إدارة تنوع الموارد البشرية باحترافية في بيئة العمل

في ظل ظاهرة عولمة الأسواق والأعمال؛ انتشرت المنظمات متعددة الجنسيات التي تحوي قوى عاملة متنوعة من ثقافات وخلفيات مختلفة، ولا شك أن هذا التنوع سينعكس على الكثير من السلوكيات  والاتجاهات الخاصة  بالموارد البشرية داخل بيئة العمل؛ وعليه يجب أن ندرك أولًا أن التنوع يعتبر ميزة تنافسية ومعيارًا ليس فقط لتقدم المنظمات، بل الدول والمجتمعات،  وأن وجود موظفين من  ثقافات وخلفيات وأجناس مختلفة يسهم بشكل كبير في تحسين سمعة المنظمة وصورتها، ورفع مستوى أدائها وإنتاجيتها، وقد تكون أكثر قدرة على الاستجابة إلى التغييرات المعاصرة  في عالم  الأعمال. وفقًا لتقرير McKinsey لعام 2019م، والذي أشارت إلى أن المنظمات الأكثر تنوعًا تتفوق في الأداء والربحية على المنظمات الأقل تنوعًا، وقد اتفقت معها دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية على أن المنظمات الأكثر تنوعًا لديها عوائد أعلى بنسبة 19٪؛ بسبب الابتكار مقارنة بالمنظمات الأقل تنوعًا، بالإضافة إلى أن العائد على الاستثمار قد بلغ 163% لكل دولار انفقته بعض المنظمات في التدريب على إدارة التنوع.

فالتنوع يمثل مزيجًا من الخصائص والصفات الشخصية والاجتماعية والثقافية التي تُميز الأفراد داخل بيئة العمل، مثل الجنس والعمر(الجيل) والثقافة والجنسية والمستوى التعليمي، والاقتصادي والاجتماعي والوظيفي وغيرها، وبالتاكيد ستؤثر هذه الاختلافات على تفكير الأفراد وسلوكهم في بيئة العمل؛ مما قد يعرقل العمل داخل المنظمة ما لم يكن هناك إدارة فاعلة وواعية تتولى مهمة ضبط وتنسيق التنوع باحترافية، تراعي مشاعر كل فئة وتمنع أي تجاوز على خصوصياتها، والعمل على دمجهم ضمن نسيج متكامل.

وبصفة عامة، تعرَّف إدارة تنوع الموارد البشرية في بيئة العمل بأنها تطبيق جميع الممارسات التي تهتم في تخطيط وتنسيق وتنفيذ الخطط والسياسات والبرامج المتعلقة بالاستفادة من فوائد التنوع في تحقيق العدالة وتجنب جميع أشكال التحيز والتمييز، وتعظيم أهمية كل فرد في المنظمة بغض النظر عن هويته، وأصله، وجنسه. ومن منظوري الخاص أرى أن إدارة التنوع في بيئة العمل هي استراتجية تنظيمية اجتماعية ثقافية تهدف إلى بناء ثقافة ترحب بجميع الموظفين باختلاف صفاتهم وخصائصهم وخلفياتهم، وتقدرأافكارهم واقتراحاتهم، ومنحهم فرص وموارد متكافئة في سبيل تحقيق أهداف مشتركة.

إذاً بحسب رأيك، ما الذي يمكنك فعله لتعزيزالتنوّع والاندماج في بيئة العمل؟

 

5 استراتيجيات رئيسية لإدارة تنوع الموارد البشرية باحترافية

إن حقيقة التنوع في المنظمات اليوم تتطلب وعيًا لتحوله أو نقله من مصدر صراع وتهديد إلى ميزة تنافسية مستدامة، والذي يتطلب بالتأكيد من إدارة الموارد البشرية توفر الاستراتيجيات والبرامج التي تعزز دمج الموظفين من خلفيات وثقافات وأجيال متنوعة، وتدريب وتعليم  المدراء والموظفين ثقافة التنوع في بيئة العمل؛ لضمان نجاح تطبيقها، واستقطاب الكوادر المتنوعة والاعتراف بالفروق الفردية وتقديرها، باعتبارها فرصًا للنمو والابتكار؛ لذلك فإن  نجاح  تطبيق إدارة تنوع  الموارد البشرية في المنظمات  يعتمد على 5 استراتيجيات فعالة، وهي:

1.    القيادة الاحتوائية الفعالة وتعزيز ثقافة التنوع: تلعب القيادة دوراً مهماً في تعزيز الشعور بالانتماء من خلال الدعم المطلق للتنوع والشمولية، وخلق بيئة عمل أكثر تنوعًا؛ مما يجعلها أكثر راحةً واستقرارًا لموظفيها، والذي يدعمها بشكل كبير وجود قائد احتوائي فعال يترجم القيم إلى سلوكيات وأفعال يقتدى بها الموظفون، ويبني الممارسات الإيجابية لاحتواء التنوع في بيئة العمل، ويفتح خطوط الاتصال بين القوى البشرية المتنوعة ويشجع على التقدير والإبداع والابتكار.

  1. خلق بيئة عمل تتوائم مع كافة الثقافات: وذلك من خلال قيام المنظمة ببناء بيئة عمل تعاونية إيجابية داعمة تزيد من مشاركة ومساهمة جميع الموظفين، باختلاف ثقافتهم وخلفياتهم، حيث تنطوي فيها السلوكيات والقيم على مبدأ الترحيب والاحترام والتقدير وحصول الموظفين على الفرص والمعلاملات المتكافئة، والتشجيع على مبدأ التعاون والعمل الجماعي.
  2. التوعية والتدريب على ثقافة التنوع: إدراك القادة والموظفين أهمية التنوع في العمل بوعي وذكاء والاستفادة من كافة أشكاله، ودعم تقبل الاختلاف وتعزيزه، و تحول المنظمة إلى بيئة حاضنة للتنوع،  إذ يجب على المنظمات التي ترغب في تعيين موظفين جدد ذوي ثقافات مختلفة أن تخلق الوعي بين موظفيها بأهمية التنوع، وتشكيل مجموعة أو لجان تنظم الأحداث والأنشطة المتعلقة بقضايا التنوع، والترحيب بالأفكار الخاصة بأنشطتها، وتقديم برامج خاصة بإدارة التنوع؛ مما يساعد على تطوير المهارات اللازمة للمدراء لتقديم الدعم لموظفيهم من خلال إظهار الاحترام لمهاراتهم ومواهبهم واختلافاتهم .
  3. دمج التنوع في ممارسات الموارد البشرية؛ وذلك من خلال بناء ثقافة تنظيمية تقبل التنوع، وترفض كل أنواع التمييز والتحيز، وممارسة التوجيه والإرشاد لكافة سلوكيات المديرين والعاملين؛ من أجل التأكد من خلو معاملاتهم من التحيزات، وإحداث تغييرات ممكنة في ممارسات وسياسات الموارد البشرية التي من شأنها تلبية احتياجات القوى العاملة المتنوعة، والتأكد من أن التوظيف والتعاقد والترقيات تستند إلى الأداء المتميز للموظف ومهارته.

    التعامل بمهنية عالية مع  قضايا التحيز والتمييز: وذلك من خلال وضع مبادئ توجيهية لتحديد ومعالجة القضايا المتعلقة بالتمييز، سواء اللفظية أو السلوكية أو المتعمدة أو غيرها، وسن العقوبات المناسبة لمن يتجاوز النظام، ومن المهم مساعدة المديرين على فهم كيفية معالجتهم في الوقت المناسب، وبناء سياسات تنظيمية في التعامل مع الموظفين بمختلف ثقافاتهم ووضع قوانين ملزمة للمعاملات بينهم.

 

التنوع في بيئة العمل لا يعني التنوع في طاقم العمل فحسب، بل في العمل نفسه؛

فالتنوع يعني نسيجًا غنيًا من الثقافات والخلفيات والخبرات والكفاءات التي تضيف قيمة حقيقية لمنظمتك؛ فلنجعل بيئة عملنا حاضنة للتنوع ومصدرًا للاستدامة التنافسية. 

 ​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة