التغير المناخـي يهدد باختفـاء وظائف

​​​​إعداد/د.أحمد زكريا أحمد

​​​​تؤكد التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية وغيرها من الدراسات والبحوث وآراء الخبراء والمتخصصين في مجال التوظيف، أن التغير المناخي يلقي بظلاله وتداعياته السلبية على سوق العمل وحركة التوظيف على المستوى العالمي، وسيتسبب في فقدان أكثر من 800 مليون وظيفة، ولا سيما التغيرات المتمثلة في الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المناخية الناتجة عن التلوث. وربما لا يدرك البعض أن القطاعات والمجالات التي تتأثر بهذا التغير المناخي ستؤثر حتمًا في باقي قطاعات سوق العمل، وأن الزراعة والمجالات البيئية والرياضية وربما السياحية، على سبيل المثال لا الحصر، تعد من أكثرها تأثرًا. نصحبكم معًا في هذا التقرير للتعرف على أبعاد هذا الموضوع وما يحتويه من ملفات مهمة.

800 مليون وظيفة
نستهل هذا التقرير بما خلصت إليه نتائج دراسة جديدة من Deloitte أن ربع القوى العاملة العالمية يمكن أن يواجه ضعفًا ونقصًا في حركة التوظيف بسبب تغير المناخ، وهو ما يمثل أكثر من 800 مليون وظيفة.
وهو الأمر الذي حذر منه-سابقًا-التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية-أورده موقع morningfuture-أن التغير المناخي يسبب المزيد من الضغوط على المستوى الاقتصادي العالمي بصفة عامة، وفيما يتعلق بناحية التوظيف بصفة خاصة، حيث إنه من المتوقع بحلول عام 2023م أن يتسبب هذا التغير المناخي في فقدان 80 مليون وظيفة، وخسائر اقتصادية تقدر بـ 2.4 بليون دولار.
ارتفاع الحرارة وخسائر وظيفية
وعبر موقعها الإلكتروني، يؤكد هذا التقرير لمنظمة العمل الدولية أنه من المتوقع أن يؤدي الارتفاع في درجات الحرارة-الناتج عن الاحتباس الحراري-إلى خسائر عالمية في الإنتاجية، إذ تشير التوقعات إلى ارتفاع درجات الحرارة في العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن. كذلك تتوقع المنظمة هدر وفقدان 2.2% من إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم؛ بسبب هذا الارتفاع.
ويلفت التقرير إلى أن القطاع الذي يتوقع أن يكون الأشد تضرراً على مستوى العالم هو الزراعة؛ إذ أن هناك 940 مليون شخص في العالم يعملون في هذا القطاع. ويتوقع أن تبلغ خسائره 60% من إجمالي ساعات العمل التي سيخسرها العالم بسبب الحر الشديد بحلول عام 2030م. كما سيتأثر قطاع البناء بشدة ويخسر حوالي 19% من ساعات العمل العالمية. أما القطاعات الأخرى المعرضة أكثر من غيرها للخطر فهي السلع والخدمات البيئية، وجمع القمامة، والطوارئ، وأعمال الإصلاح، والنقل، والسياحة، والرياضة وبعض النشاطات الصناعية التي تستخدم آلات ثقيلة.
الفقراء والنساء أكثر معاناة
وتشير منظمة العمل الدولية إلى أنه سيتوزع الضرر بشكل غير متساو على بلدان العالم، فالمناطق التي يتوقع أن تخسر معظم ساعات العمل هي جنوب آسيا وغرب إفريقيا، حيث يتوقع أن تخسر قرابة 5% من ساعات العمل في عام 2030م، أي نحو 43 مليون و9 مليون وظيفة على التوالي. كما أن سكان أشد المناطق فقراً هم الذين سيتكبدون أكبر الخسائر الاقتصادية، فمن المتوقع أن تبلغ المعاناة أشدها في البلدان ذات الدخل المنخفض والشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، نظراً لأن مواردها أقل للتكيف بفعالية مع زيادة الحرارة. في ضوء ما سبق، فإن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإجهاد الحراري ستزيد الحرمان الاقتصادي القائم بالأصل، ولا سيما ارتفاع معدلات الفقر في صفوف العمال، وزيادة العمل غير المنظم والمهدَّد، والزراعة بغرض الكفاف، وضعف الحماية الاجتماعية.
وسيؤثر الإجهاد الحراري على ملايين النساء في القطاع الزراعي، وكذلك الرجال الذين يسيطرون على قطاع البناء والتشييد. ومن العواقب الاجتماعية الأخرى للإجهاد الحراري زيادة الهجرة، حيث يغادر العمال الريف بحثاً عن آفاق أفضل.
التدريب والإنذار المبكر
وفي ضوء هذا التقرير؛ تقول كاثرين ساغيت، رئيسة وحدة في إدارة البحوث بمنظمة العمل الدولية وأحد واضعي التقرير الرئيسيين: "إن تأثير الإجهاد الحراري على إنتاجية العمل هو نتيجة خطيرة لتغير المناخ، وهو يفاقم الآثار الضارة الأخرى، كتغيير أنماط الأمطار وارتفاع مستوى البحار وفقدان التنوع الحيوي. وبالإضافة إلى التكاليف الاقتصادية الهائلة للإجهاد الحراري، يمكننا أن نتوقع أن نرى تفاقم عدم المساواة بين البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المرتفع، وتدهور ظروف العمل للفئات الأكثر ضعفاً، وكذلك مشكلة النزوح".
ويدعو التقرير إلى بذل جهود أكبر لتصميم وتمويل وتنفيذ سياسات وطنية لمعالجة مخاطر الإجهاد الحراري وحماية العمال. وهذا يشمل البنية التحتية الملائمة، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر بموجات التغير المناخي خاصة الحر، والتدريب، وتحسين تنفيذ معايير العمل الدولية، مثل معايير السلامة والصحة المهنية للمساعدة في تصميم سياسات تعالج المخاطر الناجمة عن ارتفاع الحرارة.
فطر البطالة..وأستراليا
وأشار موقع منظمة IADB إلى أنه في عام 1869م، كانت سريلانكا بمثابة قوة عالمية في إنتاج القهوة؛ فقد كانت تنتج أكثر من 45 ألف طن سنويًا. لكن كل شيء تغير في هذا العام؛ فنتيجة للتغيرات المناخية انتشر فطر "هيميليا فاستاتركس" Hemileia Vastatrix الذي يتسبب فيما يسمى بصدأ أوراق البن ويدمر مزارعه. وفي أقل من 20 عامًا، قتل هذا الفطر صناعة البن في سريلانكا، بل وبدأ في التسلل والانتشار حول العالم، حيث إنه في عام 1970 ظهر في البرازيل وانتشر لاحقًا إلى أمريكا الوسطى وكولومبيا.
كما أنه بين عامي 2012-2013م أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تأجيج أزمة صدأ البن الكبرى في أمريكا الوسطى، حيث افتقر المزارعون غير المستعدين إلى المعرفة والموارد والاستعدادات اللازمة للتصدي لهذا الفطر الذي تسبب في تدمير أكثر من نصف المساحة المزروعة؛ وترتب على ذلك أن فقد ما لا يقل عن 350 ألف شخص وظائفهم.
يضاف إلى ما سبق-طبقًا لموقع thefifthestste-أن أستراليا قد تتعرض لفقدان ما يصل إلى 880 ألف وظيفة بحلول عام 2070 بسبب حركة تغير المناخ، وذلك فقًا لتقرير صادر عن شركة Deloitte Access Economics.
كاترينا وسيدر
ويرى "بيتر بوشين"-الخبير في مجال التوظيف بمنظمة العمل الدولية-في تحليله العميق لتداعيات التغير المناخي على العمل والبيئة، والذي بثه موقع GreenBiz أن لهذا التغير خسائر مباشرة في الوظائف، على سبيل المثال، نتيجة لإعصار كاترينا في الولايات المتحدة في عام 2005م، فقدت نيوأورلينز حوالي 40 ألف وظيفة، بحيث كانت النساء الأكثر تضررًا، ومعظمهن أمريكيات من أصل أفريقي. فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تداعيات سلبية ملحوظة على النساء ومعدل فقدهن وظائفهن في جميع أنحاء العالم؛ إذ تتمتع النساء بإمكانية أقل من الرجال للوصول إلى الموارد المالية والمؤسسية وغيرها من الموارد التي من شأنها تعزيز قدرتها على التكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك الوصول إلى الأراضي والائتمان والمدخلات الزراعية وهيئات صنع القرار والتكنولوجيا وخدمات التدريب.
كما تسبب إعصار سيدر في عام 2007م في تعطيل مئات الآلاف من الشركات الصغيرة وأثر سلباً على حوالي 567 ألف وظيفة في بنغلاديش. كذلك انخفضت القيمة التقديرية للأصول الخاصة غير الزراعية بنحو 25 مليون دولار. في كلتا الحالتين، كانت الأسر الأفقر أكثر تعرضًا لحالات فقد الوظائف؛ لأنهم يعيشون في مناطق أكثر ضعفًا ولديهم موارد أقل لتعزيز المرونة في مواجهة تغير المناخ.
تقليص الوظائف
ويبرز موقع معهد EPIC أن التغيرات المناخية كانت في مقدمة أبرز الأسباب التي أدت إلى حظر قطع الأشجار؛ وهو ما ترتب عليه انخفاض حركة التوظيف في مجال الأخشاب بنسبة 14%، مقارنة بالتوظيف الإقليمي في هذا القطاع، وفقدان العديد من الوظائف في قطاعات أخرى مرتبطة بهذا القطاع. وبصفة عامة فقد قلص هذا الانخفاض حركة التوظيف بنحو 32 ألف وظيفة في قطاع الأخشاب والمنتجات الخشبية عند مقارنتها على المستوى الوطني بالولايات المتحدة، وبنحو 16 ألف وظيفة عند مقارنتها داخل المنطقة. الجدير بالذكر أن هذه التقديرات أقل بكثير من التوقعات التي قدمتها المؤسسات المعنية بهذه الصناعة، وتتوافق مع التوقعات الفيدرالية التي تقدر بـ 13 ألف وظيفة قصيرة الأجل، و28 ألف وظيفة على المدى الطويل.
وفي الوقت نفسه، لم يتجه العمال العاطلون عن العمل إلى صناعات مماثلة تتطلب كثافة في استخدام الأراضي ومجهود بدني، مثل الزراعة والتعدين والبناء في المنطقة. فقط نسبة صغيرة من الرجال في سن العمل غادروا المنطقة. كما انخفضت مبيعات الأخشاب في المنطقة المتضررة بنسبة 45% مقارنة بالمبيعات في الغابات غير المتضررة، وتضاعف السعر المستقبلي المتوقع للأخشاب مقارنة بالسلع الأخرى.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة