قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة والأداء التنظيمي

​بالرغم من الأهمية الكبيرة لمجال تحليل البيانات الضخمة وتطبيقاته، كأحد أبرز المجالات المعاصرة، والذي أسهم في نمو العديد من المنظمات، وبقائها، وتطورها من خلال ما أمدتها بها عبر اتجاهات جديدة شاملة لدعم اتخاذ القرار بعيدًا عن الأساليب التقليدية، واكتسابها قوة تتيح لها التحول الرقمي بسلاسة ومواكبة التغييرات المحيطة بها. فقد برزت فجوة توظيف تحليل هذه البيانات؛ بعدما أشارت التقارير الأخيرة إلى أن عددًا من المديرين التنفيذيين بالأعمال ترددوا في القيام باستثمارات كبيرة في تحليل تلك البيانات، عقب النتائج المخيبة للآمال التي حصلت عليها منظماتهم، وإخفاق غيرها من المنظمات.

وللتغلب على هذه الفجوة، فقد برز مفهوم قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة وتأثيره على كل من الأداء التنظيمي، والقابليات الديناميكية للمنظمات، وعلاقة هذه القابليات بالأداء التنظيمي. وهو موضوع هذه الدراسة التي أعدها كل من: د.غيث عبدالرضا مبدر، ود.أحمد عبدالله الهمامي، والمنشورة في مجلة الإدارة العامة الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي نستعرضها معكم في السطور التالية.

مثلث القابليات

يلفت بعض الباحثين والخبراء إلى أن التطور الذي وصل إليه سوق تحليل البيانات الضخمة بما يقارب 203 مليارات دولار أمريكي عام 2020م، ويتوقع أن يرتفع إلى 420,98 مليار دولار في العام 2027م، يتطلب النظر بعين الاعتبار إلى قابلية تحليل البيانات الضخمة التي تشير إلى قابلية الوحدة المعنية بتحليل هذه البيانات على التعامل مع الإجراءات الروتينية لإدارة موارد تقنية المعلومات وفقًا لاحتياجات العمل وأولوياته بطريقة منظمة بدلًا من الاستجابة الظرفية. وقد ظهرت هذه القابلية بقوة بوصفها أحد الحلول الجذرية للمساهمة في تجاوز فجوة توظيف تحليل البيانات الضخمة. وبصفة عامة، يمكن تصور تلك القابلية على شكل مثلث أضلاعه: قابلية الإدارة، وقابلية البنية التحتية، وقابلية الموارد البشرية.

وقد وصِفت قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة بأنها "قابلية الوحدة المعنية بتحليل البيانات الضخمة على التعامل مع الإجراءات الروتينية لإدارة موارد تقنية المعلومات وفقًا لاحتياجات العمل وأولوياته بطريقة منظمة بدلًا من الاستجابة الظرفية".

المزايا والأداء التنظيمي

وتقدم البيانات الضخمة التي يكون مصدرها وسائط التواصل الاجتماعي، والأجهزة المحمولة، وإنترنت الأشياء، والبيانات المفتوحة، وغيرها جنبًا إلى جنب مع الحلول التقنية الجديدة التي تجعل تحليل هذا النوع من البيانات ممكِّنا للمنظمات على اختلاف مسمياتها إمكانيات جديدة لمواجهة التحديات التي تقف بوجهها، وتعرقل عملها وتنقل أدائها إلى مناطق غير مألوفة، وترسم لها مشهدًا واعدًا لتحقيق مكاسب مالية واجتماعية، فضلًا عن كونها تمثل ميزة تنافسية واعدة على المديين الزمنيين المتوسط والطويل الأجل.

كذلك فإن أحد التطبيقات الممكنة للبيانات الضخمة هو ربطها بالأداء التنظيمي، إذ يرى بعض المتخصصين أن الفكرة الرئيسية وراء هذا الربط تكمن في أداء أفضل، من خلال اتخاذ قرارات قائمة على البيانات المستندة على الأدلة.

الموارد وقرارات

وتؤكد الدراسات التي صاغت مفهوم قابلية تحليل البيانات الضخمة وجهة النظر المعتمدة على الموارد، حيث إن كلًا من الموارد البشرية والموارد الملموسة وغير الملموسة المكملة لبعضها البعض مطلوبة للاستفادة من الاستثمارات في مبادرات البيانات الضخمة. فتقنية تحليل هذه النوعية من البيانات وحدها لا تحقق أي مكاسب تنافسية من تلقاء نفسها؛ لأن المنظمات الأخرى في السوق بوسعها الوصول إليها وتكرارها. وقد شخَّص الباحثون والدارسون أنواعًا مختلفة من الموارد المطلوبة لتطوير قابلية تحليل البيانات الضخمة التي تسهم في تحسين الأداء، كتلك التي صنفت هذه الموارد وفق 3 فئات، وهي: المعرفة الفنية التي تغطي الجوانب الفنية لأنظمة قواعد البيانات ومكونات الأجهزة ولغات البرمجة والإحصاءات، والمعرفة الإدارية، ومعرفة الأعمال.

وتجدر الإشارة إلى أن قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة-بحسب آراء بعض المعنيين-تتضمن اتخاذ قرارات عمل قوية مع تطبيق إطار عمل يناسب المنظمة في الوصول إلى مبتغاها. وتشكِّل عاملًا يساعد في الاستفادة من الموجودات القائمة تحت سيطرة المنظمة على نحو فاعل. كما تعد قرارات الاستثمار في تحليل البيانات الضخمة ناحية حيوية لقابلية إدارة تحليل هذه البيانات، وتظهر في تحليل الكُلَف/المنافع.

القابليات والأداء التنظيمي

وقد توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج، والتي من بينها أن كلًا من: قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة، والقابليات الديناميكية، أثرت في الأداء التنظيمي للمنظمات، واتضح أن الأولى تؤثر في هذه القابليات الديناميكية تأثيرًا إيجابيًا، ويظهر مفعول أثر تلك الأخيرة عبر تأثيرها على عمليات المنظمة العادية والمولِّدة للقيمة.

وقد لعبت القابليات الديناميكية دور الوساطة في العلاقة بين قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة والأداء التنظيمي. يضاف إلى ذلك أن جودة إدارة تحليل تلك البيانات في منظمات القطاع العام تقترن بجودة التخطيط، وسلاسة التنسيق وموضوعية المتابعة والرقابة على التوالي.

وقد كان التأثير الكلي لقابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة على الأداء التنظيمي أكبر من تأثير القابليات الديناميكية على الأداء؛ وهو ما يؤكد أن المنظمات لا تزال في مراحلها الأولى في الاستفادة من قابلية إدارة تحليل البيانات لتحسين أدائها بوساطة قابليتها الديناميكية.

التمتين والتطوير والتدريب

وفي ضوء هذه النتائج، تبدي الدراسة العديد من التوصيات، والتي يبرز منها أن إدارة المنظمات مدعوة إلى التركيز على تمتين قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة، وتطوير ممارساتها (التخطيط، واتخاذ قرار الاستثمار، والتنسيق، والرقابة) بشكل متزامن وليس بشكل تسلسلي.

وتوصي أيضًا بالتفات إدارة المنظمات إلى دور قابلية إدارة تحليل البيانات الضخمة لجعل الرؤى والأفكار أكثر نضجًا وأعلى جودةً. كذلك توظيف تلك القابلية للكشف عن الأنماط الخفية للعلاقات بين البيانات الضخمة التي بحوزة المنظمات يمدها بما يحسِّن أدائها.

وختامًا، تسلط توصيات الدراسة الضوء على أهمية تطوير قابلية الكادر المعني بإدارة تحليل البيانات الضخمة وتزويده بمهارات في التخطيط والاستثمار والتنسيق والرقابة بالتعاون مع المؤسسات المتخصصة في هذه المجالات.


 
22/02/1446
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة