التقنية سلاح ذو حدين في التوازن بين الجنسين


إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

هل التقنية مجال عمل ذكوري ولا يناسب طبيعة المرأة؟ سؤال يطرح نفسه علينا بعد أن كثُر الجدل وثارت الاختلافات حول دور التقنية في تحقيق التوازن بين الجنسين في العمل. فالبعض يتهمها بالتحيز لصالح الرجال والبعض الآخر يرى أن المرأة حققت مكتسبات مهمة في العمل بالتقنية؛ وهو ما دفع آخرين للقول إن المرأة ستسيطر على مستقبل العمل في هذا المجال المهم والعصري. وبغض النظر عن هذه الاختلافات فإن التوازن بين الجنسين في العمل هو أمر منطقي، وتوجه حضاري تدعمه المملكة؛ لإيمانها بدور المرأة السعودية في المشاركة في دفع عجلة التنمية ضمن خطط برنامج التحول الوطني وطموحات رؤية المملكة 2030، وزيادة نسبة مشاركتهن في سوق العمل، وتنمية الاقتصاد الرقمي.

اختلال وفجوة

نستهل هذا التقرير بما يبرزه موقع "الاتحاد الدولي للاتصالات ITU" أن هناك اختلالاً في التوازن بين الجنسين في التقنية، ولا سيما في النفاذ للإنترنت واستخدامه. إذ ما زال هناك ثمة فجوة بين النساء والرجال وبين الفتيات والفتيان في النفاذ إلى الإنترنت واستخدامها، وأن هذه الفجوة بين الجنسين في هذا الاستخدام عالمياً تبلغ 17%؛ وهو ما تبدو تداعياته-بحسب الموقع-فيما يتعلق بفرص العمل؛ فعندما تحظى النساء والفتيات بنفاذ إلى الإنترنت وبمهارات استخدام تقنية المعلومات والاتصالات، فإنهن يتمتعن بفرص تأسيس شركات جديدة، وبيع منتجات إلى أسواق جديدة، والعثور على وظائف بأجور أفضل. وفي السياق نفسه فإنه عندما يتم تمكين النساء والفتيات عبر تقنية المعلومات والاتصالات؛ يعود هذا بالنفع أيضاً على الأسر والمجتمعات المحلية والاقتصادات الوطنية. وبإمكان توصيل 600 مليون سيدة وفتاة بالإنترنت أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 18 مليار دولار.

عازمات على العمل

وبالرغم من ذلك فإن ثريا الهاشمي-عبر موقع "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"-تلفت إلى أن 35% من أصحاب العمل على الإنترنت في الشرق الأوسط هن من النساء، في حين أن متوسط النسبة العالمية هو 10% فقط. وترى الهاشمي أن منطقة الخليج ضمن التوجه العالمي الذي يدعم رائدات الأعمال في مجال التكنولوجيا؛ إذ تشير الدراسات إلى أن النساء عمومًا أكثر كفاءة من الرجال من حيث إدارة رأس المال، إلا أنهن يتلقين حاليًّا نحو 2% من رأس المال الاستثماري. وللتصدي لهذه المشكلة، تشجع شركات التكنولوجيا المزيد من سيدات الأعمال على الإنترنت. على سبيل المثال، أطلق "فيسبوك" حملة "عازمات على العمل She Means Business" لتدريب سيدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاستفادة من وجودهن على مواقع التواصل الاجتماعي وتطوير أعمالهن.

الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين

وفي سياق متصل، ترى بتول حمود-عبر arageek تك-أن مجالي الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين من بين أكثر المجالات جذباً في العالم التقني؛ نتيجة للأمور الرائعة والمبهرة التي بإمكانهما تقديمها، لذلك فإن الإقبال عليهما كبير جداً، ولكن السمعة الذكورية طغت على سائر العالم التقني، مما يدفعنا للتساؤل عن دور النساء في هذا العالم وهذه المجالات! ألا تحتاج التكنولوجيا لمساهمات أنثوية؟ فدوماً ما تكون مساهمة الأنثى أكثر حيوية، والتنوع بين الذكور والإناث في الأعمال التكنولوجية مهمّ لخلق المزيد والمزيد من التقنيات المتنوعة من وجهات نظر مختلفة تفيد الجنسين على حد سواء، أم أن النساء فعلاً لا يمكنهن مجاراة الذكور في هذا التقدّم والمساهمة فيه؟!

وتوضح بتول أنه عندما أطلقت Amazon الذكاء الاصطناعي منذ 10 سنوات، فضلت الخبرات والكفاءات الذكورية؛ مما جعل ترتيب النسوة في هذا المجال ينخفض وينحدر. حيث أصبحت هذه الأمور اعتيادية لدى شركات، مثل Google، وMicrosoft، دون التفكير جدياً كيف أن تقنياتها ستسيئ إلى بعض المجموعات مثل النساء. وتلفت إلى أن الانترنت بشكله الحالي في يومنا هذا، ليس بهذا المكان العظيم والرائع للنساء؛ ذلك بسبب أنّ معظم التقنيات التي تشكّل مجتمعاتنا على الإنترنت، تمّ إنشاؤها من قبل الرجال.

نموذج هندي

وعلى جانب آخر، تؤكد دراسة صادرة عن "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)" أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تسهم بشكل بارز في تنظيم المشاريع؛ ذلك أنه أصبح باستطاعة رائدات المشاريع استخدام كافة الأشكال والوسائط التكنولوجية المعاصرة للوصول إلى الأسواق وإدارة أعمالهن. ويتيح هذا الاستخدام الفعال لهن الالتفاف على التحديات الكثيرة التي تواجههن في كل من البلدان المتقدمة والنامية، وتشمل هذه التحديات عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق والأدوات ذات الصلة. وفي المنطقة العربية، يُنظر إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بوصفها خياراً واعداً لدعم أنشطة وتنظيم المشاريع لدى النساء في مواقع متعددة ووفق جدول زمني مرن.

وتقدم الدراسة نموذجاً للدور الذي لعبته التقنية في تجسير الفجوة الرقمية بين الجنسين في العمل، حيث إن إحدى القرى في الهند عندما أُدخلت الحواسيب إليها من خلال مراكز الاتصالات الرقمية؛ بات يُنظر إلى العاملات فيها على أنهن خبيرات في مجال التكنولوجيا المتطورة التي لم يكن معظم سكان القرية يعرفون كيفية استخدامها. كذلك عبَّرت العاملات فيها عن شعورهن بالفخر بوظيفتهن "كفتيات أو نساء يعملن في مجال الحاسوب"، وقد اشتهرت أولئك النساء بوصفهن مشغلات كمبيوتر ماهرات. كما تمكَّن من تسخير الفرص والموارد التي اكتسبنها من جراء عملهن في هذه المراكز؛ لتعزيز قدراتهن على الاختيار.

سيطرة المرأة

في ظل هذه الاختلافات حول دور التقنية في دعم التوازن بين الجنسين في العمل، دعونا نستشرف مستقبل هذا الدور، وهو ما توضحه "شيرل ساندبرج"-بحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة "الاقتصادية"-التي سبق تعيينها مهندسة العمليات التجارية في شركة "فيسبوك"، وأصبحت عضواً في مجلس إدارتها، بقولها إن المرأة سيكون لها في المستقبل السيطرة في عالم التقنية فهذا العمل مناسب لطبيعتها وميلها لتُوازِن بين العمل وحياتها الخاصة والعائلية، وبالرغم من أن "ساندبرج" هي الموظف الأكثر حصولاً على أرباح في بداية تعيينها، حيث حصلت على 30,87 مليون دولار، إلا أنها لم تتأخر أبداً عن موعد الانصراف من العمل في الخامسة مساءً لتتناول العشاء مع العائلة في السادسة. وتشير إلى أنها تظل على تواصل دائم عبر البريد الإلكتروني مع متطلبات العمل. و"ساندبرج" هي من ابتكرت وأطلقت خدمة الأخبار وأعادت كتابة قواعد الويب لتقدم أدوات تستطيع ربط الهوايات بالأصدقاء على موقع "فيس بوك"، كما أنها مسؤولة عن تطوير الأعمال التجارية في الموقع. وقال "مارك زوكربرج" مؤسس موقع "فيس بوك" في بيان تعيينها، إنها شريكته في نجاح الموقع وكان لها دور رئيسي في نمو ونجاح الموقع، وليس غريباً أن تكون عضوة في مجلس الإدارة؛ فطبيعتها مناسبة لنا. وتنصح "ساندبرج" السيدات بأن إعطاء الحق للأسرة والأطفال في ساعات اليوم عامل أساسي في النجاح في الحياة المهنية، فعليهن ألا يستسلمن للنظرة للعمل بجدية ونجاح بالمكوث وقت طويل بالعمل والعودة متأخراً إلى المنزل؛ فهي عملت في "جوجل"، والآن في "فيسبوك"، ولم تتأخر يوماً في العودة إلى منزلها أو تتأخر عن الساعة المخصصة لانتهاء العمل، خصوصاً أن رسائل البريد الإلكتروني وطبيعة العمل في التقنية تجعل السيدة تواصل إنهاء عملها وهي في المنزل وبين أسرتها.

جائزة عالمية للمملكة

إن التوازن بين الجنسين في العمل بمجال التقنية هو أمر طبيعي ومنطقي، إضافة إلى ما تحققه المرأة من تميز في مجالات العمل المختلفة؛ ولذلك فإن المملكة تدعم هذا التوجه الحضاري، والذي يعكس دعم القيادة الرشيدة لدور المرأة بكافة المجالات، وتمكين الفتيات في دفع عجلة التنمية ضمن خطط برنامج التحول الوطني وطموحات رؤية المملكة 2030، وزيادة نسبة مشاركتهن في سوق العمل، وتنمية الاقتصاد الرقمي.

وقد أسفر هذا التوجه، وهذا الدعم عن تحقيق المزيد من الإنجازات لوطننا على المستوى العالمي، والتي من أبرزها أن المملكة حصدت-طبقاً لموقع واس-في بداية شهر نوفمبر عام 2020م جائزة عالمية لتمكين المرأة من الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات لعام 2020م، وهي جائزة "متساوون في مجال التقنية (Equals In Tech Award)" في مسار الريادة التقنية (Leadership in Tech)، والتي تمنحها وكالة الأمم المتحدة المعنية بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات (الاتحاد الدولي للاتصالات)؛ بهدف تعزيز المساواة الرقمية بين الجنسين من خلال إبراز البرامج التي تعد نماذج ملهمة ومتميزة على مستوى العالم، إذ تم الإعلان عن الفائزين وتوزيع الجوائز في حفل افتراضي ضمن فعاليات المنتدى العالمي لإدارة وحوكمة الإنترنت لعام 2020م. وهي الجائزة التي شهدت منافسة بين أكثر من 340 مبادرة ومشروعاً وبرنامجاً من جميع أنحاء العالم.

​​

 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة