مجلة "التنمية الإدارية" تطرح السؤال: أيهما أكثر تنظيمــاً وإنتاجيــة في العمل الرجـل أم المــرأة؟​

تتسم بيئة العمل الحديثة بالكثير من التحديات المختلفة، وهنا يبرز سؤال لطالما شغل المهتمين بعلم الإدارة والتنمية البشرية: من يتمتع بمهارات تنظيمية أعلى وإنتاجية أكثر في العمل، الرجل أم المرأة؟ وبالرغم من أن العلم لا يعطي إجابة شافية حول من الأفضل الرجل أم المرأة، يرى البعض أن السؤال بحد ذاته يحمل الكثير من المغالطة، إذان المقارنة بهذه الطريقة تفترض سلفاً أن هناك فرقاً ما، وقد يكون شاسعاً. 
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال؛ تشير دراسات عديدة إلى أن الرجال يتميزون بالقيادة،
والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، بينما النساء يتمتعن بقدرة لافتة على تنظيم الوقت وتعدد المهام، حيث أثبتت النساء حضوراً قوياً في قطاع التعليم، والرعاية الصحية، والإدارة المكتبية، وفي المقابل، يتمتع الرجال غالباً بقدرة أعلى على التركيز في مهمة واحدة بعمق، وتحمل ضغوط العمل المرتبطة باتخاذ القرارات السريعة في مواقف تتطلب حسمًا وجرأة، وهذا ما يجعلهم يبرزون في مجالات كإدارة المشاريع، والهندسة، والتكنولوجيا.​
البيئة عامل حاسم
وتلعب بيئة العمل وثقافة المنظمة دوراً حاسماً في بروز سمات التنظيم، والإنتاجية، بغض النظر عن الجنس، فعندما تتوفر بيئة تشجع على التخطيط، وتقدّر الانضباط، فإن كلا الجنسين قادران على إظهار مستويات عالية من التنظيم، والإنتاجية، فقد أوردت دراسة أميركية، وإحصائية أخرى بريطانية أن النساء أكثر تنظيمًا في العمل من الرجال بنسبة 43 % مقابل 32 % للرجال، ووفقا لنتائج الدراسة من منصة الإنتاجية "هيف" (Hive) الأمريكية، بناء على بيانات 3 آلاف مستخدم من الذكور والإناث لمنصتها، وُجد أنه في مكان العمل تكون النساء أكثر إنتاجية من الرجال، حيث تعمل النساء بجد بنسبة 10% أكثر من الرجال، ولديهن معدل إتمام عمل مساو قليلاً أو أكثر من الرجال، كما وجدت إحصائية بريطانية بعنوان "حالة مكان العمل" (State of the Workplace) أنه يتم تكليف النساء بعمل أكثر من الرجال، حيث تظهر البيانات أن 55% من المهام يتم تكليف النساء بها في حين يتم تكليف الرجال بـ 45% من المهام، مع قيام كل من الرجال والنساء بإكمال حوالي 66% من المهام الموكلة إليهم، وأن النساء يقضين وقتا أطول في مهام غير قابلة للترقية، والتقدم الوظيفي مقارنة بالرجال، وفي بحث لجامعة كاليفورنيا حول السلبيات في بيئات العمل، جاءت "الدردشة" مع الزميلات كأبرز معيق للإنتاجية في العمل بشكل كبير، وتبين أن الدردشة تمثل مشكلة بالنسبة لإنتاجية النساء، ووفقا لموقع "نحلة المسح" (Survey Bee)، فإنه على الرغم من تكليف النساء بمزيد من العمل مقارنة بالرجال، وعلى الرغم كذلك من العديد من الانقطاعات أو الدردشات التي تجعل من الصعب العودة إلى سير العمل سريعاً، إلا أن النساء يحققن نتائج أكثر من الرجال، وذلك لأنهن يجيدن تعدد المهام، وأقل عرضة للإلهاء، ويعملن بمرونة، ولديهن توازن بين العمل والأسرة.
تفوق النساء
ووفقا للورقة البحثية المنشورة في مجلة "إم بي سي علم النفس" (BMC Psychology)، تتفوق النساء على الرجال عند تعدد المهام، أما الدراسة التي أجراها معهد "بونيمون" الأمريكي، فقد اتضح أنه يقل تشتت انتباه النساء خاصة في أثناء العمل، حيث يمكن للمرأة العمل لفترات أطول من دون تشتيت، وفي تقرير حول القيادة في جامعة "هارفارد" الأمريكية، تم تصنيف النساء على أنهن متفوقات في نشر المبادرة، والعمل بمرونة، وممارسة التطوير الذاتي، والقيادة لتحقيق النتائج، وإظهار النزاهة والصدق بالمقارنة مع الرجال الذين تم تصنيفهم بشكل أفضل من حيث قدرتهم على تطوير منظور استراتيجي، وخبرة فنية، وإدارة الصراع، والترابط الاجتماعي، ومهارات التفاوض.
الضريبة الوردية
ويشير موقع "ويفورم" (weforum)، إلى إنه بالرغم من الإنتاجية الأعلى للنساء مقارنة بالرجال في مكان العمل؛ فإنه لا تزال هناك ما يسمى بـ "الضريبة الوردية" (pink tax) التي تجعل المرأة تتقاضى أقل مما يكسبه الرجل مقابل نفس العمل الذي يؤديه كل منهما، كما لا يزال هناك نقص في تمثيل النساء في المناصب التنفيذية.
الرجال والثقة
وكشف موقع "ويفورم" (weforum) كذلك أن الرجال في بيئات العمل عادة يتمتعون بثقة عالية بالنفس تجعلهم أفضل أو أذكى في إبراز إنجازاتهم، وأكثر اقدامًا على اغتنام الفرص المهنية، وذات السياق يشير كتاب (Lean In) لشيرل ساندبيرغ، الرئيس التنفيذي للعمليات التشغيلية بـ"فيسبوك"، إلى أن معظم النساء اللاتي يرغبن في الوصول إلى لمناصب القيادية لا يصلن إليها لأنهن لا يمتلكن الثقة الكافية، ولا يعتقدن أنهن مؤهلات لأن يحصلن على مسؤوليات قيادية مثل زملائهن من الرجال، وأن المسبب لعدم وصول النساء للمناصب القيادية هو توقعات الآخرين تجاههن لا مدى ثقتهن بأنفسهن، وأن المشكلة تبدأ من المنزل ومن عمر صغير، وكيف أن المجتمع يربي البنات بطريقة تجعلهن أقل ثقة بأنفسهن.
المدير الرجل
وفي محور ذي علاقة، ذكرت بعض النساء وفقاً لموقع "ويفورم" (weforum) أنهن يفضلن أن يكون المدير رجلاً، وأن بيئة العمل تكون أفضل عندما يكون المسؤول عنهن رجل، وبالتالي تصبح مقومات النجاح أشمل وأوسع، لما قد يحصل بين النساء من عملية التحكم، والتسلط، والمزاجية، والغيرة مع بعضهن، وأنّ مستوى الإنجاز عند الرجال يكون أعلى من النساء، إلى جانب أنّ قرارات الرجل مسموعة لدى النساء، يتعاطف معهن بشكل دائم.
فهم الآخر
وفيما يلي لمحة عامة عن خصائص القيادة في بيئة العمل المعروفة المرتبطة بالرجال مقابل النساء، والتي يجب توفرها للإدارة والتنظيم:
خصائص القائدات الإناث:
- التركيز على المهام: تميل القيادات النسائية إلى التركيز على إتمام المهمة الموكلة لهن، ويركزن على العمل بشكل صحيح.
-التحول: تتميز المرأة بعكس الرجل هنا بقدرتها على التحول من الشخصية القيادية إلى الشخصية التي يقتدي بها موظفوها في العمل.
- خلق مناخ اجتماعي: يعتبر التواصل والحوار من أهم مميزات النساء، والتي تدفعهن لخلق بيئة اجتماعية أسرية في عملهن.
-تعزيز التعاون والمساهمة: القيادات النسائية عادة تعزز التعاون، والعمل المشترك، والتنسيق الهام لإدارة العمل ولا تتبع سياسة التفرقة.
خصائص القادة الذكور:
- أسلوب المعاملات: يتبع القادة الذكور في قيادتهم مبدأ المعاملات للمكافآت أو التأديب، لتحقيق الأهداف التي يسعون لها بغض النظر عن روح الفريق.
- الهيكل الهرمي: أعضاء الهياكل التنظيمية الهرمية يتواصلون بشكل رئيسي مع رئيسهم المباشر من جانب ومرؤوسيهم المباشرين من جانب آخر.
- التركيز على الأداء: هو تقييم إذا كان الشخص ينفذ وظيفته بشكل جيد أم لا، وهو مفهوم يعكس الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها.
- الاتصال المباشر: يفضل الرجال الاتصال المباشر بين المرسل والمرسل إليه لتحقيق أهداف معينة ونقل المعلومات للموازنة في بيئة العمل.
- خلق روح المنافسة: المنافسة البنَّاءة التي تعطي دافعًا كبيرًا وحافزًا بين الموظفين لإظهار أفضل ما لديهم في إطار تعاوني بينهم.
خلاصة القول: التكامل لا التنافس
وعموماً هناك اختلافات بين أنماط الرجال والنساء في بيئات العمل، ولكل منهم مزاياه وعيوبه، والرهان ليس على من الأفضل، بل على كيفية استثمار الفروقات الطبيعية بين الجنسين بما يخدم أهداف المنظمة. 


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة