن المحفزات الفعالة لجودة الأداء وزيادة الإنتاجية بكفاءة وفاعلية؛ إذ تحقق نوعاً من الاندماج العاطفي والفكري بين الموظفين وبيئات أعمالهم وهو ما يعرف في علم النفس الإيجابي بـ"خبرة التدفق"، وشعورهم بحالة من الرضا ويرسِّخ لديهم الشعور بالولاء والانتماء المؤسسي. وهنا يبرز دور القادة الإداريين، والثقافة التنظيمية لتعزيز حالات السعادة بين الموظفين (الموارد البشرية) الذين يمثلون أثمن الأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات، وحتى نكون منصفين فإن هذه السعادة لن تتحقق بدون دور فعال لهؤلاء الموظفين كعنصر فعال في تحقيقها داخل بيئات العمل. وفي ضوء ذلك لم يعد إنشاء إدارات أو أقسام معنية بالسعادة المؤسسية نوع من الترف، فقد شهدت المملكة تعيين اختصاصيين للسعادة الوظيفية في بعض مؤسساتها. ويعد برنامج جودة الحياة-أحد برامج رؤية المملكة 2030-مرتكزاً استراتيجياً لتحقيق السعادة بشكل عام في المجتمع السعودي، والسعادة المؤسسية بشكل خاص.

نتائج محبِطة

وفقًا لبحث أجرته شركة BambooHR-بحسب ما أورده موقع HRmorning-انخفضت سعادة الموظفين بمعدل ثابت بين عامي 2020-2023م، وهو معدل أسرع بـ 10 مرات من السنوات الثلاث السابقة، حيث اتضح ما يلي:

50% من القوى العاملة العالمية غير منخرطين في العمل ولا يبذلون قصارى جهودهم فيه.

18% منهم غير راضين عن أعمالهم، ويعبرون عن ذلك بشكل علني، ويشاركون استياءهم مع الآخرين.

65% من الموظفين يقولون إن عملهم مصدر توتر لهم بمعدل يتراوح بين متوسط ​​إلى كبير.

39% من الموظفين الذين عملوا في وظائفهم لأقل من 6 أشهر يخططون للاستقالة قريبًا.

يضاف إلى ذلك ما يذكره موقع wellsteps أن مجلة "فوربس" أوردت نتائج إحدى الدراسات، والتي أفادت أن 61% من الموظفين يشعرون بالإرهاق ويعانون من أعراض الاكتئاب والغضب والقلق والآلام والتعب وغيرها من مشاكل الصحة البدنية والنفسية.

جودة الحياة الوظيفية

وفي ضوء ذلك، يبدو أن الاهتمام بجودة الحياة الوظيفية هو كلمة السر؛ حيث ترصد الباحثتان د.أريج الشماسي وديمة السديري "دور جودة الحياة الوظيفية في تحقيق السعادة المؤسسية"، فتؤكدان أنها تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد، بل وفي تحسين مستويات الأداء وزيادة الفاعلية التنظيمية ودعم القدرة التنافسية لهذه المنظمات. وتحدد الباحثتان المقصود بجودة الحياة الوظيفية بأنه يتمثل في مجموعة الإجراءات والعمليات المتكاملة لتحسين بيئة العمل للارتقاء بها من خلال تحقيق التوازن بين الحــياة الشخـصية والوظيفية للعاملين وزيادة انتمائهم ولكسب ولائهم المؤسسي لتحقيق الأهداف وزيادة الإنتاجية وضمان استمرارها، وهي تتمثل في 4 أبعاد هي: الاستقرار والأمان الوظيفي، والتوازن بين الحـياة الشخـصية والوظيفية، والمشاركة في اتخاذ القرارات، وبرامج التدريب.

الإنتاجية والرضا

وذكرت جامعة WARWICK الإنجليزية-عبر موقعها الإلكتروني-أن البروفيسور أندرو أوزوالد، والدكتور يوجينيو بروتو، والدكتور دانيال سجروي من قسم الاقتصاد بالجامعة، قد أجروا عدداً من التجارب البحثية عن علاقة السعادة المؤسسية بجدية الموظفين في أعمالهم وانعكاس ذلك على إنتاجيتهم وأدائهم؛ ووجدوا أنها تزيد من الإنتاجية بنسبة 12% تقريبًا. وفي تعقيبه على هذه النتيجة، قال البروفيسور أوزوالد: "استثمرت شركات، مثل جوجل بشكل أكبر في دعم موظفيها؛ ما أدى إلى ارتفاع رضاهم بنسبة 37%".

إحصاءات ملفتة

وتقدم Ashley Bell-عبر موقع snacknation-عدداً من الإحصاءات الملفتة الخاصة بسعادة الموظفين وعلاقتها بأداء مؤسساتهم وجهات أعمالهم؛ فتؤكد تفوق هذه المؤسسات على منافسيها بنسبة 20%، ويصبح هؤلاء الموظفون أكثر إنتاجية من غيرهم بنسبة 12%، وأن موظفي مبيعاتها السعداء يحققون زيادة في المبيعات بنسبة 37% مقارنةً بغيرهم.

ومن بين هذه الإحصاءات المثيرة للاهتمام والملفتة أكثر من غيرها أن 36% من الموظفين أبدوا استعدادهم للتخلي عن 5000 دولار سنويًا من رواتبهم ليكونوا أكثر سعادة في مؤسساتهم وأعمالهم، وأن صداقات العمل الوثيقة تسهم في سعادة الموظفين وزيادة رضاهم الوظيفي بنسبة 50%، ويحصل الموظفون السعداء في مؤسساتهم على إجازات مرضية أقل بـ 10 مرات عن غيرهم، وعبَّر 42% فقط من الموظفين عن سعادتهم بالمكافآت والتقدير من مؤسساتهم وجهات أعمالهم.

3 استراتيجيات

وفي ضوء وجود مؤشرات جادة أن نسبة كبيرة من الموظفين يشعرون بعدم السعادة وعدم الرضا في العمل؛ مما يُضعف مشاركتهم وإنتاجيتهم وأدائهم وقدرة جهات أعمالهم على الاحتفاظ بهم، يتبادر إلى أذهان قادة هذه الجهات التساؤل عن كيفية تغيير هذا الوضع السلبي، وهو ما يجيب عنه خبير الموارد البشرية "ستيف سوننبرج"-عبر موقع HRmorning-من خلال 3 استراتيجيات هي:

تقدير أدائهم: 

إنّ الربط الواضح بين الأداء الهادف والمكافآت المجزية وسيلة مهمة لتحسين سعادة الموظفين.

تحديد هدف أكبر:

من الأسباب الرئيسية لشعور الموظفين بعدم الاهتمام والإحباط والانفصال أو الإرهاق هو عدم شعورهم بأي معنى أو هدف لعملهم. لذلك من الضروري تبني استراتيجية عامة لدمج وإشراك جميع الموظفين في العمل ومشاركتهم في تحديد هدف استراتيجي أكبر لعملهم.

تهيئة بيئة العمل إنسانياً لبناء وتقوية أواصر الصداقات بين الموظفين وتفاعلهم معاً: 

على القادة والمديرين منح موظفيهم وقتًا للتعرف على بعضهم البعض، وقضاء وقت ممتع معاً، وبناء علاقات ود وصداقة فيما بينهم. فقد أظهرت الأبحاث أن وجود الأصدقاء في العمل يعزز من الرضا الوظيفي، والأداء، والصحة، كما يُخفف من التوتر والإرهاق.

التفاعل والتواصل

وفيما يتعلق بالتفاعل داخل بيئة العمل وعلاقته بسعادة الموظفين داخل بيئات عمل مؤسساتهم، يُبرز موقع WellSteps ما نشرته مجلة "فوربس" بشأن نتائج دراسة أفادت بأن هناك علاقة مهمة بين صحة الموظفين وتفاعلهم وتحقيق سعادتهم داخل بيئات عملهم، حيث قررت أن فرق العمل ذات التفاعل العالي تحقق ربحية أعلى بنسبة 21% لجهة العمل، وأن حوالي 89% من قادة الموارد البشرية يعتقدون أن مراجعة الزملاء والزميلات المستمرة وردود الفعل أمران أساسيان لنجاح الإنتاجية. كما تخسر الشركات الأمريكية ما يصل إلى 550 مليار دولار سنويًا بسبب الموظفين غير المتفاعلين.

6 طرق فعالة

وبالرغم من تعددها وتنوعها، يحدد موقع wellsteps 6 طرق فعالة لتحقيق السعادة المؤسسية، وهي: 

الاهتمام المؤسسي ببرامج الرعاية الصحية واللياقة والتغذية: 

مثل تقديم برامج للإقلاع عن التدخين، وإدارة التوتر والقلق، وتطوير صالات اللياقة البدنية والألعاب الرياضية في بيئة العمل، وغيرها من البرامج التي تعزز صحة الموظفين وعافيتهم بما يسهم في زيادة إنتاجيتهم.

التدريب الوظيفي والتعلم: 

لتعزيز مهارات الموظفين ومعارفهم، مما يمنحهم فرصًا أكبر للترقيات، ويقدم لهم ردود فعل إيجابية بناء على تقييماتهم، فيشعرون بالتقدير، ويسهم في رفع المعنويات، وهو الأمر الذي يعزز سعادتهم الوظيفية، والإنتاجية بشكل كبير.

تهيئة بيئة عمل جذابة: 

إن إضافة لمسة جمال لبيئة العمل تؤدي للراحة البصرية للموظفين، وتقلل من فرص إحساسهم بالملل والاكتئاب. فعلى سبيل المثال يمكن إضافة بعض النباتات والزهور والشجيرات المناسبة، أو إعادة طلاء الجدران بألوان زاهية، أو عرض أعمال فنية إبداعية على الجدران وفي الأماكن المناسبة، وإضافة مساحات أكبر للنوافذ، وزيادة منافذ الإضاءة الطبيعية.

التحفيز بالمكافآت والهدايا: 

هذا النوع من التحفيز يدفعهم للعمل الجاد، ويظهر الامتنان على إنجازاتهم، وتقدير جهودهم. ومن الأمثلة على هذا التحفيز تنظيم رحلات، واشتراكات النوادي، ومواقف خاصة لسياراتهم، وبطاقات الهدايا، وغيرها.

مرونة جهة العمل:

وفقًا لدراسة أجرتها ManpowerGroup Solutions؛ أفاد حوالي 40% من المتقدمين للوظائف حول العالم أن مرونة العمل كانت أحد أهم 3 اعتبارات لاختيارهم الوظيفي، لأنها تمنحهم نوعاً من الملائمة. ومن الأمثلة على هذه المرونة السماح للموظفين بتحديد جداول عملهم، والعمل عن بُعد في حالات وظروف معينة بحسب مقتضيات العمل.

إتاحة الفرصة لهم لإبداء مقترحاتهم وملاحظاتهم: 

يرغب الموظفون في أن يكون لهم صوت لدى مؤسساتهم من خلال السماح لهم بإبداء مقترحاتهم وملاحظاتهم، وهو ما يشعرهم بالاحتواء والانخراط في العمل، وخفض معدل عدم الرضا، وتحسين ظروف العمل وتلبية احتياجاتهم إلى حد ما، والحفاظ على تفاعلهم، ومنحهم فرص المساهمة بأفكار جديدة.

مبدأ "باريتو"

وتلفت د.شروق الشلهوب في كتابها "السعادة المؤسسية: دليل عملي للتطبيق" إلى ارتباط مبدأ "باريتو" بالسعادة المؤسسية، من خلال قاعدة 20%/80%، إذ يمكن استخدام مبدأ "باريتو" في تحديد 20% من العوامل التي تسبب 80% من إجهاد وتوتر الموظفين، واتخاذ إجراءات للحد من هذه العوامل، وبالتالي زيادة مستوى السعادة والرضا لدى الموظفين. ووفقاً لهذه القاعدة وهذا المبدأ؛ تشير الأبحاث إلى أن إدارة المخاطر بشكل فعال يؤثر إيجاباً على رضا الموظفين وسعادتهم في العمل؛ إذ تقلل من حدوث المشاكل والأخطاء المؤسسية، وتزيد من الثقة والرضا لدى الموظفين.

كما يمكن استخدام هذا المبدأ في تحديد الأولويات في إدارة المشاريع، بتحديد الـ 20% من الأنشطة التي تسبب 80% من الأخطاء أو التأخير في المشروع، وتنفيذ خطط العمل المناسبة لتجنب هذه المشكلات؛ مما يجعله أداة فعالة في تحسين أداء المؤسسات وزيادة مستوى السعادة المؤسسية لدى موظفيها.

4 نماذج

وختاماً، هناك العديد من النماذج-عالمياً ومحلياً-للسعادة المؤسسية. فتذكر الباحثة شريفة الطويرقي-عبر موقع educationmag-3 نماذج عالمية: أولها نموذج Great Place to Work الذي يرتكز على 5 محاور مهمة لتحقيق هذه السعادة، وهي: المصداقية، والاحترام، والعدالة، والاعتزاز، والعلاقات. والنموذج الثاني هو نموذج مؤسسة "جالوب" الذي يتضمن 12 عنصراً رئيسياً مرتبطين بالنجاح المؤسسي والتناغم الوظيفي. أما ثالثها فهو نموذج Perma الذي يقوم على 5 عوامل هي: المشاعر الإيجابية، والمشاركة، والعلاقات، والإنجازات، ووجود هدف أو معنى.

وتشير د.شروق الشلهوب إلى شركة DHL Express كنموذج يحتذى في تصدرها قائمة الترتيب العالمي لـ Great Place to Work لعام 2022م، بعد حصولها على تراتيب متقدمة سابقاً، حيث حققت المرتبتين الثانية عام 2020م والثالثة عام 2019م؛ إذ يصفها 91% من موظفيها بأنها مكان رائع للعمل، ويرى 90% منهم أن لديهم مزايا خاصة وفريدة من نوعها، مقابل 93% يشعرون بأنهم يحتفلون بالمناسبات الخاصة هنا، و88% منهم يشعرون بأن الإدارة تشملهم في اتخاذ القرارات التي تؤثر على وظائفهم وبيئة العمل، و80% يدركون أنهم يحصلون على حصة عادلة من الأرباح التي تحققها، و92% من موظفيها يعتقدون أن الإدارة لن تقوم بطردهم إلا كخيار أخير.




 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة