التفكير خارج الصندوق..نموذج للتفكير الابتكاري، من منطلق أن لكل مشكلة مهما كانت صعوبتها ودرجة تعقيدها حلاً، فهو أحد أبرز الأسرار المهمة للنجاح، خاصةً في حياتنا العملية وأداء مهامنا الوظيفية، وهو ميزة تنافسية نادرة، سواء على مستوى الموظفين أو المديرين والقيادات الإدارية أو مستوى المنظمات والشركات المختلفة. كذلك يحظى بأهمية كبرى في عالم ريادة ورواد الأعمال لتحقيق النجاح والتميز بأفكار أساسها مبدأ "الحاجة أم الاختراع"، من خلال الشغف والسعي المتواصل والطموح، وعدم الاستسلام فلا تكن مثل "هاري" الذي كان متخصصاً في فتح الخزائن، فتحداه أحدهم أن يفتح خزنته خلال ساعتين، فضحك "هاري" وقال: سأفتحها خلال خمس دقائق، وبدأ بمحاولة فتح الخزنة، حتى مضت ساعتين ويئس من فتحها؛ فاستند على بابها فانفتح، هنا ضحك "هاري" لأن الباب كان مفتوحاً، وهو ما لم يتوقعه..فهل تعلم أنك-ربما-لو فكرت بعقلية طفل، أو أحياناً طرحت على نفسك أفكاراً سخيفة؛ فربما تصل إلى حلول وأفكار خارج الصندوق.
عجوز وصديقه وخطيبته
يقدم موقع tathwir.com نموذجاً ومثالاً عملياً للتفكير خارج الصندوق، والذي يتمثل في أحد الأسئلة التي وردت في استمارة طلب الالتحاق بأحد الوظائف، والذي يفترض أنك تقود سيارتك في ليلة عاصفة جداً، وليس لديك متسعاً فيها إلا لشخص واحد فقط، وفي طريقك مررت بموقف للحافلات ورأيت 3 أشخاص ينتظرون الحافلة: الأولى هي امرأة عجوز لا تستطيع المشي، والثاني صديق قديم سبق ان أنقذ حياتك، والثالثة هي خطيبتك التي تود الزواج منها. فأيهم سيركب معك؟
فإذا فكرت في هذا الموقف بطريقة معتادة ومنطقية تقليدية، سيكون تحليلك له على النحو التالي: يمكنك أن تقل السيدة العجوز لأنها لا تستطيع المشي لذلك وربما من الأفضل إنقاذها أولاً، بينما الاحتمال الثاني فإنك ربما تستطيع أن تأخذ صديقك القديم لأنه قد سبق وأنقذ حياتك وقد تكون هذه هي الفرصة المناسبة لرد الجميل، وبالنسبة للاحتمال الثالث فماذا عن خطيبتك التي تود الزواج منها. ففي كل الأحوال لن تكون قادراً على إيجاد الشخص الأحق بأن تصحبه وتقله معك في السيارة في تلك اللية العاصفة.
لكن شخصاً واحداً فقط من بين 200 شخص تقدموا للالتحاق بالوظيفة أجاب عن هذا السؤال، من خلال تفكيره خارج الصندوق. فقد أجاب ببساطة: سأعطي مفاتيح السيارة لصديقي القديم واطلب منه توصيل السيدة العجوز إلى بيتها، فيما سأبقى أنا لحماية خطيبتي في انتظار الحافلة!
الرولز رويس مقابل 15 دولار
ويسرد الموقع نفسه مثالاً آخر ومتداولاً للتفكير خارج الصندوق، إذ يُحكى أن رجل أعمال ذهب إلى أحد البنوك بمدينة نيويورك الأمريكية، وطلب قرضاً من البنك بقيمة 5000 دولار، وهو ما برره للبنك برغبته في السفر إلى أوروبا لقضاء بعض الأعمال، بالرغم من كونه مليونيراً وبالطبع فهو لا يمر بضائقة مالية. فطلب البنك منه ضمانات لكي يعيد المبلغ، لذا فقد سلَّم الرجل مفتاح سيارته "الرولزرويز" إلى البنك كضمان مالي؛ فقبلها، بعد أن قام رجل الأمن في البنك بفحص السيارة وأوراقها الثبوتية، والتأكد من أنها سليمة، وتم إيقاف السيارة في مواقف البنك السفلية (الكراج). اللافت في الأمر أن رئيس البنك والعاملين ضحكوا كثيراً من تصرف رجل الأعمال، بل وسخروا منه فيما بينهم، لإيداعه هذه السيارة الفاخرة التي تقدر قيمتها بـ 250 ألف دولار كضمان لقرض بقيمة 5000 دولار.
وبعد مرور أسبوعين، عاد رجل الأعمال من سفره وتوجه إلى البنك وقام بإعادة وتسليم مبلغ القرض (5000 دولار) مع فوائد بقيمة 16 دولاراً-تقريباً-للبنك. وقد لفت الأمر انتباه المدير المسؤول عن منح القروض في البنك، فقال: سيدي، نحن سعداء جداً بتعاملك معنا، ولكننا مستغربين جداً؛ فقد بحثنا في معاملاتك وتحرينا حساباتك، فوجدناك من أصحاب الملايين، ولست متعسراً، فلماذا اقترضت مبلغ 5000 دولار وأنت لست بحاجة إليها؟ فرد رجل الأعمال، وهو يبتسم: تعلم مدى الازدحام الذي نعانيه بمدينة نيويورك، وحوادث سرقة السيارات، وصعوبة إيجاد أماكن لانتظار السيارات بأمان طوال هذه المدة مقابل مبلغ لا يتجاوز 16 دولاراً، ودون أن أجدها مسروقة بعد عودتي من سفري. لذلك واتتني الفكرة والحل المثالي في اقتراضي من البنك هذا المبلغ القليل مقابل أن تحفظوا لي سيارتي الفارهة لديكم بأمان (تفكير خارج الصندوق).
نموذج نتفليكس
ويضرب موقع Qoyod مثالاً مهماً في أهمية التفكير خارج الصندوق في عالم الشركات، من حيث نشأتها وتميزها وتنافسيتها واستمراريتها، وهو ما تجسده شركة "نيتفليكس"، وذلك على النحو التالي:
التفكير التقليدي: في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، كان سوق تأجير الأفلام التقليدي يعتمد على متاجر مثل Blockbuster، حيث يتم استئجار الأفلام من المتجر مقابل رسوم. فقد كانت الطريقة التقليدية تركز على توسيع شبكة المتاجر وتحسين تجربة العملاء في الفروع المادية.
التفكير خارج الصندوق: قامت نيتفليكس بتحدي هذا النموذج التقليدي، من خلال تقديم خدمة تأجير الأفلام عبر الإنترنت مع شحن الأقراص المدمجة بالبريد. وبعد ذلك، استغلت الإنترنت بشكل أوسع، حيث تحولت إلى البث المباشر (Streaming) بدلًا من التركيز على تأجير الأقراص.
هذا النهج الجديد لم يكن مألوفًا أو متوقعًا في ذلك الوقت، لكنه مكَّن نيتفليكس من تخطي جميع المنافسين، بما في ذلك Blockbuster التي أعلنت إفلاسها في عام 2010، بينما أصبحت منافستها نيتفليكس-اليوم-واحدة من أكبر شركات البث الرقمي في العالم.
5 تكنيكات
وتقدم الكاتبة Margaux Poupard عبر منصة Udemy 5 أفكار مهمة لتوليد أفكار خارج الصندوق والتميز في ابتكار مثل هذه الأفكار، وهي:
- العصف الذهني العكسي: فبدلاً من العصف الذهني حول كيفية تحقيق هدف ما، قم بعكس ذلك، أي العصف الذهني حول طرق الفشل في تحقيق هدف ما. فهذه التقنية تعتمد على الميل البشري الطبيعي لرؤية المشكلات بسهولة أكبر قبل رؤية الحلول.
- خمسة خيارات: إحدى الطرق للتخفيف من حدة الرفض، سواء من الإدارة العليا أو من نفسك وتفكيرك، هي الإصرار على تطوير 5 خيارات أو حلول ممكنة لمشكلة ما. فقد يكون من السهل اختيار الخيارين الأولين أو الثلاثة الأولى، ولكن عندما تقع في حيرة الاختيار بين الخيارين الرابع والخامس، لا تتحدد بهما، وحفِّز نفسك للاستمرار في التفكير لابتكار حلول أخرى إضافية.
- نهج العوائق: في أي مشروع جديد، قد لا يتعلق الأمر بوجود عوائق تحول دون الوصول إلى تحقيق الهدف أو الأهداف، بل يتعلق الأمر بنوع هذه العوائق التي تعترض طريقك لتحقيقها. لذلك قبل أن تبدأ أي مبادرة، تخيل كل العوائق المحتملة التي قد تواجهها، وضع خطة أو خطتين لتجنبها.
- المستقبل المثالي: سواء بوعي أو بغير وعي، فإننا جميعًا نحمل فكرة عما نرغب في أن يبدو عليه مستقبلنا. ولكن ماذا لو مارسنا ذلك بوعي أكبر وبنظرة ثاقبة نحو المشاريع التي نعمل عليها؟ لذلك اسأل نفسك: كيف يبدو المشروع؟ وماذا تفعل؟ ومن هم المشاركون؟ وما الذي يختلف عن الحاضر؟ وما الذي تحتاجه لجعل هذا المستقبل المثالي حقيقة واقعة؟ وبذلك يمكنك اتباع هذا النمط من التفكير عند التخطيط لمسيرتك المهنية.
- تبسيط الأمر: قال الحائز على جائزة نوبل الراحل "ريتشارد فاينمان" ذات مرة: "إذا لم تستطع شرح الأمر لطفل يبلغ من العمر 6 سنوات، فأنت لا تفهمه حقًا". فإذا لم تستطع شرح مشكلتك لطفل، فخذ بعض الوقت لمعرفة كيفية تنفيذ مشروعك بشكل أكثر بساطة. ففي بعض الأحيان، يساعدنا فعل اكتشاف المشكلة في وضع الأفكار المعقدة من خلال مصطلحات بسيطة.
3 طرق غريبة
وانطلاقاً من عدم تقليدية هذا النوع من التفكير، يشير موقع annajah إلى طرق أخرى غير تقليدية تساعد في التفكير خارج الصندوق، والتي من أغربها:
- اقلب الأشياء رأساً على عقب: سواء بطريقة مادية أو مجازية، فالدماغ البشري يمتلك مجموعة من عادات صياغة الأنماط التي غالباً ما تحجب أنماطاً أخرى أكثر دقة في العمل، لذلك فإن تغيير اتجاه الأشياء يؤدي إلى حجب الأنماط الاعتيادية أو الواضحة وظهور أنماط أخرى.
- اطلب نصيحة طفل: هناك مقولة: "الأطفال مبدعون بطبيعتهم قبل أن يدمرهم المجتمع"، فهم يفكرون ويتحدثون دون التقيد بالقواعد، وقد يكون هذا الوضع مفيداً جداً في بعض الأحيان، وفي ضوء ذلك لا حرج في أن تسأل طفلاً عن كيفية حل مشكلة ما، فالفكرة من هذا كله أن تفكر بطريقة غير تقليدية.
- اعمل ببعض العشوائية: إذا كنت قد شاهدت مقطع فيديو لرسومات "جاكسون بولوك"؛ فقد رأيت رساماً بارعاً يعمل من خلال إضفاء بعض العشوائية في رسوماته؛ إذ يتحكم "بولوك" في فُرَشه وأدواته لالتقاط القطرات الضالة وبقع الطلاء التي تشكل عمله.
وهل تتذكر يا عزيزي القارئ الفيلم الأمريكي الكوميدي المشهور "The Musk"؟ الذي طرحته هوليود في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين للممثل المشهور "جيم كاري"، والذي كان كلما ارتدى القناع يتصرف بنوع من العشوائية التي كانت تجعله يبتكر أفكاراً خارج الصندوق، تثير ذهول وإعجاب المشاهدين.
10 فوائد
ونختتم معكم هذا التقرير بتوضيح فوائد التفكير خارج الصندوق، والتي تبدو فائدتها الأهم في عالم الأعمال والشركات والموظفين فيما يشير إليه موقع Medium، إذ إنه مع وجود 7.8 مليار نسمة في العالم و41 ألف شركة مسجلة في البورصة، فإن المنافسة بين الموظفين والشركات في العالم تتزايد بشكل كبير كل عام؛ حيث تجري كل شركة تقريبًا في جميع أنحاء العالم الكثير من الأبحاث للعثور على ابتكارات أو الاستمرار في تطوير وتجويد علاماتها التجارية.
وبالرغم من أن الخبراء والمتخصصين والباحثين يتفقون على أن للتفكير خارج الصندوق الكثير من الفوائد، إلا أن موقع Qoyod يتطرق إلى أبرز 10 فوائد منها في مجال الإدارة، وهي:
- إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات: على سبيل المثال، بدلاً من التفكير في أسباب المشكلة فقط، يركز التفكير خارج الصندوق على استكشاف طرق جديدة للتغلب عليها، وهو ما يمكن أن يوفر الكثير من الوقت والجهد.
- تعزيز الإبداع والابتكار: في عالم الأعمال، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الابتكار إلى تطوير منتجات وخدمات فريدة تلبي احتياجات العملاء بطرق لم تكن مطروحة من قبل.
- تحسين القدرة على اتخاذ القرارات: يمكن أن يعزز التفكير خارج الصندوق من قدرة الفرد أو المؤسسة على اتخاذ قرارات مستنيرة تعالج المشكلة بشكل جذري وتضمن تحقيق النتائج المرجوة.
- تحقيق التميز والتنافسية: في عالم مليء بالمنافسة، تعتمد الشركات الناجحة على التفكير الإبداعي لتمييز نفسها عن الآخرين. فالتفكير خارج الصندوق يمكن أن يمنح الأفراد والشركات ميزة تنافسية من خلال تقديم حلول أو منتجات جديدة ومبتكرة تجذب الانتباه وتلبي احتياجات السوق بشكل مميز.
- التغلب على الروتين وكسر الجمود: مما يعيد الحيوية إلى العمل والحياة اليومية. كما أنه يشجع على استكشاف طرق جديدة للعمل، مما يجعل العمل والحياة أكثر إثارة وتحفيزًا.
- تطوير مهارات حل المشكلات: من خلال استكشاف طرق جديدة لتقييم المواقف وتطوير استراتيجيات لحلها.
- تعزيز الثقة بالنفس: عندما ينجح الأفراد أو الشركات في إيجاد حلول مبتكرة أو تقديم أفكار جديدة، فإن ذلك يعزز من ثقتهم في قدراتهم.
- فتح آفاق جديدة وفرص غير متوقعة: يتيح التفكير خارج الصندوق للأفراد والشركات رؤية ما وراء الخيارات الواضحة، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة قد تكون غائبة عن التفكير التقليدي. فهذا النوع من التفكير يساعد على اكتشاف إمكانات لم تكن واضحة من قبل، مما يعزز فرص النمو والتطور.
- تعزيز التعاون وبناء فرق عمل متميزة: عندما يتم تشجيع التفكير خارج الصندوق داخل الفرق أو المؤسسات، فإن ذلك يعزز التعاون بين الأعضاء. يتم تبادل الأفكار بحرية، مما يؤدي إلى تطوير حلول جماعية مبتكرة. هذه البيئة التعاونية لا تساعد فقط في تحسين الإنتاجية، ولكنها أيضًا تعزز من روح الفريق وتزيد من التفاعل الإيجابي بين الأفراد.
القدرة على التكيف مع التغيرات: في عصر تتغير فيه التكنولوجيا والأسواق بسرعة مذهلة، أصبح التكيف مع هذا التغيير مهارة حيوية. لذلك فإن التفكير خارج الصندوق يمكن أن يساعد الأفراد والشركات على مواجه