"التلاعب بالعقول" أساليــب خطيـــرة في بيئــــــــات العمــــــــــــل


يشعرونك بأنك موظف أو مدير سيء ومخطئ، ويشككون في آرائك حتى تفقد ثقتك في نفسك وقدراتك ومهاراتك، ورغم أنهم يثنون عليك فإنهم ينتقدونك أمام الآخرين، ويظهرونك دائماً أنك الجاني. إنهم المتلاعبون بالعقول في أماكن العمل، سواء من بين زملائك أو مديريك؛ يستهدفون إحباطك وتدني أدائك؛ فاحذرهم. فقد برز التلاعب بالعقول منذ أكثر من نصف قرن، وكان مواكباً لاندلاع الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي، حيث اعتمدت عليه أساليب الدعاية، خاصة ألمانيا النازية، والتي عرفت بالحرب النفسية. وأطلق البعض مسميات عديدة على التلاعب العقلي، بالرغم من عدم دقة بعضها، كغسيل المخ والتخدير النفسي وقتل العقل وإساءة معاملة الآخرين والتضليل العقلي والنفسي وغيرها من المسميات التي تدل على استخدام أساليب سلبية، قد تقوض الثقافة التنظيمية للمؤسسات وسمعتها وكونها بيئة عمل غير سعيدة. إن المتلاعبين بالعقول يمثلون خطراً داهماً على الزملاء والمديرين والمؤسسات؛ لذلك نصحبكم في هذا التقرير للتعرف عليهم، وعلى الأساليب التي يستخدمونها، وأمثلة عملية لها، ونصائح لمواجهتهم. 
الأكثر انتشاراً
وبحسب موقع BBC NEWS عربي، فبالرغم من أن مصطلح التلاعب بالعقول قد دخل القواميس قبل أكثر من نصف قرن، فإن الازدياد المتسارع في استخدامه عام 2013. فهذا المصطلح يعني ببساطة التأثير في شخص ما، لدفعه للتفكير في أنه مخطئ حتى حينما يكون مُصيباً. ويمثل ذلك ضرباً من ضروب إساءة معاملة الآخرين عاطفيا، ويمكن استغلاله لجعل ضحيته يتشكك في مدى سلامة قدراته العقلية.
وقد تم اختيار مصطلح التلاعب بالعقول ليكون المفردة الأكثر انتشاراً في عام 2018م. فهذا النوع من التلاعب موجود في واقع الأمر، في الكثير من جوانب حياتنا اليومية. وتقول "شيريل ميور"-خبيرة التدريب على إقامة علاقات اجتماعية صحية وسليمة في المملكة المتحدة-إن التلاعب بالعقول يمكن أن يحدث في مكان العمل.
تلاعب نفسي وفبركة
توضح دراسة كل من: Priyam Kukreja وJatin Pandey أن مصطلح "التلاعب العقلي" تم استخدامه لأول مرة عام 1938م في مسرحية بعنوان "إضاءة المصباح"، والتي تم تحويلها إلى فيلم عام 1944م بطولة "إنغريد بيرجمان" و"تشارلز بوير". حيث تدور الأحداث حول خداع الزوج زوجته كي تصدق أنها مجنونة، من خلال وميض الأضواء التي تعمل بالغاز في المنزل؛ مما تسبب في شكوى زوجته منه، وهو ما أنكره الزوج مرارًا وتكرارًا. وفي سبيل ذلك تحملت هذه الزوجة عذابًا عاطفيًا لا يمكن تفسيره، لكنها في نهاية الأمر تركته وانفصلت عنه، ثم تزوجت من آخر ساعدها في استعادة شعورها بقيمتها الذاتية من خلال إقناعها بأن ما كانت تعتقد أنه صحيح لم يكن إلا مجرد وهم وخيالات.
وتشير "ويكيبديا" إلى أن مصطلح "gaslighting" أو التلاعب بالعقول يعد نوعاً من أنواع التلاعب النفسي الذي يمارسه شخص على آخر، حيث يسعى ذلك الشخص إلى زرع بذور الشك في عقل شخص معين أو مجموعة معينة. وتتراوح درجات التلاعب بالعقل بين إنكار المعتدي لأمور قد حدثت إلى فبركة حوادث غريبة بنية إرباك الضحية.
الجناة والضحايا والأمثلة
ويثير موضوع التلاعب بالعقول اهتمام الكثيرين؛ حيث ترى "جيلينا فيسيك"-عبر موقع pumble- أن هذا الموضوع قد شهد زيادة مذهلة بنسبة 1740% في عمليات البحث في عام 2022م مقارنة بعام 2021م. وهذا دليل على زيادة الوعي بخطورته والاهتمام به.
وتلفت "فيسيك" إلى أن للتلاعب العقلي في مكان العمل، وبصرف النظر عن الشخص (الضحية) الذي يتعرض له، هناك ضحية أخرى لهذا النوع من التلاعب، وهي المنظمة والعمل نفسه. وعند الحديث عن الجناة، سنجد أن هناك العديد من الأشخاص الذين يمكنهم التلاعب بنا في أماكن العمل، وهو ما قد يشمل: المدير السام، والزميل الماكر، ومجموعة العمل التمييزية، والعميل المستاء، والمنافسين من الشركات والمؤسسات الأخرى.
ويذكر موقع exudehc أمثلة محددة يستخدمها المتلاعبون بالعقول في أماكن العمل، والتي من أبرزها: تقويض أفكار شخص ما باستمرار، وإبعاده عن الاجتماعات والتجمع والتواصل، وإنكار المحادثات والاتفاقات السابقة، وإلقاء اللوم على الآخرين، وتشكيكهم في الذاكرة، واستخدام معايير مزدوجة، والنقد العلني، وغيرها.
تشكيك مستهدف
وإذا انتقلنا إلى المتلاعبين بعقول زملائهم سواء بين الموظفين أو مديريهم؛ فإن الأمر يكمن-كما يشخصه موقع indeed-في حقيقة الصراع في مكان العمل، والذي يجعل من الصعب على المهنيين التركيز على إنتاج عمل عالي الجودة وتلبية التوقعات. وينطبق هذا بشكل خاص على الصراع الذي يتخذ طابع التلاعب العقلي، وهو نوع من التلاعب المستهدف الذي يؤدي إلى تشكيك الموظفين الذين يصبحون الضحايا في واقعهم أو قدرتهم على أداء أدوارهم بشكل فعال. ويمكن أن يتخذ هذا التلاعب أشكالًا مختلفة ولكنه يبدأ غالبًا بمدير أو زميل يشوه أداء زميل العمل الضحية من خلال جهود ومحاولات مستمرة ومتنوعة؛ يمكن أن تؤدي على المدى الزمني الممتد إلى أن يتساءل الضحية عن مهاراته وقدرته على تلبية التوقعات.
وتبين خبيرة علم النفس د.زوكرمان لموقع Parade أنه من الممكن أن يؤدي التلاعب العقلي، بمرور الوقت، إلى تآكل ثقة الموظف في قدراته وتفكيره المستقل؛ مما سيؤدي إلى انخفاض في أدائه العمل وانخفاض درجة تحفيزه وافتقاره بمرور الوقت إلى مهارات اتخاذ القرار. وسيترتب على ذلك كله أنه سيؤدي إلى عزل نفسه داخل مكان العمل؛ مما قد يشعره بدرجة أقل من الأمان ويعتريه الارتباك بشأن نظرة زملائه ومديريه إليه.
الثقافة التنظيمية
وتؤكد دراسة Jade Singleton التي أُجريت منذ حوالي 3 سنوات عن "التلاعب العقلي في المؤسسات"، أن مفهوم الثقافة المؤسسية أو التنظيمية يستخدمه الباحثون والخبراء لفهم وتفسير الظواهر النفسية في المنظمات، والتي من بينها ظاهرة التلاعب العقلي وتأثيراته. فمن المهم أن نفهم أن هذه الظاهرة الضارة ليست بمعزل عن هذه الثقافة، وأن حدوثها وانتشارها في بعض المنظمات يؤثر على الجدران الرمزية لثقافتها الراسخة، عن طريق تقويض أو تعزيز أسسها الأساسية. وبالطبع فإن الثقافة التنظيمية تؤثر بشدة في انتشار أو الحد من هذا التلاعب بالعقول.
13 علامة تحذيرية
ويتبادر إلى الأذهان سؤال مهم، وهو كيف يعرف الشخص المستهدف-سواء كان موظفاً أو مديراً-أنه يتعرض لعملية تلاعب عقلي؟ وهو ما يجيب عليه الموقع نفسه (indeed)، من خلال ملاحظة 13 علامة تحذيرية تشير إلى تعرضك لهذه العملية وأنك مستهدف من أحد المتلاعبين بالعقول في مكان عملك، وذلك على النحو التالي:
-1 وجود (شخص ما) زميل أو مدير معين لا يشعر بالرضا أبدًا عن عملك، بالرغم من أن هذا الأمر لم يكن موجوداً من قبل.
-2 هذا الزميل أو المدير يقوم بتحريف الحقائق دائماً، فربما لا يكذب لكنه يتلاعب بك كي يظهر نفسه بصورة أفضل.
-3 ربما تتعرض لتجاوز أو إهانة ما بشكل أو آخر؛ للتقليل منك ومن إنجازك وإحباطك وشعورك بعدم الارتياح وربما يتسببون في تعرضك لأوهام الفشل الوظيفي.
-4 أن ينسب زميلك أو مديرك هذا الفضل لنفسه في أداء العمل الذي ربما انتقدك بسببه، وربما يطلب مساعدتك في بعض المهام وينكر دورك في مساعدته.
-5 الكذب أو الإنكار أو إلقاء اللوم عليك؛ بهدف تحميلك المسؤولية كاملة عن الفشل في الأداء، بالرغم من أنك طلبت مساعدته أو شاركك في هذا الأداء، لكنه غير أهل لتحمل المسؤولية معك.
-6 يسعى هو أو غيره إلى أن يجعلك تشعر بالخطأ في العديد من المواقف، بالرغم من أنك في حقيقة الأمر غير مخطئ؛ حتى تشعر دائماً بالحرج.
-7 يجعلك تشعر دائماً بأنك تسيئ فهم الأمور والتكليفات والمهام الوظيفية والزملاء والمديرين، فمثلاً قد تقضي ساعات عمل إضافية بعد أن أخبرك مديرك بحصولك على مقابل مادي نظير ذلك، وعندما تذكِّره بذلك ينكر الأمر ويؤكد أنك أسأت الفهم، وربما يلومك على أنك طلبت هذا المقابل والتعويض الذي وعدك به فعلاً؛ مما يسبب لك بعض المشاعر السلبية والشك.
-8 استخدام بعض المعلومات ضدك، ومن أبرز الأمثلة على حدوث تلاعب عقلي بك عندما يقوم زميلك أو مديرك باستخدام معلومات يعرفها عن حياتك الشخصية ضدك في مكان عملك.
-9شعورك بالخوف من التواجد بمكتبك، فقد يغرس أو يتسبب أحدهم في ممارسة ثقافة الخوف في مكان عملك، وربما تلجأ للحصول على إجازات بسبب هذا التلاعب العقلي العاطفي، وخطورة هذا الأمر أنه قد يؤثر على حياتك الشخصية خارج نطاق ومكان العمل.
-10 يشعرونك بأنك غير مرغوب فيك أو منبوذ في مكان عملك، بالرغم من أن العكس صحيح تماماً، وهو أنك محبوب من الزملاء والمديرين. وقد يحدث هذا الأمر-أحياناً-بلجوء المتلاعبين بالعقول إلى نشر الشائعات، ومشاركة القيل والقال والكذب، وبإخبارك بأقوال وآراء سلبية لزملائك ورؤساءك في العمل؛ مما يجعلك تشعر بالوحدة والضعف.
-11 عدم تقدير شكواك من بعض الأمور، والتقليل من شأنك، أو الانحياز لزميل ما على حسابك.
-12 شعورك بعدم الانخراط في العمل كما كنت من قبل، عندما كنت تبذل قصارى جهدك، ثم يبدأ ذلك في التراجع بشكل كبير بمرور الوقت أثناء عملك مع زميل أو مدير معين.
-13 الشعور الدائم بالإرهاق، وربما الإرهاق الشديد؛ إذ يتسلل إليك عدم الاهتمام بالإنتاجية وجودة الأداء، وافتقار الدافعية للإنجاز، وربما الاكتئاب، والانفصال عن الزملاء المقربين والأشياء التي كانت تستهويك.
علامات أخرى
ونلفت الانتباه إلى أن هذه العلامات التحذيرية ليست على سبيل الحصر؛ لأن أساليب وعلامات التلاعب بالعقول كثيرة ومتنوعة، فمثلاً يضيف فريق من indeed علامات تحذيرية أخرى، والتي من بينها:
•إغفـــــال ذكــــــــر المعلومــــــــــــات أو حذفهــــــــــــــــا عمـــــــدًا من المحادثـــــــــات أو الاجتماعــــــــــــــات.
•الاستبعاد المهني المتعمد والتحيز ضد الموظفين القادرين والمؤهلين وذوي الأداء العالي من فرص التقدم والتقدير والتطوير المهني.
•الاستماع الانتقائي الذي يحدث عندما يستمع إليك زملاؤك في العمل أو المديرون بشكل انتقائي ويتجاهلون المعلومات التي تقدمها لهم في المحادثات العادية؛ مما قد يؤدي إلى التشكيك في قدرتك على التواصل أو تذكر محادثة بدقة.
7 نصائـــــــــح
وفي ضوء ذلك نطرح تساؤلاً مهماً، وهو: كيف نتجنب المتلاعبين بعقولنا في أماكن عملنا؟ وهو ما تجيب عليه "جيلينا فيسيك"، من خلال 7 نصائح، على النحو الآتي:
-1 التأكد أولاً من أن الأمر يتعلق بعملية تلاعب عقلي وخداع. لذلك قد يكون من المفيد التحدث إلى زملائك في العمل أو أصدقائك أو أفراد أسرتك حول المواقف التي تنطوي على الشخص الذي يستغلك، واسألهم عن وجهات نظرهم، فقط للتأكد من أنك تعرف ما تتعامل معه.
-2وثق كل شيء واكتبه واستشهد بزملاء آخرين، وذلك مع الأخذ في الاعتبار مدى شرعية ما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد ومواكبته القوانين والأنظمة واللوائح والقرارات المختلفة.
-3اطلب نصائح الزملاء وآرائهم بشأن ما تتعــــــــرض له من أساليــــــــــب تلاعب عقلي؛ حتى تتخــــــــــذ القــــــــــرارات والإجـــــــــراءات المناسبة.
-4الابتعاد عن مناطق الصراع على النفوذ والسيطرة والسلطة في مكان العمل، وعن المتنافسين عليها من الزملاء والمديرين.
-5الابتعاد عن المتلاعبين بالعقول؛ إذا كانت مواجهتهــــــم مرهقـــــة ذهنيــــــــــــاً ووجدانيــــــــــاً للغاية و/أو لا تؤدي إلى أي نتائج حقيقية.
-6التوجه إلى قسم/إدارة الموارد البشرية في مكان العمل-في حال لم يتم التوقف عن التلاعب العقلي بك؛ للمساعدة في مواجهة هؤلاء المتلاعبين.
-7التحدث إلى متخصص أو خبير في مجال الصحة العقلية؛ حتى يتم تجنب التداعيات الصحية السلبية لعملية التلاعب التي يتعرض لها الضحايا من الموظفين.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة