شغف «الدون»
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فيما يتعلق بعملية الشغف الوظيفي؛ فإنه من المناسب هنا أن نشير إلى مسيرة «كريستيانو رونالدو» نجم كرة القدم العالمي الذي يلعب حاليًا لنادي النصر السعودي، وشغفه الوظيفي المتجدد، والذي يعد السبب الأبرز في نجاحه وأدائه المتميز. فقد انتقل للعب ضمن صفوف النادي السعودي، بعد أن خاض العديد من التجارب الاحترافية السابقة مع العديد من الأندية العالمية، مثل مانشستر يونايتد الإنجليزي، وريال مدريد الإسباني، ويوفنتوس الإيطالي، وسبورتنج لشبونة، وغيرها، وأنه طوال هذه المسيرة، وحاليًا بالنصر، لم يفقد شغفه الوظيفي الذي يشكل حافزًا-دائمًا-له لتحقيق طموحاته والبطولات وحصد الألقاب والجوائز، فهو يتطلع دائمًا للمزيد من العطاء واللعب وتسجيل الأهداف، وربما يعد هذا الشغف هو أكثر ما يجذب المشجعين لشخصية وموهبة كريستيانو رونالدو، وهو السر في حفاظه على مستواه المتألق، وفوزه بالكثير من الجوائز والألقاب، بالرغم مما واجهه من تحديات. فيكفي أنه تُوج-بسبب هذا الشغف-هدافاً لدوري أبطال أوروبا في 5 مواسم متتالية من 2013م إلى 2018م. ولأن شغفه الوظيفي بتحقيق المزيد من الألقاب والتألق لم تخب جذوته، ففي عام 2020م واصل كريستيانو رونالدو إضافة المزيد إلى نجوميته بدخوله نادي المائة الدولي، وهو ما عنونته صحيفة الشرق الأوسط، حينذاك: انضمام رونالدو إلى «نادي المائة» نتاج شغف لا ينطفئ، إذ تبرز الصحيفة أن رونالدو قد دخل نادي الـ100 الدولي بإحرازه هدفين في استوكهولم أمام منتخب السويد، والذي بدا الخصم المناسب في تلك اللحظة. وفيما يتعلق بالشغف الوظيفي لديه، تذكر الصحيفة أنه في واقع الأمر هناك أمر ساحر في العزيمة التي يبديها رونالدو، وقدرته على الاستمرار في إنجاز الأمر ذاته دون أن يفقد عزمه، ودون أن تهدأ رغبته. كما تحمل مسيرة رونالدو شعوراً بالنمو والتقدم المستمر. ويشكل هذا الأمر على وجه التحديد عنصراً محورياً من هذه القصة.
وتحت عنوان: «الطموح والشغف»..رونالدو يكشف سر حفاظه على مستواه»، ذكر موقع «العين الإخبارية» في تقرير بثه منذ 4 سنوات أن كريستيانو رونالدو كان قد أدلى بتصريح له، قائلًا: «الطموح مهم للغاية وخلال السنوات الـ15 الماضية كان الشغف فيما تفعل وما تقوم به، ومن الضروري أن تحب ما تعمل وأن تكون في سن الـ٣٤ وأن يكون لديك الحافز وهو أمر مهم». وتابع: «عليك أن تُحرر ذهنك من أي قيد أنت فيه، وتواصل العمل وتؤدي بشكل أفضل في كل مرة تجد تلك الفرصة»، مؤكدَا أنه يعتقد أنه من الضروري أن تهتم بنفسك وبصحتك وتتعلم من الآخرين.
إلهام وتحفيز للآخرين
ويوضح موقع Forbes أن الشغف الوظيفي هو قوة إيجابية وملهمة، ويؤثر في الآخرين من الزملاء والرؤساء في بيئة ومكان العمل، فعندما يرى بعضهم أن زميلًا لهم مفعمًا بالنشاط والرغبة والحماس في مجال عمله، فإنهم-من المتوقع-أن يحذوا حذوه؛ لأن هذا النوع من الشغف عندما يتم توجيهه بشكل صحيح، فهو يعد أحد أقوى المحفزات الموجودة في بيئة العمل.
اختلاف مهم
وعلى صعيد آخر، تبرز Anouare Abdou-عبر موقع hive.com-الفرق بين أن يكون الموظف شغوفًا بوظيفته ككل وشعوره بالشغف أثناء العمل. فكما يرى «مات ميلز» المدرب المعتمد، فإن الشغف بالحياة الوظيفية هو الإثارة لتحقيق الحلم الأكبر والرؤية التي يمتلكها هذا الموظف لتحقيق أهدافه وطموحاته المهنية، من خلال كل ما يتعلق بوظيفته، وهو ما يجعله-غالبًا-متحفزًا ومدفوعًا و «عن قصد» عندما لا تكون الأمور دائمًا مثالية. ويستطرد «ميلز» بالقول: إن امتلاك هذا النوع من الرؤية طويلة المدى يتيح للموظف أن يكون أكثر انفتاحًا بشأن التغيير والفرص أثناء تطوير حياته الوظيفية. ومن الناحية الواقعية، فإن شغفه بمهامه اليومية أكثر صعوبة؛ نظرًا لأنها غالبًا ما تكون مهامًا مطلوبة كجزء من وظيفته، فالشغف لا يأتي دائمًا بهذه السهولة. وتوضح أنه من السهل أن تكتشف شغفك الوظيفي؛ إذ ينهض الأشخاص المتحمسون لوظائفهم من الفراش كل صباح وهم يشعرون بالنشاط والحيوية، ومندمجين فيها ومنخرطين في أداء مهامهم الوظيفية
ومستمتعين بذلك، ويفكرون-دائمًا-في كيفية القيام بالمزيد، والعمل بجد لتحقيق هذه الأهداف، ويلتزمون في أعمالهم لتحقيق النجاح لهم ولجهات عملهم. ويطمحون-دائمًا-للتعلم وتطوير قدراتهم.
3 أسئلة
وفي سياق متصل، تطرح «جينيفر ليو»-بموقع CNBC-3 أسئلة مهمة تتعلق بعملية الشغف، وارتباطها بالقيادة في العمل، من خلال أن تسأل نفسك:
• هل أرغب في التعلم باستمرار من خلال تجربة أشياء جديدة كل يوم، أم أرغب في العمل على نفس المشكلة وأصبح خبيرًا في قضية مركزية واحدة؟
• من الذي أريد العمل معه لحل هذه المشاكل؟ هل أرغب في العمل لدى مدير سيرشدني لتطوير مسيرتي المهنية؟
• مَن المستهدف من عملي هذا كي اخدمه؟
4 محفزات
وتضيف Anouare Abdou-بموقع hive-إن هناك 4 أشياء مهمة، تعد بمثابة محفزات للشغف الوظيفي، كالتالي:
1- ابحث عن إجابة السؤال: لماذا تزاول وظيفتك؟ فيمكن أن تكون إجابة هذا السؤال هي المحفز الذي يدفعك خلال اللحظات التي لا تشعر فيها بالتحفيز. فبالنسبة لبعض الناس، قد يكون ذلك لدفع الفواتير وإطعام أسرهم. وقد يكون بالنسبة للآخرين الأمر مختلفاً. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار ما تقول «كيت سنوايز» المدربة التنفيذية ومؤسِسة شركة Thrive.How الاستشارية للتدريب: «لا يوجد سبب خاطئ، ولكن السؤال عن السبب سيساعدك على التواصل مع القيمة التي تحفزك». لذلك فإن تذكر السبب أو الأسباب يمكن أن يساعدك حقًا في جذب شغفك (ما يهمك حقًا) عندما تحتاج إليه لمواصلة رحلتك الوظيفية والحياتية.
2- تأثيرك على الآخرين: يقول ميلز: «إن أي شيء تفعله قد لا يتعلق بك فحسب، وإنما يؤثر أيضًا على الآخرين؛ مما سيخلق لديك المزيد من الشغف في عملك».
3- ربط قيمك بمزاولة عملك: من الأفضل أن تفكر في كيفية جلب القيم التي تحفزك إلى عملك. وكيف يمكنك أن تكون أكثر إبداعًا أو تزيد من دافعك لخدمة الآخرين من خلال التعاون والعمل الجماعي؟
4- الاهتمام بالقدرة على التواصل مع الزملاء والرؤساء وغيرهم: إن الرغبة في بناء هذا التواصل واستمراريته قد تصبح مصدرًا قويًا للشغف اليومي. بدءًا من قضاء الوقت في كسر الجمود مع العميل قبل البدء مباشرة في العمل، وحتى المشاركة في أنشطة بناء الفريق أو التعرف على زملاء العمل عن بُعد من خلال منصة اتصالات داخلية، أو غيرها.
قيمة معنوية وفوائد مهمة
ويشير موقع Tony Robbins إلى جانب مهم، يتعلق بالقيمة المعنوية للشغف الوظيفي، والخاصة بأن مزاولة وظائفنا بشغف؛ تكسب حياتنا المعنى والقيمة. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، كان هناك تحول بطيء في كيفية إيجاد المعنى في حياتنا، فبدلاً من التعامل مع العمل كوسيلة لكسب العيش فقط، يريد الأمريكيون أن يكونوا شغوفين بالعمل. فنحن نبحث عن وظائف تمنحنا إحساسًا بالهدف. لقد أثبتت دراسة حديثة أن 83% من الموظفين يريدون معنىً في عملهم اليومي، خاصة أننا نقضي نصف ساعات يقظتنا-وأحيانًا أكثر-في وظائفنا، لذلك ليس من المستغرب أننا نريد الاستمتاع بها، وإكساب حياتنا هذا المعنى.
ويتطرق الموقع إلى فوائد الشغف الوظيفي، والذي يمكن أن يسهم في تطورك الشخصي والمهني، فضلاً عن نجاحك الوظيفي ونجاح شركتك. فقد خلصت الدراسات إلى أن الموظفين الذين يشعرون بالشغف تجاه عملهم؛ يحققون رواتب ويتقلدون مناصب وظيفية أعلى. كما أنهم يشعرون بقدر أكبر من الإنجاز في وظائفهم ويميلون إلى البقاء مع نفس الشركة لفترة أطول. كذلك ستكون قادرًا على أن تصبح ذات يوم قائدَا، بالإضافة إلى زيادة تركيزك، وستتأكد من أنك لم تعد تخشى الفشل، وتصبح أكثر إبداعًا وابتكارًا؛ وهو الأمر الأكثر أهمية لدى الإدارة العليا ولا يمكن أن تتغاضى عنه، ويخصصون له المحفزات، سواء بالترقيات أو بالعلاوات أو بالمكافآت.
إدارة ضغوط العمل
ويلفت موقع uk.indeed.com إلى أن الشغف الوظيفي يعزز مساهمتك في العمل وبذل المزيد من الجهد في المشاريع والمهام؛ مما يؤدي إلى نتائج أفضل، فهو يبرز للزملاء والمشرفين أنه يمكنك العمل كجزء من فريق، مما يعد صفة قيادية قيمة. كما يشير الموقع إلى أن هذا الشغف يقلل من ضغوط العمل؛ نظرًا لأنه يجعلك تنجح وتتميز فيه، وبذلك فهو يسهم في الحد من قلة فرص التقدم الوظيفي، والأجور المنخفضة، وضعف التواصل، والافتقار إلى العمل الجذاب أو المليء بالتحديات. أي يساعد على إدارة بعض أسباب ضغوط العمل، ويحفزك على إيجاد طرق مبتكرة لتقليل الضغط.
تحذير ونصيحة
وبالرغم من كل هذه الفوائد للشغف الوظيفي، فإن الخبراء والمتخصصين والدراسات والبحوث المعنية يبدون تحذيراتهم من الإفراط فيه، وتحوله إلى نوع من الإجهاد أو الإعياء وربما الاحتراق الوظيفي. فقد تطرقت Anouare Abdou-موقع hive.com-إلى أنه عندما لا يتم التحكم في هذه الطاقة بشكل كافٍ، يمكن أن تنحرف الأمور بسرعة، ويؤدي إلى نتائج سلبية. فعلى سبيل المثال، يشدد كل من: «روك كانالز» و» غيتي إميدجيز» في مقالتهما المنشورة في Harvard Business Revie إلى أنه تم طلب تقديم إجابات يومية من أكثر من 700 موظف بدوام كامل في الولايات المتحدة في قطاعات متنوعة، حول درجة شعورهم بكل من الشغف والاحتراق الوظيفي، في بداية كل يوم عمل ونهايته، وتماشيًا مع الأبحاث السابقة، أفاد الموظفون بأنهم يشعرون بدرجة أقل من الاحتراق الوظيفي في الأيام التي شعروا فيها بشغف أكبر تجاه عملهم، ولكنهم شعروا بدرجة أكبر من المعتاد خاصة في اليوم الذي يلي يومًا مليئًا بالشغف. والسبب في ذلك هو أنه في الأيام التي شعر فيها الموظفون بشغف أكبر؛ شعروا أيضًا بمزيد من النشاط جعل عملهم يبدو أسهل؛ وبالتالي استثمروا المزيد من الوقت والطاقة فيه، ولكنهم أيضًا أغفلوا احتياجاتهم الخاصة؛ وبالتالي لم يعطوا أولوية للراحة والتعافي، واستمروا في التركيز في العمل بدلًا من أن ينفصلوا عنه ذهنيًا بعد انتهاء يوم العمل. وأدى ذلك بدوره إلى شعورهم بالاحتراق الوظيفي في اليوم التالي واستنفاذ طاقتهم لدرجة فقدان شغفهم بالعمل.
وينصح كاتبا المقال بالانتباه إلى أن السعي وراء الشغف يجب ألا يؤدي إلى مثل هذه الأضرار الجسيمة، وأن هناك بعض الإجراءات التي يمكن للموظفين والمدراء اتخاذها للحيلولة دون أن يؤدي الشغف الصحي إلى الإعياء والاحتراق، من خلال إعطاء أولوية لبعض الممارسات الرياضية، كجلسات التدريب المكثفة، وتخصيص وقت للتعافي العاطفي، حيث اكتشفا من خلال بحثهما-المشار إليه-أن منح الموظفين يوم عطلة إضافي فقط ساعدهم على الانفصال عن العمل والعودة في اليوم التالي بمستويات شغف أكبر من المعتاد.