وظائف الرؤية وجيل المستقبل

بعد دخول المملكة مرحلة الرؤية وإقرار رؤية المملكة 2030 في رجب 1437هـ، ابريل 2016م لم تعد النظرة للمستقبل مثلما كانت من قبل. ليس فقط لدى المسؤولين والمخططين على مستوى الدولة. بل شمل ذلك كل فئات المجتمع. حتى الآباء والأمهات أصبحوا ينظرون ويخططون لمستقبل أبنائهم بشكل مختلف.

ففي عصر الرؤية اتجهت التخصصات الدراسية المطلوبة لسوق العمل نحو مسار مختلف تماماً عن تلك المسارات التقليدية السابقة. ولم يعد بإمكان من لم يختر تخصصه بدقة وعناية أن يجد الوظيفة المناسبة التي تتوافق مع آماله وتحقق تطلعاته.

وما يؤسف له أن بعض الجهات التعليمية لم تنسجم خططها واستراتيجياتها التعليمية مع متطلبات الرؤية واحتياجات المستقبل. ولازالت تنفذ برامجها التقليدية التي تخرج بطالة، وليس كفاءات وطنية مؤهلة تساهم في نهضة البلد وتنميته.

ولو تأملنا الفئات العمرية للمجتمع لوجدنا أن أكثر من 60% من مواطني المملكة هم من الشباب، وغالبيتهم لازالوا دون مرحلة التعليم العالي، وهذا ما يفرض توجيههم بالشكل الأمثل نحو التخصصات المطلوبة حالياً، وكذلك التي يحتاجها الوطن مستقبلاً وصولاً إلى نهاية الرؤية في 2030. والتي حتماً سيعقبها رؤية أخرى إلى 2050. ليستمر التطور والنماء في البلاد ممتداً ومتحركاً عبر الأجيال.

ورغم التنبه المبكر لبعض أولياء الأمور لأهمية اختيار التخصصات المثلى لأبنائهم في المرحلة الجامعية، إلا أن هناك فئات كبيرة لازالت غير مدركة لأهمية ذلك إلى أن يتخرج الطالب، ثم تبدأ رحلة المعاناة مع البحث عن وظيفة. رغم أن التخطيط المبكر كان يمكن أن يكفيهم هذا العناء والمشقة.

حتى طالب المرحلة الثانوية يصل اليوم إلى اعتاب التخرج دون أن يحدد مساره أو يختار التخصص الذي سيلتحق بالجامعة من أجل دراسته. فلا يوجد في المدراس الثانوية، أو حتى الجامعات برامج إرشادية للطلاب تكشف عن قدراتهم وميولهم وتوضح لهم المسار الأقرب لهم والمتوافق مع قدراتهم. ومالم يوجد بجانب الطالب ولي أمر مهتم ومطلع ومدرك لأهمية المرحلة ويوجهه نحو الاختيار الصحيح؛ فإن الطالب سيدخل في دوامة، وبعضهم سيكون اختياره مبني على مسايرة اتجاه الأصدقاء، أو الاختيار العشوائي. فتضيع سنوات من عمره في التنقل بين التخصصات الجامعية لعدم مناسبة هذا التخصص، أو لتعثره في ذلك التخصص. وبعدما يتخرج يجد نفسه واقفاً على قارعة طريق العمل ممسكاً بملفه الأخضر على رصيف البطالة، يقتله الانتظار وتخنقه الحيرة.

ومن هنا أوجه دعوة للجامعات وكذلك التعليم العام بضرورة إيجاد برامج إرشاد للطلاب المرحلة الثانوية، تنير طريقهم نحو المستقبل وتجعل اختياراتهم أكثر دقة. ففي هذا انقاذ لهم من مستقبل مظلم، وتوفير جهود وطاقات الجامعات، وتخفيف الأعباء عنها في تدريس طلاب ذوي مسارات متعرجة ومتعثرة، وكذلك دعم للتنمية الوطنية بتقليص أعداد المنتظرين والباحثين عن الوظائف، ولإيجاد الكفاءات الوطنية المؤهلة التي تشغل الوظائف التي يحتاجها الوطن في مختلف المجالات.           

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة