الموظفون في الوزارات مستعدون للتحول للعلاقة التعاقدية بدرجة متوسطة وتوصي بتطبيقه على مراحل واستحداث إدارة للتغيير

تعد الدراسات والاستشارات المؤثرة من أبرز الركائز للاستراتيجية التحولية الجديدة لمعهد الإدارة العامة، خاصة الدراسات التطبيقية المعنية بمجال التنمية الإدارية، والتي يجري المعهد العديد منها؛ بهدف المساهمة في رفع كفاءة موظفي الدولة، مما سينعكس على تحسين أداء الجهاز الحكومي، من خلال تحسين إنتاجية هؤلاء الموظفين، وتحسين أداء الجهات الحكومية؛ والمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وانطلاقاً من هذه المستهدفات الاستراتيجية أجرى فريق من الخبراء والمتخصصين بالمعهد يضم كلاً من: أ.عبدالرحمن بن محمد الشعيل، ود.أدهم بن أحمد الشربيني، ود.عماد بن محمد سالم، وأ.سلطان بن عصام خطيب، وأ.رياض بن سليمان الخضيري، دراسة تطبيقية مهمة تستهدف "قياس مدى جاهزية الموظفين للتغيير إلى العلاقة التعاقدية في الوزارات بالمملكة العربية السعودية"، والتي نستعرضها معكم على صفحات مجلة التنمية الإدارية.

تحديات مهمة

وفقاً للهيئة العامة للإحصاء، فإن القطاع الحكومي بالمملكة يواجه تحدياً يتمثل في زيادة أعداد الموظفين حيث يبلغ عدد العاملين على رأس العمل الخاضعين لأنظمة ولوائح الخدمة المدنية من السعوديين 1.176.817 موظفاً، يمثلون 30% من إجمالي القوى العاملة السعودية التي تبلغ 3.915.000 موظف. وهي تعتبر من أعلى نسب التوظيف الحكومي في العالم. كما أشارت إحدى أوراق العمل إلى وجود مشكلة تواجه جهود إدارة التغيير تتعلق بضعف دور القيادات الإدارية بالمملكة. كما يواجه هذا القطاع أيضاً تحديات تتعلق بطبيعة العلاقة اللائحية التي تنظم العلاقة بين الموظف وجهة عمله، تتضمن:

- يخضع العدد الأكبر من منسوبي القطاع الحكومي في المملكة لهذه العلاقة اللائحية.

- العلاقة اللائحية كونها علاقة مستديمة تجعل الموظف يرتكن إلى الأمان الوظيفي واستحقاق الأجر الثابت وبدلاته؛ وهو ما ينعكس على إنتاجيته بما يؤثر على كفاءة أداء الجهة الحكومية ككل.

- العلاقة اللائحية تستند إلى العديد من اللوائح التي يخضع لها منسوبو الوزارات: متضمنة اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية، ولائحة المعينين على بند الأجور في الجهات الحكومية، ولائحة المستخدمين، واللائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ومَن في حكمهم، ولائحة توظيف غير السعوديين في الجامعات، ولائحة الوظائف التعليمية؛ وهو ما يتسبب في تشعب الممارسات الإدارية ذات الصلة بالموظفين في نفس الجهة.

- التباين في التعويضات والمزايا بين الخاضعين للعلاقة اللائحية والخاضعين للعلاقة التعاقدية وفق نظام العمل في نفس الجهة، حيث عادةً ما تزيد تعويضات ومزايا الخاضعين للعلاقة التعاقدية عن نظرائهم الخاضعين للعلاقة اللائحية، بما يخلق شعوراً بعدم العدالة بين الموظفين؛ وهو ما يتسبب في تباين مستويات الأداء بينهم.

-وجود اختلاف بين المسمى الوظيفي والوظيفة الفعلية التي يمارسها الموظف وما يترتب على ذلك من تبعات مالية وإدارية.

-صعوبة استقطاب الكفاءات المتميزة والحفاظ عليهم في ظل العلاقة اللائحية التي تتقيد باللوائح المالية الجامدة.

ثم تلخص الدراسة معوقات التغيير وتحدياته التي قسمتها إلى:

-معوقات داخلية: مثل مقاومة الموظفين للتغيير بسبب الخوف من فقد الوظيفة، والخوف مما هو جديد، وتغيير التطبيقات والنظم، وتغيير الوضع الوظيفي لهم..وغيرها.

معوقات خارجية: وتتحدد في صعوبة الحصول على موافقة الجهات الخارجية ذات العلاقة بالتغيير، وصعوبة التحكم في المدة الزمنية لعملية التغيير لأسباب خارجية.

3 قرارات و6 تجارب للتحول

ويستعرض فريق الدراسة الجوانب التنظيمية للتحول من العلاقة اللائحية إلى العلاقة التعاقدية، من خلال تحليل محتوى قرارات مجلس الوزراء المنظِمة لتحول الموارد البشرية في المملكة؛ بغرض الفهم الأعمق لهذه القرارات كأحد متطلبات التحول إلى العلاقة التعاقدية، والتعرف على الجوانب الداعمة لعملية التحول، والجوانب التي يمكن أن تمثل تحدياً عند تطبيق هذه القرارات. فيسلط الباحثون الضوء على 3 قرارات حصرية لمجلس الوزراء، وهي القرارات أرقام: 616، و231، و721. وتتناول الدراسة بالتفصيل محور تجارب عملية التحول الوطنية من العلاقة اللائحية إلى العلاقة التعاقدية في عدد من الجهات الحكومية. فقد قامت العديد من هذه الجهات بهذه العملية من التحول لموظفيها وفق نظام العمل قبل صدور قرار مجلس الوزراء رقم 616 بتاريخ 20/10/1442هـ، ومن أوائل هذه الجهات وزارة البرق والبريد  والهاتف. وبعد صدور هذا القرار، نقطة انطلاق للتوسع في عملية التحول.

تحول معهد الإدارة العامة

وتبحث الدراسة تجارب 5 جهات إذ تسلط في أولاها الضوء على تجربة معهد الإدارة العامة في التحول، حيث أنشئ المعهد بموجب المرسوم الملكي رقم 93 بتاريخ 24/ 10/ 1380هـ، الموافق 10/ 4/ 1961م. واستهدفت عملية تحوله إلى النظام التعاقدي تطوير منظومة الموارد البشرية لتتواءم مع استراتيجيته ونظام العمل، وتحسين تجربة الموظفين البالغ عددهم 1700 موظف، موزعين على فروعه المختلفة. فقد تضمنت عملية تحوله 4 مراحل بدأت بالتحول إلى الموارد البشرية الاستراتيجية، عقب إطلاق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية عام 1437هـ، حيث تحولت إدارة شؤون الموظفين بالمعهد عام 1439هـ إلى الإدارة العامة للموارد البشرية.

وتمثلت المرحلة الثانية في الإعداد للتحول من العلاقة اللائحية إلى العلاقة التعاقدية، إذ أطلق المعهد في عام 1442هـ/2021م مشروع هذا التحول، والذي اعتمد على 8 مسارات رئيسية تتواءم مع استراتيجية المعهد، وهي: الاستكشاف والتخطيط، والهيكل التنظيمي والوظيفي، واستراتيجية وسياسات وإجراءات الموارد البشرية، وخطة القوى العاملة، ونظام المكافآت الكلية، وإدارة المواهب، وتقييم القوى العاملة، وربط مخرجات المشروع بنظام الموارد البشرية الإلكتروني. وتضمنت المرحلة الثالثة تنفيذ تحول الموارد البشرية، وهي المرحلة التي تتواكب مع إطلاق معهد الإدارة العامة استراتيجيته التحولية الجديدة عام 2024م، بالموائمة مع قرار 616 ومتطلبات ومشروعات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ذات العلاقة بالتحول، وكذلك متطلبات وزارة المالية كاللائحة المالية بما يتناسب مع طبيعة مهام وخدمات المعهد. وتُعنى المرحلة الرابعة بتقييم تحول الموارد البشرية؛ نظراً لأهمية التقييم في قياس نتائج ما تم من مخرجات وممارسات بعد التحول، حيث يستهدف المعهد تقييم أثر التحول بعد مرور سنتين من التطبيق الكامل له.

4 أبعاد

وقد أسفرت نتائج الدراسة عن أن جاهزية الموظفين للتغيير والتحول إلى العلاقة التعاقدية في الوزارات ذات مستوى متوسط وأن هناك مجالاً لتحسين وتعزيز هذا المستوى للانتقال إلى العلاقة التعاقدية، مما سيسهم في تطبيق التحول بسلاسة وتقليل مقاومة الموظفين للتغيير والتحول؛ فقد أوضح المؤشر العام لأبعاد هذه الجاهزية أن بُعد القدرات المطلوبة للتغيير ذو مستوى مرتفع بنسبة 66.9 %، في حين أن كلاً من بعد الرغبة في المشاركة في التغيير ودعمه (61.3 %) وبُعد الوعي بالحاجة إلى التغيير (58.7 %) وبُعد المعرفة بكيفية التغيير (56.9 %) جميعها ذات مستوى متوسط. وبالنسبة للبعد الأول من تلك الجاهزية، والذي يتعلق بالوعي بالحاجة إلى التغيير، فقد ثبت أن إدراك الموظفين لأهداف (%60.4) وتبعات (%59.9) التحول إلى العلاقة التعاقدية أعلى من المتوسط العام للبُعد، في حين أن إدراكهم للمشكلات (%55.9) التي سيتم حلها عن طريق هذا التحول أقل من المتوسط العام لهذا البُعد. وتشير نتائج البُعد الثاني إلى أن رغبة الموظفين في المشاركة في التغيير أو التحول إلى العلاقة التعاقدية ودعمه ذات مستوى مرتفع بنسبة %63.5، ومستوى إدراكهم للنفع الذي سيعود عليهم من هذا التحول ومستوى تأييدهم للتحول للعلاقة التعاقدية جاء متوسطاً بنسبـــة %60.5 و59.9 % على التوالي. كما خلصت الدراسة إلى أن نتائج البعد الثالث الخاص بالمعرفة بكيفية التغيير أو التحول إلى العلاقة التعاقدية يمكن تلخيصها في أن معرفة الموظفين بمدى ارتباط عملهم بهذا التحول والتغيير ومعرفتهم بنظام العمــــــل جاءتـــــا بمستوى متوســـــط بنســــبتي %60.8 و%59.1 على التوالــــي، بينمـــا معرفتهــم بمراحل عملية التحول ذات مستوى محدود بنسبة 49.1 %. بينما أظهرت نتائج البُعد الرابع الذي يقيس القدرات المطلوبة للتغيير والتحول إلى العلاقة التعاقدية أن مستوى الدور الذي يلعبه الموظف بشكل إيجابي في عملية التغيير والتحول إلى العلاقة التعاقدية وقدرته على التعامل مع متطلبات مراحل هذه العملية أعلى من المتوسط العام لهذا البُعد، في حين أن مستوى قدرة الموظف على التعامل بنجاح مع تبعات التغيير والتحول إلى هذه العلاقة التعاقدية أقل من متوسطه العام.

28 توصية

وفي ضوء أهدافها ونتائجها؛ تبدي الدراسة حوالي 28 توصية رئيسية مهمة، صنفتها إلى 4 مستويات، فعلى المستوى الوطني توصي باستحداث وحدة تنظيمية في جميع الوزارات والجهات الحكومية بالمملكة بمسمى "إدارة التغيير" التي ترتبط مباشرة بالوحدة التنظيمية المسؤولة عن الموارد البشرية، وتوصي بتطبيق التغيير والتحول إلى العلاقة التعاقدية في هذه الوزارات والجهات الحكومية على مراحل، وبحيث تضم كل مرحلة عدداً منها؛ لضمان كفاءة هذا التطبيق ونقل خبراته والدروس المستفادة منه إلى الجهات الأخرى التالية لها في التطبيق التي لم تنتقل بعد لنظام العمل.أما التوصيات على مستوى جهة الاختصاص بالجوانب التنظيمية للتحول، فقد صنفها فريق الدراسة إلى 10 توصيات تتعلق بالقرار رقم 616، بالإضافة إلى توصية رئيسية بشأن القرارين رقمي 721 و231، والتي تنحصر في إعداد أدلة لتوضيح آليات تنفيذ بعض مواد القرارات المذكورة بالدراسة التي تمثل تحدياً عند تطبيقها. كما حددت الدراسة 5 توصيات على مستوى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتي منها على سبيل المثال مراقبة الالتزام بالقواعد المنظِّمة لعملية التغيير في الجهات الحكومية، وإصدار دليل شامل لمراحل وإجراءات عملية التحول إلى العلاقة التعاقدية. كذلك اقترحت الدراسة حوالي 10 توصيات على مستوى مختلف الوزارات والجهات الحكومية، إذ قسمتها حسب مراحل التحول إلى العلاقة التعاقدية إلى 3 مراحل: منها 6 توصيات خاصة بمرحلة ما قبل التحول إلى العلاقة التعاقدية، و7 توصيات تتعلق بمرحلة أثناء التحول إلى العلاقة التعاقدية، و3 توصيات خاصة بمرحلة ما بعد التحول إلى العلاقة التعاقدية.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة