دراسة مترجمة تناقش..

مزايا استخدام القطاع العام والمنشآت غير الربحية وسائل التواصل اثناء الأزمات

العلاقات بين المنظمات المختلفة وجماهيرها تحدد طبيعتها وتحكمها عوامل كثيرة ومتشابكة، فأحياناً تكون متناغمة، وقد تصبح غامضة، وربما تكون مضطربة، خاصة أوقات الأزمات. لذلك فإن أغلب هذه المنظمات تستميل هذه الجماهير من الناحية الوجدانية، كتوظيف التعاطف باعتباره مصدراً مهماً تعتمد عليه الهيئات الحكومية والمنظمات غير الربحية من أجل تعزيز هذه الهيئات وسياساتها. وفي عصرنا الحالي الذي تهيمن فيه وسائل التواصل الاجتماعي على تلك الجماهير يمكن الاستفادة من هذا التعاطف بلغة مناسبة، بالتواصل مع المجتمع واستثارة مشاعره الإيجابية وتفاعله؛ مما يسهم في إدارة هذه الأزمات بكفاءة وفاعلية. وفي ضوء ذلك؛ نشرت مجلة "الإدارة العامة الصادرة عن معهد الإدارة العامة دراسة مترجمة للعربية بعنوان: "استخدام مؤسسات القطاع العام والمنظمات غير الربحية لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن التعاطف أثناء الأزمات"، والتي أجراها كل من: "وانزو شاي"، و"في ليو"، و"أرثر دي سوتو فاسكيز واري أدن جونزاليز"، وقامت بترجمتها للعربية كل من: د.فضية بنت ثاني الريس، ود.شيرين بنت عبدالرحمن العبدالقادر.

هدف عام وأزمة
تهدف الدراسة إلى رصد مدى توظيف استخدام القطاع العام والمنظمات غير الربحية المحتوى التعاطفي عبر حساباتها بوسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)؛ للتواصل المتبادل بينها وبين المواطنين اللاتينيين من سكان مدينة "لاريدو" الحدودية بين أمريكا والمكسيك، خلال أزمة التجمد الشتوي. بالإضافة إلى التعرف على آثار استخدام هذا المحتوى على مشاعر العامة.
وقد أجريت هذه الدراسة  حينما واجهت ولاية تكساس الأمريكية، أزمة طاقه خاصة المنطقة الحدودية منها،  نتجت عن هبوب عاصفة شتوية عنيفة؛ مما أدى إلى أزمة التجمد الشتوي الكارثية، حيث الطقس القاسي شديد البرودة والثلوج والمطر، إلى جانب تلف خطوط إمداد المياه والكهرباء في الولاية. إذ أصبح نحو 10 ملايين نسمة بين الولايات المتحدة والمكسيك يقطنون 4.3 ملايين منزل بلا كهرباء في هذه الظروف القاسية التي شهدت انخفاض درجة الحرارة إلى 20 درجة تحت الصفر، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب سكان هذه المدينة من اللاتينيين الذين يتحدث غالبيتهم باللغة الإسبانية.
لذلك اتخذت العديد من القطاعات، بما فيها الأجهزة الحكومية، وأقسام الشرطة، والمنظمات غير الربحية، إجراءات وتدابير فورية لإرشاد مواطنيها، والتأثير عليهم من الناحيتين العاطفية والعقلية؛ لأن الناس ينتظرون في مثل هذه الأزمة/الكارثة وجود دعم ومساندة من هذه الجهات والقيادات المجتمعية بأسلوب تعاطفي ومنصف وفعال، ويتوقعون منهم أن يكون لديهم الشعور والرؤية والقدرة على معالجة معاناتهم على المستوى الجماعي.
التعاطف
وتتحدد أهمية هذه الدراسة في ضوء قلة الدراسات التي تستكشف دور التعاطف في عملية التواصل أثناء الأزمات، بالرغم من وجود تزايد في أعداد الدراسات التي تم إجراؤها حول التعاطف بشكل عام في العديد من المجالات. ويعد التعاطف استراتيجية تواصل مدروسة بصورة جيدة، وقد ثبت ارتباطها بتحسين مستوى الصمود والرفاه العاطفي في مجالات عديدة. كما أظهرت الدراسات أن توظيف استخدام التعاطف في عملية التواصل مع الجمهور العام خلال الأزمات والكوارث قد يساعد الحكومات ومنظمات القطاع العام في زيادة فاعلية هذه العملية، من خلال استثارة المشاعر الإيجابية للعامة أو الجمهور وتعزيز صموده، بما يسمح بتقييم المواقف الراهنة والمعلومات، وإصدار الأحكام، واتخاذ خيارات وقرارات معينة.
وبصفة عامة، يتألف التعاطف من 3 عناصر مهمة: أولها الملاحظة التي تدل على الدراية بألم شخص ما أو بإحباطه أو أي مشاعر سلبية أخرى ناجمة عن معاناته. وثاني هذه العناصر هو الشعور الذي ينشئ صلة بين شخص وآخر وبحيث يشعران بنفس المشاعر. وأما الاستجابة-العنصر الثالث-فتتمثل في تخفيف معاناة الآخرين؛ ويتضح من هذه العناصر الثلاثة أن التعاطف هو أمر جوهري في عملية إدارة الأزمات.
التواصل الاجتماعي
وقد أدرك العديد من كبار مسؤولي القطاع العام وممارسي الأعمال غير الربحية مزايا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ للوصول إلى شرائح متنوعة من الجمهور (مستخدميها). كما يؤكد الخبراء والباحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أتاحت فرصة رائعة للتعرف على هذه المشاعر وتحليلها، في ظل ظروف وأحداث معينة، كالكوارث والأزمات. فقد دأبت الأجهزة الحكومية والمنظمات غير الربحية على تعزيز تواجدها عبر هذه الوسائل بشكل مستمر في هذه الظروف والأزمات. وقد خلصت العديد من الدراسات السابقة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنت هذه الأجهزة من تقديم دعمها العاطفي والتعاوني للجمهور؛ مما أدى إلى تزايد تفاعله ومشاركته عبر الإنترنت.
وتدرك الجهات والأجهزة والمنظمات المختلفة أن التحدي الحقيقي أمامها لا يقتصر على تواجدها في عالم التواصل الاجتماعي، لكنه يتركز في الحصول على اهتمام؛ وفي ضوء ذلك تفترض هذه الدراسة أن منشورات هذه الأجهزة والمنظمات عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي-التي تتضمن قدراً من التعاطف-ينتج عنها المزيد من ردود الأفعال الإيجابية للجمهور.
ثراء المعلومات
كذلك أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي ميزة دمج خصائص وسائل الإعلام التقليدية معاً؛ وتستثير أكبر قدر من الحواس الأساسية لدى الإنسان، فالنصوص المقروءة والفيديو تستثير حاسة البصر بالعين، والنصوص الصوتية تستثير حاسة السمع بالأذن، والمواد المعززة تستثير خياله، فهي تستميله عبر أكثر من حاسة معاً في الوقت نفسه. وفي هذا الصدد يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي لديها ميزة تنافسية مهمة وهي ثرائها المعلوماتي؛ فهي-باعتبارها من وسائل الإعلام-تمتلك قدرات متنوعة على نقل المعلومات للأفراد: (1) القدرة على دمج الاحتياجات الشخصية في المعلومات المقدمة، و(2) القدرة على تقديم تغذية راجعة سريعة، و(3) القدرة على استخدام قنوات متعددة لنشر المعلومات، و(4) القدرة على استخدام الرموز أو الأرقام أو البدائل في لغة ما لتوصيل المعلومات.
وقد أثبتت دراسات سابقة أن ثراء محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على مستوى تفاعل جمهورها؛ وبناء على ذلك، يمكن لمؤسسات القطاع العام وغيرها عرض معلوماتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدرجات مختلفة من الثراء؛ بناء على أنواع المحتوى المستخدمة. فبشكل عام، تعتبر منشورات هذه الوسائل التي تتضمن مقاطع فيديو، أو مقاطع صوت، أو رسوم متحركة من المنشورات ثرية المعلومات طالما اشتملت على مجموعة من الخصائص الحسية التي يمكن للجماهير التفاعل معها عبر الإنترنت. وفي ضوء ذلك، تأتي منشوراتها التي تستخدم صوراً حقيقية أو تخيلية-فقط-لتكون أقل ثراءً، ثم تلك التي تستخدم نصاً عادياً-فقط-في أدنى مستويات الثراء؛ طالما أنها لا تُحفِّز إلا قليلاً من تلك الحواس الأساسية للإنسان.
وقد صاغ الباحثون الفرضيتين الثانية والثالثة للدراسة، اللتين مفادهما: كلما احتوت منشورات وسائل التواصل الاجتماعي على صور، أو مقاطع فيديو؛ كلما أدت إلى مزيد من ردود الأفعال الإيجابية من الجمهور.
الرموز التعبيرية
اعتمدت الدراسة على قياس التعاطف من خلال تفاعل الجمهور مع منشورات القطاعات الحكومية والمنظمات غير الربحية، وفق 3 مستويات: الأول يتمثل في استخدام الجمهور الرموز التعبيرية، وثانيها إعادة نشر المنشورات، وثالثها إبداء التعليقات عليها. ويسلط الباحثون الضوء على الرموز التعبيرية، موضحين أنها تعكس مشاعر هذا الجمهور؛ لأنها عبارة عن أشكال مختصرة لتعبيرات الوجه بما يفصح عن رد الفعل تجاه محتوى المنشور، من حيث التعبير عن المشاعر، والحالة المزاجية، والعواطف.
وبصفة عامة توجد حالياً 7 أنواع من هذه الرموز التعبيرية عن مشاعر الجمهور، مثل: الحب، والاهتمام، والمرح (ها ها)، والحزن، والغضب، والانبهار (واو)، إذ تصنف الثلاثة الأولى من هذه الرموز ضمن المشاعر الإيجابية، بينما تصنف رموز الحزن والغضب ضمن المشاعر السلبية، مع استبعاد رمز الانبهار (واو) من هذين النوعين.
تعاطف وإيجابية وثراء
وبصفة عامة، خلصت الدراسة في نتائجها إلى أن منشورات الجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية عبر حساباتها على الفيسبوك احتوت على عناصر تعاطفية؛ زادت-بشكل ملحوظ-من مشاركات الجمهور عبر الإنترنت. وقد تأكدت صحة الفرضية الأولى للدراسة؛ حيث إن منشورات الفيسبوك ذات المحتوى التعاطفي الأعلى نتج عنها ردود فعل أعلى من جانب الجمهور. علاوة على ذلك، فقد أدى التعاطف إلى تقليل المشاعر السلبية وتعزيز المشاعر الإيجابية بين الجمهور.
كما لم يكن للثراء الإعلامي أي أثر على ردود أفعال هذا الجمهور، ولم يكن للصور ومقاطع الفيديو أي تأثير يذكر على هذه الردود؛ مما يؤكد أن هاتين النتيجتين لم تدعما الفرضيتين الثانية والثالثة للدراسة. وبالرغم من أن غالبية الجمهور يتحدد في اللاتينيين الذين يتحدثون بالإسبانية، فإن المنشورات الموجهة من هيئات القطاع العام بهذه اللغة اقتصرت نسبتها على 37.9% فقط؛ مما يبين أن اللغة المستخدمة هيمنت عليها المنشورات الموجهة باللغة الإنجليزية.


 
16/10/1446
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة