جبر الخواطر ليس مجرد قيمة أخلاقية نبيلة بل هو سلوك إداري ذكي يُعيد الروح للفريق، ويزرع ولاءً لا يمكن شراؤه، قد تكون كلمة طيبة من مدير، أو دعم بسيط من زميل تصنع أثرًا يفوق أثر المكافأة الرسمية، لأننا في لحظة الضيق، لا نتذكر الأرقام بقدر ما نتذكر من وقف بجانبنا أو ربت على كتفنا.
وفي بيئة العمل، لا شيء يعلو على الأثر الإنساني الراقي، فخلف كل مكتب، إنسان، وخلف كل إنجاز، روحٌ تستحق الاحترام؛ قد نختلف في المهام والخبرات والمناصب، لكننا بالتأكيد نشترك جميعًا في احتياجنا لكلمة طيبة تُقدّر جهدنا أو وقفة انسانية تُخفف عنا ضغط يومٍ مرهق أو حتى ابتسامة صادقة تُشعرنا بأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة.
نصادف في حياتنا أنواع متباينة الفكر، والثقافة، والطباع من البشر، وفي كل بيئة عمل، يتوقع الموظفون أن يكون المدير مصدر إلهام، وداعمًا للنجاح، ومرشدًا نحو التقدم، لكن السؤال: ماذا لو كان العكس؟ ماذا لو أصبح المدير هو السبب الأول في تدهور المعنويات وانطفاء الحماس؟! ماذا لو كان، هو ذاك الذي يغلق باب مكتبه، ويكتفي بالمراقبة بعيدًا عن هموم فريقه وتفاصيل يومهم العملي؟! لا يشارك، لا يستمع، ولا يُبادر، ومع الوقت، يفقد ثقته بفريقه ويفقد الفريق ثقته به، لأن الموظف حين يعمل بكل جهده دون أن يسمع كلمة "شكرًا"، يبدأ بالتساؤل: ما الجدوى؟ ومع تكرار التجاهل، يتحول الشعور بالحماس إلى شعور باللامبالاة، وفي النهاية تبنى عزلة إدارية من بعض المدراء لا تصنع احترامًا بل تصنع فجوة من الجفاء، وسوء الفهم تُضعف الأداء، وتُطفئ روح الانتماء.
للأسف، لا يزال بعض مديري الإدارات في القطاعين العام والخاص يظنون أن الجدية في العمل تعني الصمت، وأن التقدير ضعف أو أن شكر الموظف يُقلّل من سلطته؛ وهؤلاء لا يدركون أن أعظم القادة هم أولئك الذين يمنحون الكلمة الطيبة بسخاء، ويُدركون أن تقدير الإنسان لا يُقلل من الهيبة بل يعمّقها، فالمدير الذي لا يرى من حوله إلا أدوات تنفيذ، يفقد أهم ما في الإدارة.. الإنسان.
إن مثل هذا النوع من المدراء لا يُخطئ فقط في القرارات، بل يزرع بيئة عمل قاتمة، تفتقر إلى التقدير، وتفيض بالتوتر وسوء الفهم، وهذا لا يؤثر فقط على الأداء بل على الصحة النفسية والرضا الوظيفي للفريق بأكمله، فهو لا يسمع إلا صوته مما يدفع فريقه إلى الإنهاك والصمت، وحين تصمت الأفكار تموت فرص التطوير.. وهنا تُصاب بيئة العمل بالتسمم فلا أحد يثق، ولا أحد يرتاح، ولا أحد يبادر، وفي النهاية، لا يبقى إلا من اعتاد على الصمت أو فقد الأمل أما المتميزون، فهم يغادرون دون ضجيج بحثًا عن بيئة تعترف بقيمتهم.
ويمكن القول أن ليس كل مشكلة في الأداء سببها الموظف، فأحيانًا، المشكلة تكمن في المدير؛ ومن هنا فمن المهم الحرص على تمكين قادة يُلهمون لا يُطفئون، ويُقدّرون لا يُحبطون، ويزرعون الأمل بدلًا من الكآبة، لأن بيئة العمل الناجحة تُبنى من الجميع، ومسؤوليتنا كأفراد وإدارات أن نكون سببًا في رفع بعضنا، لا كسر بعضنا، وأن نؤمن بأن التقدير ليس مكلفًا، لكنه عميق التأثير، وأننا لا نحتاج إلى قرار رسمي لنُحسن إلى من يعملون معنا بل إلى جبر الخواطر فقط.