كتاب مترجم: القيادة الرشيقة في أوقات الاضطرابات

القيادة، والذكاء، والاضطرابات، والثقافة..4 عوامل رئيسية مؤثرة في صناعة القيادة الرشيقة؛ في ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها المنظمات المختلفة، وقادتها. فقد أصبحت القيادة الرشيقة أحد العوامل الأساسية لنجاح هؤلاء القادة، خاصة أوقات الأزمات. وفي ضوء ذلك نستعرض معكم كتابًا مترجمًا بعنوان: "القيادة الرشيقة في أوقات الاضطرابات"، من تأليف "شارون أوليفييه" و"فريدريك هولشر" و"كولين ويليامز" وهو صادر باللغة العربية عن معهد الإدارة العامة. وقد قام بترجمته أ.د.جوهرة بنت محمد أبا الخيل، وراجع الترجمة أ.د.أحمد بن مداوس اليامي.

إشادة

يتكون الكتاب من مقدمة، و8 فصول متنوعة، إضافةً إلى المراجع والملاحق. ويستهله المؤلفون بالإشادة به، من خلال أقوال الخبراء والمتخصصين الذين يرون أنه يتحدى التفكير التقليدي للقيادة، ويقدم نهجًا مبتكرًا لإعادة صياغة القيادة. كما أنه يحفز القادة وبقوة على بذل أفضل ما لديهم للتطور إلى ما وراء المألوف. كذلك يثني الكثير منهم على تسليط الكتاب الضوء على العلاقة بين القيادة والذكاء، إذ إنه يتناول ثلاثة أنماط من هذا الذكاء: الفردي، والجمعي، والحدسي، ويوضح كيفية تطوير القدرة على استخدام هذه الأنماط في تنمية القدرات القيادية. يضاف إلى ذلك أن هذا الكتاب يساعد على تمكين فرق العمل كي تكون أكثر مرونة وسرعة في الاستجابة وأكثر استقلالية. ويبدو أن أكثر ما يلفت الأنظار لقراءة ذلك الكتاب هو أن مؤلفيه من ذوي الخبرات الواسعة، من خلال عملهم في مجالس إدارة الشركات والمؤسسات التجارية، والجامعات، والأبحاث العلمية حول العالم.

3 اضطرابات

وتحت عنوان: "السعي نحو الرشاقة في عالم مضطرب"، يفتتح المؤلفون الكتاب بالفصل الأول الذي يستعرضون فيه البحث عن الرشاقة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه القادة في القرن الحادي والعشرين، مؤكدين مقولة إن "الاضطراب هو المعلم للقادة الرشيقين وليس عدوهم". ووفق نظرة بانورامية للعالم المضطرب، يحدد الكتاب 3 أنماط من الاضطراب: التكنولوجي، والاجتماعي، والطبيعي. فالاضطراب التكنولوجي له تأثير مستمر على حياتنا الاجتماعية والثقافية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن توفر البيانات والتطور في الذكاء الاصطناعي قد سرَّع من وتيرة "اتخاذ القرار" الذي يخرج-أحيانًا-عن سيطرة القادة، وفي هذا الصدد يشير بعض المختصين إلى نشوء "رأسمالية المراقبة". وأما ما يتعلق بالاضطراب الاجتماعي، فإن المفارقة الإنسانية تكمن في أن حاجتنا للانتماء تؤثر على طريقة عملنا وقيادتنا، ففي حين أن القرن العشرين سيدخل في التاريخ باعتباره ذروة عصر التحرر والتعبير الفردي، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد عودة الحاجة إلى الانتماء والترابط. وبالنسبة للاضطراب الطبيعي فهو يتعلق بالأرض والطبيعة والبيئة من حولنا، حيث تأثير الثقافة الاستهلاكية التي أثرت في الطبيعة بشكل لا رجعة فيه، مثل الاحتباس الحراري، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، إذ يبرز عدم اللامبالاة وعدم مراعاة البشر للطبيعة من حولنا.

3 ذكاءات

كذلك يركز هذا الفصل على إبراز مفاهيم 3 أنماط من الذكاءات، وهي: الفردي، والحدسي، والجمعي. وبالنسبة للذكاء الفردي، فالأشخاص يبحثون الآن عن قادة يمكنهم تشكيل المستقبل ولكنهم لا يتشبثون بتعريفاتهم ورائهم. وينصرف الذكاء الحدسي إلى أن هؤلاء الأشخاص يريدون قادة يمكنهم رؤية الفرص غير العادية والاستفادة منها وإسعادهم بأفكار غير عادية. وينصب الذكاء الجمعي على أنهم يبحثون عن قادة بإمكانهم الاستماع للآخرين ودمج آراء وأفكار الناس وتقدير مساهمة الجميع.

تفكير عميق

 وحول "إعادة التفكير في القيادة"، يشرح الفصل الثاني طريقة التفكير بشكل عميق، من خلال بعض الأسس النظرية الداعمة، حيث يرى المؤلفون أن الرشاقة تأتي من خلال تطوير القدرة على التعامل مع الاختلاف. وللوصول لهذا التفكير أو الفهم الأعمق يتناول هذا الفصل العديد من الجزئيات، والتي منها: فهم المنظمات كنظم بيئية حية معقدة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تغذي النظم البيئية، وماذا تعني ذهنية التعقيد بالنسبة للمنظمات؟ولماذا نستخدم تعبير ذكاء القيادة؟

الذكاء الفردي للقادة

ويركز الفصل الثالث على "الذكاء الفردي"، إذ يتحدى الفكرة الشائعة المعاصرة التي مفادها أن "القيادة الفردية تعتبر أمرًا سيئًا"، فمن المهم أن يكون القائد قادرًا على إظهار الجوانب الإيجابية للذكاء الفردي؛ المتمثلة في التفكير الواضح، والتركيز، والدافعية، والحماس المُتَّقِد، والاستعداد لتحقيق الأهداف. ويطلق على هذا الاستخدام البناء لهذا النوع من الذكاء "الأنا الخيرية"، فهي السلاح القوي في ترسانة القائد، بينما الأنا المتحجرة هي العدو اللدود له. ولذلك فإن هذا الفصل يسلط الضوء على "الأنا"، وعلاقتها بالرقمنة، وتوظيف الأنا الخيرية في العمل "إنجاز المهام"، والجوانب السلبية ونقاط الضعف للذكاء الفردي.

الذكاء الحدسي

وينتقل الفصل الرابع إلى "الذكاء الحدسي"، حيث الاستشعار وما وراءه؛ فهذا النوع من الذكاء يتيح مساحات متشعبة ومتباعدة للتفكير، ويسهم في الإبداع على المستويين الفردي والجماعي. كما ينظر إلى ما يفعله أولئك الذين يعتقدون أنهم ليسوا حدسيين، كالأشخاص الذين يشعرون بأنهم غير مبدعين؛ لتطوير أو تعزيز قدرتهم على العمل بهذه الطريقة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفصل يفرد مساحة فكرية "للعقلية المبتكرة"، وهم الحدثيين، مع الإشارة إلى كل من: القدرات العاطفية وكيفية تعزيز الشعور بالارتباط، والحماس والاقتناع، والقدرات السلوكية (العمل)، وحدسية صنع القرار، والتجريب والابتكار، بالإضافة إلى لفت الانتباه إلى الجوانب السلبية وعيوب الذكاء الحدسي.

الذكاء الجمعي والتطور

ويبرز الفصل الخامس "الذكاء الجمعي"، حيث يستشهد بمثل إفريقي، مفاده: "إذا كنت تريد أن تذهب بسرعة، فاذهب بمفردك، وإذا كنت تريد أن تذهب بعيدًا، فاذهب مع الجماعة". وفي هذا الصدد يتمثل دور القائد في إطلاق طاقة المنظمة وإشراك الذكاء الجمعي لمن حوله، حيث تصبح المهارات والكفاءات الجديدة ضرورية؛ لتعزيز فهم المنظمة كنظام بيئي معقد، وتعزيز قيمة التنوع والاندماج، ومشاركة المعرفة، وتشجيع المرونة التنظيمية، وتمكين الآخرين من العمل، مع سرد الجوانب السلبية وعيوب للذكاء الجمعي. ويخصص المؤلفون الفصل السادس للحديث عن "رحلة التطور الشخصي"، ومناقشة مفهوم "الأنا المتحجرة"، وعملية "التفرد"، وكيفية تطوير مزيج من الأنا الخيرية والذكاء الحدسي والذكاء الجمعي.

القيادة والرشاقة

ويبرز الفصل السابع العلاقة بين كل من "القيادة والرشاقة الثقافية"، فهذا النوع من الرشاقة تعني القدرة على الصمود أمام التناقض بين تحقيق الاستقرار والمرونة، حيث يؤكد المؤلفون أن الثقافة والقيادة وجهان لعملة واحدة. كما يتناول هذا الفصل مفهوم الثقافة، مع توضيح خصائص الثقافة الرشيقة، وكيفية تعامل القادة مع شعورهم بالتوافق الثقافي من عدمه. كذلك يناقش الفصل كيف أن الذكاء الفردي والذكاء الحدسي والذكاء الجمعي جزء من الثقافة كما أنهم جزء من القيادة، وكيف يمكن للقادة توظيف هذه الذكاءات الثلاثة لبناء رشاقة ثقافية.

ويختتم المؤلفون كتابهم بالفصل الثامن عن القائد الرشيق، انطلاقًا من أن القادة الفعَّالين قادرون على الإحساس بالموقف، واستخدام أفضل أسلوب للقيادة عند اللحظة المناسبة، وذلك من خلال دمج الذكاءات الثلاثة (الفردي، والحدسي، والجمعي) على المستوى الشخصي، أو من خلال الاستفادة من القيادة الموزعة في المنظمة لتحقيق الـتـــوافـــق المـــنــاســب داخـــل الــفــريــق.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة