​خســـــائرها السنـــــوية 359 مليــــار دولار وتهـــدر 3 ســــاعــات أسبوعــــياً نزاعات العمل .. مصالح متضاربة آثارها سلبية على الجميع
  • ​​​​​​​​نايف الخنفور: نزاعات العمل تحدث عندما يحصل بعض الموظفين على امتيازات معينة دون الآخرين
  • محمد أبا الخيل: النزاعات الشخصية تحدث بين الموظفين، أما النزاعات العملية فتكثر بين المدراء
  • محمد المطيري: الفتور وعدم إنجاز العمل بكفاءة وانخفاض الإنتاجية أهم نتائج النزاعات
  • إبراهيم السبيعي: التواصل الانساني يكسر الحواجز النفسية بين الموظفين ويقضي على النزاعات

 

إذا ما نظرنا إلى بيئة العمل على أنها جزء لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية؛ يصبح توقعنا لحدوث نزاعات في بيئة العمل بين الموظفين وبعضهم أمراً عادياً، لكن ما يقلق في هذه النزاعات تأثيراتها الكبيرة على المنظمات وسير العمل بها ومستويات إنتاجية الموظفين وأدائهم الوظيفي، في هذا التحقيق نكشف أسباب هذه النزاعات، وآثارها، وسبل حلها من واقع تجارب وخبرات الموظفين أنفسهم. 

خسائر وأسباب

نشير في البداية إلى إنه بحسب دراسة عالمية لشركة الموارد البشرية "سي.بي.بي" أجرتها على موظفين أمريكيين؛ فإن نزاعات العمل سببت خسائر مالية كبيرة للشركات، والتي قُدٍرت بنحو 359 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى هدر في الوقت المتعلق بهذه النزاعات والذي يبلغ في المتوسط 2.8 ساعة أسبوعياً، وإن هذا المتوسط يرتفع في كل من ألمانيا، وأيرلندا ليصل إلى 3.3 ساعة.

وتلفت "آني ماك كي" في تقريرها المنشور بمجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" إلى خطورة نزاعات وصراعات العمل بقولها: "تعتبر الاختلافات في الآراء والنقاشات الدائرة في مكان العمل أموراً صحية، أما النزاع في بيئة العمل فهو ليس صحياً بالتأكيد، والسبب في ذلك هو أن النزاع بين الموظف ومديره أمر مربك وهدام مثله مثل النزاع مع أحد أفراد الأسرة الأقوياء، كما أن النزاع مع زميل في العمل يشبه تماماً النزاع مع صديق أو شقيق، أما النزاع مع أشخاص يمتلكون قوة أكثر من القوة التي نملكها فإنه يشبه التنمر".

وتضيف "كي": "بطبيعة الحال، يتعين علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع العدوانية في مكان العمل، لكننا نحتاج إلى فهم بعض الأسباب الحقيقية للنزاع، وهي: الشعور الشخصي بعدم الأمان، والرغبة في السيطرة والتحكم، واعتياد الشخص على حالة الشعور بأنه ضحية"، وفي حال حدوث وتأجج مثل هذه النزاعات والصراعات نتساءل: كيف يمكننا التعامل معها؟ وفقاً لرأى "آني ماك كي"، فإن أهم شيء يجب فعله هو الإقرار بأن النزاع في مكان العمل حقيقي وقابل للتوسع وينطوي على قدر من الألم يساوي تماماً الآلام التي يكابدها الإنسان في النزاعات والصراعات في المجالات الأخرى من الحياة، ولهذا دعونا نتوقف عن التظاهر بأن نزاعات العمل أكثر عقلانية أو أكثر صحية من النزاعات الأخرى التي تندلع في الحياة.

                                                                               مصالح متضاربة

ونظراً لخطورة نزاعات العمل وتأثيرها السلبي على إنتاجية المنظمة وأداء الموظفين؛ فقد اهتمت منظمة العمل الدولية بإصدار دليل عن هذه القضية بعنوان: "أنظمة منازعات العمل: دليل بشأن تحسين الأداء". أشارت المنظمة من خلال هذا الدليل إلى التفاعلات التي تحدث بين أصحاب العمل والمسـتخدمين، والتـي تتأثـر بالممارسات الإدارية، أو التـي تنشـأ خـارج نطـاق جـو العمـل. وقـد تحـدث هـذه التفاعلات على مسـتويات مختلفـة، بين موظف واحـد وصاحـب أو مدير العمـل، أو بين مجموعة من الموظفين، وهذا يدل على أن التفاعلات بين العامل وصاحب العمل قد تكون فردية أو جماعية، ولا يخفى على أحد أنه قد يكون للموظفين وجهات العمل والمنظمات مصالح مشتركة وكذلك مصالح متضاربة. فالمصالح المشتركة بينهم تتعلـق بالعمل والإنتاج، وما ينتج عنها مـن أربـاح، أمـا المصالح المتضاربة-وفقاً للدليل-فتتعلـق بتقاسـم عائـدات العمل والانتـاج؛ حيـث يسـعى الموظفون إلى تحسين أجورهـم والمنافـع الأخرى غير المتصلة بالأجور، بينما تحرص جهات العمل على رفـع الإنتاجية والأرباح، هذا فضلاً عن الخلافات الشخصية بين الموظفين التي تولد نزاعات كثيرة في بيئة العمل.

ويقترح الدليل لإدارة نزاعات العمل تحقيق التعاون في بيئة العمل وهو ينطوي على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتأسيس وتحسين العلاقات بين الإدارة والموظفين وبين الموظفين بعضهم البعض، وهذا يتطلب وجود ترتيبات وعمليات مناسبة تهدف إلى تمكين الموظفين ومديرهم من التفاعل لتحقيق منفعة متبادلة، وينطوي هذا التفاعل أو التعاون على تقاسم المعلومات، والتحدث، والإنصات لبعضهم لبعض، والمناقشة العقلانية، والتفاوض السليم، واتخاذ القرارات بمشاركة فعالة.

ولكي نقترب أكثر من أسباب النزاعات في العمل وكيفية السيطرة عليها؛ نلتقي مجموعة من الموظفين كي يطلعونا على ما يسبب النزاعات من واقع خبراتهم وتجاربهم.

إنتاجية الموظفين

في البداية يشير نايف فهد الخنفور-مدقق الحسابات بوزارة المالية-إلى إن نزاعات العمل ترجع في غالبية الأحيان إلى أسباب وعوامل شخصية، لكنها قد تعود إلى عوامل وأسباب مرتبطة بالعمل عندما يحصل بعض الموظفين على امتيازات معينة دون الآخرين.

ويؤكد الخنفور أن نزاعات العمل لها تأثيرات سلبية على مختلف أطراف هذه النزاعات، لكن المؤسسة أو جهة العمل هي أكثر الأطراف المتضررة جراء هذه النزاعات. مشيراً إلى التأثير السلبي الكبير لهذه النزاعات على إنتاجية الموظفين.

ويرى نايف الخنفور أن الحل الأمثل للقضاء على نزاعات العمل يكمن في وجود جهة تحكم في هذه النزاعات التي تحدث بين الزملاء، إلى جانب توفير بيئة عمل غير تسلطية ولا يكون للمدير سلطة مطلقة فيها.   

سوء الإدارة

من جانبه، يقول المحاسب محمد صقر المطيري: "في الغالب تنشأ النزاعات لأسباب شخصية، ولكن عندما يتم توزيع العمل بمحسوبية بإعطاء أعمال معينة إلى أشخاص بعينهم لتمييزهم عن زملاءهم؛ حينها تنشأ النزاعات بين الموظفين بسبب طبيعة عملهم". ويؤكد المطيري أن نزاعات العمل لها تأثير كبير على الموظفين؛ حيث إنها تسبب الفتور، وعدم إنجاز العمل بكفاءة وفاعلية، وتؤدي إلى سوء الإدارة للعمل، كما إنها-والحديث لا يزال للمطيري-تقلل من مستوى إنتاجية الموظفين بشكل كبير؛ لأنها تجعل من بيئة العمل بيئة غير صحية أو مثالية وغير محفزة.

ويقترح محمد صقر المطيري أن يتم اختيار القائد الإداري المناسب، وتحقيق العدل في توزيع المزايا والحوافز، وتقسيم العمل بشكل عادل؛ حتى يتم القضاء على جزء كبير من هذه النزاعات. 

روح الفريق

ويشير محمد سليمان أبا الخيل-الباحث بوزارة المالية-إلى أن نزاعات العمل تنشأ بسبب مجموعة من الأسباب الشخصية والعملية، لكن النزاعات الناشئة لأسباب شخصية تكون موجودة بشكل أكبر بين الموظفين من المراتب الوظيفية الأقل، في حين تكثر النزاعات التي ترجع لأسباب عملية بين المدراء.

ويرى أبا الخيل أن هذه النزاعات تؤدي مع الوقت إلى قلة الإنتاجية، والتحزب، وغياب روح الفريق في العمل، كما تكون بيئة العمل منفرة وطاردة ويسود بها العناد والتحدي، وفي سبيل القضاء على هذه الظواهر السلبية؛ يقترح محمد أبا الخيل تفعيل الأنظمة واللوائح التي من شأنها حل هذه النزاعات، وزيادة الأنشطة الاجتماعية بين الموظفين والتي تقربهم من بعضهم البعض، واجراء استبيان دوري للموظفين، وتدوير الموظفين بين الإدارات مع مراعاة التخصص.

الاتصال الفعّال

وبالرغم من تعدد أسباب ومصادر هذه النزاعات والصراعات في العمل؛ إلا أن السيطرة عليها، وحلها يرجع إلى قدرة الإدارة على إضفاء لمسة إنسانية على علاقات العمل، وخلق جو حميمي بين الموظفين تسود فيه العلاقات الطيبة التي من شأنها – إلى جانب عوامل أخرى مهمة-أن تسهم في تخفيف حدتها.

ويلقي الخبير الإعلامي وعضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة، إبراهيم السبيعي، الضوء على هذا الموضوع بقوله: "يعد الاتصال والتواصل بين الموظفين داخل بيئة العمل من العوامل المهمة لنجاح الحياة الوظيفية، فهو يشبع الكثير من احتياجات الموظفين، وقد يكون هذا الاتصال إيجابياً أو سلبياً، فعندما يتركز هذا الاتصال على الجوانب الشخصية للموظفين أو شخصنة الاختلاف في وجهات النظر في القضايا الخاصة بالعمل تنشأ الكثير من النزاعات بين منسوبي المنظمة، أما عندما يركز هذا الاتصال على عمل المنظمة وكيفية الارتقاء به وتقديم مقترحات تسهم في النهوض بإنتاجية الموظفين فإنه يكون اتصال فعال وإيجابي".

ويضف السبيعي: "والنوع الأخير من الاتصال هو الشكل الإيجابي الذي يسهم في حل نزاعات العمل، ويعزز العلاقات الشخصية بين الموظفين ويجعلها علاقات منتجة تركز على تطوير العمل بدلاً من التركيز على الجوانب الشخصية"؛ ولهذا-والحديث لا يزال للسبيعي-فإن الإدارة التي تعمل على تعزيز التواصل بين الموظفين هي إدارة ناجحة لأنها تعلم أن هذا الأمر من شأنه تحسين الجو العام لبيئة العمل، ومن ثم فإنها تهتم بترسيخ التواصل الإنساني بين موظفي المنظمة؛ بهدف إشباع الرغبات الوجدانية للموظفين وتعزيز الانتماء للمنظمة.

ويرى إبراهيم السبيعي أن التواصل الشخصي الإيجابي بين منسوبي أية منظمة يساعد على تحقيق الهدوء النفسي والراحة والتخلص من ضغوط العمل وعدم نشوء نزاعات شخصية أو عملية بين الموظفين؛ ولهذا تلجأ الكثير من منظمات القطاع الخاص إلى تخصيص وقت للراحة خلال يوم العمل كي يتقابل فيه الموظفون ويتحدثون حول شئونهم لمشاركة همومهم ومشكلاتهم والتخلص من تأثيرها السلبي عليهم، كما يساعد ذلك على تقريب الحواجز النفسية بين الموظفين مما يكون له بالغ الأثر في عدم نشوء نزاعات مستقبلية بينهم.​​​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة